هكذا هو سجنهم مهما أرادوا بتلك الدعاية الممجوجة، والإعلانات المزورة التي تقوم على التمثيل الزائف في محاولة لتكملة الصورة الزائفة، والبائسة التي تتعلق بالتفكير الاستبدادي الفاشي، مع اعتقادهم بأنهم بحملة علاقات عامة وأغان مصورة سمجة مستخفة يستطيعون أن يصوروا الأوضاع على غير ما عليه من حقائق دامغة
وهو إذ يقوم بعمليات تترجم معاني الهوان والإهانة والمهانة، فإنه يمارس ذلك ليس في اللفظ فحسب ولكن في السياسات أيضا، مقدما كل أنواع الفساد والاستبداد وكأنه حالة إصلاحية تقوم على قاعدة من العبودية والقهر، إلى جانب استخفافه بقهر المواطن مطالبا إياه مع طقوس الظلم اليومية بألا يتألم
الدروس لا تزال تأتي من تلك الخبرة التي تستقى من أحداث عدة؛ امتدت في شكل احتجاجات وثورات وفي شكل حضور للعسكر، وفي أشكال قد تتخذ ما يمكن تسميتها متوالية لا تتوقف من الانقلابات
هكذا يبرر المستبد تلك الحقوق الزائفة التي يروجها لمنظومته؛ بأن له كل الحق في انتهاك أبسط الحقوق للإنسان والمواطن، وهو في هذا إنما يمارس في سياق تلك الخطابات الزائفة والسياسات الكاذبة، والوفود المدلسة التي تواصل عملها في سياسات التزوير والتغرير لتحسين وجه المستبد ومنظومته الفاشية ضمن أوهام يصطنعونها
هكذا يريد هؤلاء أن يصور حال الإنسان والمواطن، وهو حال عكس واقعا مؤلما وبائسا يتسم بصناعة الكراهية وتمزيق كل ما يتعلق بلحمة المجتمع، وافتقاد البلاد للأمان الاجتماعي والأمن الإنساني؛ ضمن سياسات لنظام فاشي احترف تلك العقلية العسكرية، وتمكين المنظومة البوليسية والأمنية
حال الإنسان المقهور والمهدور معروف للكافة، فلا حقوق تأسيسية، ولا حقوق مدنية أو سياسية، ولا حقوق جماعية أو اجتماعية، والإنسان محل للتنكيل والاعتقال والمطاردة، بل وارتكاب المجازر في حقه
هذا من الأمور التي تنال من المواطن وتضعه في حالة تزييف الوعي وتسطيح الاهتمامات والقدرة على صناعة كل ما لا يفيد، ولكنه في النهاية يجعله في الواجهة حتى يتمكن من التحكم في المواطنين وتبرير كل ما يتعلق بمظاهر فساد أو خيبة أو فشل يرتكبه النظام الاستبدادي.. المستبد يزيف ويهدم الدين، وينقض ويزور الوعي
وجب علينا أن نتتبع كل تلك الخطابات التي يمارسها ذلك المنقلب منذ انقلابه وتأثيره في إدراكاته للمسألة الدينية، وأكثر من ذلك التأثيرات التي يتركها على عالم المواطنة وحقوقها والالتزامات المتعلقة بها، فيعبث بالدين والمواطنة معا
في مقال سابق أشرت إلى الخبرة التونسية بمناسبة الانقلاب الأخير وأثر ذلك على المواطنة، واليوم نتناول دروسا من الخبرة الأفغانية.. في حقيقة الأمر ـ أننا نتحدث عن قانون ماضٍ ـ مفاده "أن الغازي المحتل لا يمكنه أن يقيم ديمقراطية في بلد احتله..
الله بريء منه ومن هم على شاكلته، وكل من ساعد أو دعم؛ أقر أو سكت، لأن هذا الجرم الخطير شكّل في واقع الأمر حالة فارقة في مقام وجوهر الإنسانية؛ ذلك الجوهر الإنساني الذي يمثل الركن الركين في قضية المواطنة
الأمر يقع وتتكرر شواهده من خلال تلك الانقلابات المأجورة المصطنعة، وهي إذ تقوم بقطع الطريق على كل مسارات الانتقال السياسي والديمقراطي فإنها بذلك تعتدي على المواطنة وحقوقها فتجعلها مهدورة، وتواصل عملها في تمكين المستبدين في قهر الوطن والمواطنين؛ فتنتج مواطنة مقهورة
كيف تفقد الشعوب مناعتها ضد الاستبداد وتتفرق في مواجهته؛ ضمن مسارات صناعة الفرقة والكراهية والفوضى، فتسمح لأطراف خارجية ضمن بيئة الاستقطاب العقيمة أن تعبث بشئون البلاد والعباد وتقيم صروحا للاستبداد والاستعباد؟
هذا الأمر الذي نشهده، إنما يشكل اعتداء على كل أصول الحياة المدنية، وبالضرورة تجفيف السياسة الحقيقية ومحاولة صياغة المجتمع على شاكلة المطالب العسكرية ورؤيتها لعملية تسيير حياة المجتمع والمواطنين،