ملفات وتقارير

20 خبيرا غربيا يحللون ظاهرة "التهديد الجهادي" وتداعياتها

وقفت الدراسة على نقط التشابه والخلاف بين تنظيمي الدولة والقاعدة- أرشيفية
وقفت الدراسة على نقط التشابه والخلاف بين تنظيمي الدولة والقاعدة- أرشيفية
يُعنى واضعو الاستراتيجيات في العالم الغربي، بدراسة جميع الاحتمالات الممكنة والسيناريوهات المتوقعة عند بناء استراتيجياتهم، لكن هل كان الحال كذلك فيما يتعلق بالتنظيمات "الجهادية" المسلحة، كتنظيم القاعدة، وتنظيم الدولة، وما تولد عنهما من أنماط جديدة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا؟ 

بناء على مقدمة هذه الدراسة التي شارك في إعدادها 20 خبيرا من مراكز تفكير وجامعات أمريكية مختلفة، فإن "الغرب فشل في التنبؤ بظهور أنماط جديدة من تنظيم القاعدة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، لذا أصيب بالصدمة نتيجة انتشار تنظيم الدولة في كل من سوريا والعراق".

ويأتي هذا الجهد البحثي الذي قام به 20 خبيرا، لاستكشاف ودراسة "الحركات الدموية العالمية، واستراتيجياتهم، والسيناريوهات المستقبلية، واعتبار السياسات" ويعكس هذا التقرير الصادر عن معهد الولايات المتحدة الأمريكية للسلام، والذي قام بترجمته للعربية مركز "نماء للبحوث والدراسات" مطلع هذا العام، خلاصة آراء أولئك الخبراء ومضامين تحليلاتهم المختلفة. 

في مقدمته وصف التقرير "الجهادية" بأنها "تطورت بشكل جذري منذ أحداث الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر عام (2001م)؛ إذ تزايدت على مستوى الحركات، والقيادات، والأهداف، والتكتيكات، ومناطق تنفيذ العمليات بشكل لم يكن متوقعا، في الوقت الذي قام فيه المجتمع الدولي بتعبئة قوى غير مسبوقة ضد الجهاديين ـ وإن اختلفت النتائج ـ.

ووفقا لتقديرات الدراسة فإن "الولايات المتحدة ـ وحدها ـ أنفقت تريليون دولار شملت استخدام حملات عسكرية، والمخابرات، والقوانين، والأمن الوطني، والدبلوماسية، ولقد كان التقدم الذي تم إحرازه لا يتناسب مع أعداد مئات القتلى جراء العلميات الإرهابية داخل الولايات المتحدة في الفترة ما بين (2001م إلى 2016م)، وفي تناقض صارخ ـ أيضا ـ مع عدد القتلى في أحداث 11 سبتمبر، وما زال التهديد مستمرا ومؤكدا". على حد وصفهم. 

ورأى الخبراء المشاركون في الدراسة أن "تنظيم الدولة مثَّل تحولا مهما في "عالم الجهاد"، فبعد الاستيلاء على مساحات واسعة من العراق وسوريا عام (2014م)، جذب التنظيم عشرات الآلاف من الشباب الأجانب، الذي يؤمنون ببناء عالم إسلامي جديد في ظل (الخلافة) الجديدة.. ولقد أعاد التنظيم إحياء الحركات الجهادية الموجودة، وشجع على ظهور موجة جديدة من الجهادية بشكل عام".

وفي إبرازها للفوارق بين تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة، لفتت الدراسة إلى أن تنظيم الدولة بدأ في عام 2014 وكأنه حجب الرؤية عن تنظيم القاعدة، إلا أن الأخيرة والتي تعد في طليعة "الحركات الجهادية العالمية" سعت لاستعادة ريادتها ومكانتها العالمية، فقامت بدعم الجماعات الجهادية المحلية في الشرق الأوسط، وفي إفريقيا، وشرق آسيا، والقوقاز، وما يزال قادتها الرئيسيون يقدمون التوجيه العام لتلك الجماعات والفروع التابعة لها.. ويمكن تفسير ذلك بأن تنظيم القاعدة يلعب لعبة طويلة الأجل، وربما يثبت نفسه كنموذج راسخ ومستمر أكثر من تنظيم الدولة.

وتحذر الدراسة من أن التنظيمين (القاعدة الدولة) "يطرحان معا تهديدات متكاملة للأمن العالمي، ويعد الطيف الجهادي الحالي أكثر تنوعا واختلافا عما كان عليه قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر، فلم يعد الخطر متعلقا فقط بـ"الدولة"، و"القاعدة"؛ إذ شكلت الحركات المتطرفة ذات الطابع المحلي تنظيمات أكثر تعقيدا وتنوعا داخل الظاهرة الجهادية في الشرق الأوسط".  

وترصد الدراسة طبيعة التحولات في بنية الدولة القطرية بعد تنامي الظاهرة الجهادية، فتصفها بأنها "أصبحت أكثر هشاشة وضعفا، وأصبحت الأشكال التقليدية للسلطة تواجه تحديا، وأصبح يعاد تعريف الهوية الوطنية، وظهرت مساحات جديدة خارج سيطرة الحكومات التقليدية، فإن الجماعات السنية المتطرفة تتكاثر بشكل كبير ـ بغض النظر عن مصير (الدولة والقاعدة)، ونتيجة لكل ذلك أصبحت المنطقة أكثر هشاشة من الناحية  السياسية والعملية".

أيدلوجية التنظيمات واستراتيجايتها

اهتمت الدراسة بأيدلوجية التنظيمات الجهادية المسلحة، التي "تركز بشكل رئيسي على الإطاحة بالأنظمة المحلية، ولقد توسعت أجنداتها بشكل تدريجي، لتشمل أهدافا عابرة للقارات، في حين انتقل تركيز بعضها على الأهداف ذات الأجل القصير والإستراتيجيات المحلية، كما تضاعفت أعداد الجماعات الجهادية ذات الطابع المحلي، وأصبح للجهادية نماذج متعددة، وإن كان كل من تنظيم القاعدة والدولة من أشهر الجماعات الجهادية العالمية".

وتوقفت الدراسة مليا أمام أوجه الخلافات بين القاعدة والدولة، والتي تدور حول المبادئ الجوهرية في الأيدلوجية، إلا أنهما تشابها من حيث التكتيكات والإستراتيجيات المتنوعة، كما استفادت القاعدة ـ لحد ما ـ من تكتيكات تنظيم الدولة، وحققت مكاسب طرق غير متوقعة". فالقاعدة استغلت ممارسات تنظيم الدولة الشديدة والقاسية، والموغلة في الدموية، لتظهر بمظهر أكثر عقلانية وبراجماتية.

وتلحظ الدراسة أن "تنظيم القاعدة يبدو مختلفا بشكل كبير عن تنظيم الدولة، لأنه يعتمد بشكل أساسي على التحالفات والانتشار على المستوى المحلي، كما أنه يوجد في نمط مختلف تماما عما كان عليه عام 2001م، واحتواء الانتفاضات الشعبية من ناحية أخرى، وإذا كان القادة المركزيون للتنظيم ما يزالون يقومون بإعطاء التوجيهات والإرشادات العامة، فإن القاعدة ما زالت تؤمن بالاتحاد مع الجماعات المحلية لتحقيق أهدافها الخاصة، وفي المستقبل سيكون لتنظيم القاعدة الفرصة، ليصبح الخطر الجهادي الأعظم الذي يفوق خطر تنظيم الدولة.

من وجوه الخلاف التي رصدتها الدراسة بين التنظيمين "مدى اعتماد كل منهما على الدعم الجماهيري، والذي يمثل الاختلاف الأساسي فيما بينهما، فتنظيم الدولة يقهر السكان المحليين، ويهتم بالدعاية الموجهة للجماهير العالمية، كما يستهدف المجندين المحتملين في أرجاء العالم من خلال الدعاية بلغات متعددة، وتتبع رسائل التنظيم ما يسمى المعادلة الصفرية (1ـ .) فإذا لم تنتم لتنظيم الدولة، فأنت كافر، كما أنه يتصرف بلا رحمة ضد من لا يتبع رؤيتها العالمية المتشددة.

في المقابل يعتمد تنظيم القاعدة على الجماهير المحلية والمناطق المشتعلة الداخلية، إذ تسعى القاعدة إلى الحصول على دعم وتعاطف الشعوب المحلية بما يضمن استمراريتها على المدى الطويل. وتمثل سوريا مثالا ممتازا حول هذا السرد، إذ يحكم تنظيم الدولة بلا رحمة، ويقتل بدون قيود في الأقاليم التي يسيطر عليها داخل سوريا، في حين قدمت القاعدة نفسها كفاعل له مرجعية أخلاقية عالية، وذلك من خلال تأسيس تحالفات مع الميليشيات المحلية، والقيام بعمليات تدميرية ـ محدودية ـ في الحرب الأهلية الوحشية في سوريا بحسب الباحثين المشاركين في الدراسة.

مراحل الجهاد العالمي

مر الجهاد العالمي، بحسب الدراسة، بمراحل عدة منذ ظهوره في السبعينات، تميزت مرحلته الأولى (البداية) بظهور المنظرين الجهاديين، مثل سيد قطب وأنصاره في السجون المصرية، ورغم أنهم لا ينتمون إلى التيار السلفي، إلا أنهم كانوا يروجون للخطاب العنيف الإقصائي، ويميلون لتكفير بني جلدتهم.

أما المرحلة الثانية فهي "عملية التلقيح المزدوج" التي تميزت بظاهرتين مزدوجتين هما طرد أتباع جماعة الإخوان من الدول العربية، وتوظيفهم أو تعليمهم في كل من الكويت والسعودية، وهي العملية التي ساهمت في أن يجمع الإخوان المسلمون ما بين التشدد الديني السلفي مع النشاط السلفي، وفيما بعد رفض قادة الإخوان منهج سيد قطب، لذا فالتيار الرئيسي في جماعة الإخوان لم يعد جهاديا، في حين أصبح الجهاد بين الأيدلوجيات والحركات يميل للمنهج السلفي بشكل متزايد في الثمانينات والتسعينات" بحسب رؤية الخبراء المشاركين وتوصيفهم. 

وحددت الدراسة المرحلة الثالثة بأنها بدأت "بأفكار سلفية نشطة، كانت تحفزها أحداث تاريخية، بما فيها الغزو السوفيتي لأفغانستان (1979 ـ 1989م)، وحرب الخليج (1990 ـ 1991م).. والتي تسببت في تمركز مئات الآلاف من القوات الأمريكية في السعودية، والذين كان يتم النظر إليهم كملحدين وكافرين منتشرين على أرض مسلمة..".

وتميزت المرحلة الرابعة بالهجمات الجريئة، مثل هجمات الحادي عشر من سبتمبر على مبنى التجارة العالمي، واحتلت الحركات الجهادية قمة التهديدات الأمنية التي تواجه العالم الغربي، ووفقا للجهاديين، فقد كانت هذه الهجمات دفاعا عن قضيتهم، وبرهان على أن بإمكانهم فعل الكثير".

وكانت المرحلة الخامسة ـ مفترق الطرق ـ والتي بدأت بعد غزو الولايات المتحدة للعراق، والتي أحدثت تحولات بنائية داخل الجماعات الجهادية من حيث الإستراتيجية، والغرض والهوية، وما نزال نشاهد هذه التحولات حتى الآن.

وتشير الدراسة إلى أنه "مع مرور الوقت، فقد تنوعت الدوافع والعوامل الملهمة للجهاديين، فدوافع أسامة بن لادن والمجاهدين العرب في أفغانستان في أواخر القرن العشرين تختلف غالبا عن دوافع المنضمين إلى جماعات مثل تنظيم الدولة وجبهة النصرة في سوريا والعراق في أوائل القرن الحادي والعشرين، ويمثل الجهاديون الحاليون الجيل الثالث من الثالث الجهاديين.

وترصد الدراسة مظاهر اختلاف الجيل الحالي من التنظيمات الجهادية عن الأجيال السابقة، والتي يأتي في مقدمتها أعداده الهائلة، إذ إن تعبئة المقاتلين الأجانب  الآن أكبر مما كان عليه في الأجيال الأخرى، بل يمكن القول إنها تنمو بشكل أُسي، خاصة أن المقاتلين القدامى من الأجيال السابقة الذين على قيد الحياة من المحفزات الهامة للجيل الحالي، وهو ما يوحي بأن نمط أي صراع جهادي سيجلب أعدادا أكبر مما مضى. 

العوامل المحفزة

رصدت الدراسة جذور وخلفيات نشأة تنظيم الدولة، وتتبعت مساراته اللاحقة، وكذلك الحال مع تنظيم القاعدة وإبراز أهم المحطات التي مر بها، ونشأة جبهة فتح الشام وتداعيات انفصالها عن الدولة وإعلان انتمائها الواضح لتنظيم القاعدة، وأتبعت ذلك ببيان استراتيجية تلك التنظيمات، واستشراف مستقبلها بذكر السيناريوهات المتوقعة والمحتملة للتنظيمات السابقة.

وأفردت الدراسة مساحة واسعة لبيان وتحليل العوامل المحفزة لنمو الحالة الجهادية، وطبقا للدراسة فـ"هناك ستة ظروف مواتية ومحورية لنمو الجماعات الجهادية اليوم وهي: 1ـ هشاشة الدولة القومية، 2ـ الاضطراب الأيدلوجي (فشل الأنظمة القومية والعلمانية)، 3 ـ مناطق الصراع (وجود بيئات بها عنف وحروب سابقة)، 4 ـ التدخل الأجنبي (الغزو السوفيتي لأفغانستان سنة 1979، وحرب الخليج 1990، الغزو الأمريكي للعراق 2003، 5 ـ العوامل الاجتماعية والاقتصادية (البطالة، الظلم الاجتماعي..)، 6 ـ التكنولوجيا (سهولة التواصل والاتصال).

وبخصوص صياغة السياسات للتعامل مع الحركات الجهادية، فإن الدراسة أكدت أن "الولايات المتحدة وحلفاءها يواجهون تحديات معقدة، إذ إنهم لا يستطعيون محاربة الإرهاب ببساطة عن طريق القتال المسلح فقط، حيث تستطيع الوسائل العسكرية تعطيل إنجازات هذه الجماعات، لكنها لا تستطيع تفكيكها بشكل دائم أو تغيير اتجاهها الذي نتج في البداية بسبب السخط السياسي الشديد".

ومن أهم الاعتبارات التي يجب أن تأخذها الولايات المتحدة في حسبانها لمواجهة التنظيمات الجهادية بحسب الدراسة: التعاون مع الحلفاء الدوليين والإقليميين، والتعاون مع شركاء محليين أقوياء، والبحث الجاد عن حلول سياسية لمشاكل المنطقة وأزماتها، وعدم الاستجابة لاستفزازات التنظيمات الجهادية، ومعالجة الصراعات الطائفية، واحتواء التنافسات الإقليمية بين القوى والدول الفاعلية إلى غير ذلك من الاعتبارت الأخرى المذكورة في الدراسة. 

وتوصي الدراسة بتبني "سياسة طويلة الأجل"، لأن هزيمة التطرف الجهادي ومنع عودته يتطلب ذلك، بحيث لا يكون هدفها فقط القضاء على المقاتلين، ولكن أيضا تقويض شرعية العنف كوسيلة للحصول على أهداف سياسية، إذ إن القضاء على جماعة متطرفة على الأرض لا يمحي أيديولوجيتها أو يغير الظروف الكامنة التي سمحت بظهورها منذ البداية.. وتحتل سياسات إعادة الإعمار وإعادة التأهيل والمصالحة ـ بشكل خاص ـ وبناء القدرة على التكيف المجتمعي ضد جاذبية التطرف نفس أهمية أي حملة عسكرية لمكافحة الإرهاب، إلا إن الفشل في تنفيذ هذه الخطوات كان مشكلة متكررة.

وعن مستقبل الجهادية، خلصت الدراسة إلى القول إن "وتيرة التغيير في الشرق الأوسط لم يسبق لها مثيل، وبالمثل نطاق التهديدات الجهادية المستقبلية الممكنة، لذا فإن أي إطار تحليلي أو نموذج واحد لا يكفي للتنبؤ بالمستقبل، فاستباق منطقة الصراع القادم وخاصة المرحلة المقبلة من تطرف الجهاديين أمر صعب، إذ إن الجماعات المتطرفة تتحول وتتكيف بسرعة مع التكتيكات، وغالبا ما يكون ذلك أسرع من البيروقراطيات والجيوش الكبرى، وفي الواقع قد يكون الجهاديون دائما على مقدار خطوة واحدة إلى الأمام". 
التعليقات (0)