كتاب عربي 21

سيناء بين التعمير والتدمير والتحرير والتفريغ

سيف الدين عبد الفتاح
1300x600
1300x600
بأي عيد عدت يا عيد، تمر ذكرى عيد تحرير سيناء في هذه الأيام لتؤكد أن سيناء بما تشكله من بوابة شرقية لمصر الوطن، وبما تحمله من جغرافيا تؤكد على الأمن القومي المصري في معركته ضد الكيان الصهيوني؛ بما تشكل من علامة على شرف العسكرية المصرية كما تدين في نفس الآن هذه الطغمة العسكرية التي اغتصبت الوطن ومررت انقلابها على ثورة يناير فقادت تحالفا في مواجهة الثورة الحقيقية، تحالف مصالح من الثورة المضادة، سيناء في هذه الأيام تتصدر المشهد لتؤكد حقيقة كبرى، أن هذه الذكرى شاهدة على من اغتصب الوطن، وفرط في جزء عزيز من أرضه متمثلا في الجزر المصرية ليعبر المنقلب ونظامه ـ ومن مشاهد عدة ـ من أن سيناء أصبحت بالنسبة لهؤلاء صفقة القرن التي يحاولون تمريرها. 

وفي هذا المقام فإنه إذا وضعنا (مقطع الفيديو) المسرب الذي يقوم فيه بعض أفراد الجيش بأوامر من قادة العسكر بقتل مواطنين من سيناء اختطفوا قسريا ثم صفوا بإطلاق النار عليهم في الرأس وفي سويداء القلب بدم بارد وبشكل عمدي، وطاف هذا التسريب الأرجاء لتؤكد منظمتان لحقوق الإنسان (العفو الدولية، وهيومان رايتس ووتش) أن هذا الشريط ليس مفبركا ولكنه حقيقي وهو ما يستدعي أن تقوم كل تلك الدول التي تساعد نظام السيسي الانقلابي وتصدر له السلاح، أو تعطيه معونات عسكرية بأن تتوقف عن هذا، وإلا فإن هؤلاء يقومون بدعم نظام يقتل أبناء الشعب بدم بارد وخارج إطار القانون، وهو أمر دفع هذه المنظمات إلى أن توجه رسالة إلى هذه الدول مضمونها أن دعمها العسكري للجيش الذي يقوم بالقتل خارج اطار القانون إنما يشكل خرقا لكل القواعد وليس هناك من مبرر بدعوى محاربة الإرهاب أن يقوم هؤلاء بالانتهاك لحقوق الإنسان. 

وفي حقيقة الأمر فإن ما يتعلق بسيناء إن كان يدل على حالة حقوق الإنسان في مصر، فإن التعامل مع أهل سيناء على هذا النحو إنما يشكل أمرا أكبر من كونه حالات تتعلق بحقوق الإنسان، فهذا المقطع المسرب والمصور والذي يتضمن تصفية متعمدة من بعض أفراد الجيش مأمورا بقادة العسكر إنما يشكل أحد أهم المشاهد لو وضعت بجوار بعضها لشكلت تلك الصورة المتكاملة التي تتعلق بالإجابة عن سؤال خطير: ماذا يراد بسيناء ولسيناء؟، هذه هي القضية الكبرى التي أكدنا عليها مرارا وتكرارا، ويبدو أننا لن نمل من فتحها في ظل هذا النظام الغادر الفاجر الذي وصل فجره إلى حد بيع أجزاء من هذا الوطن والتفريط في مقدرات سيناء لمصلحة الكيان الصهيوني وفي إطار يشكل عمليات تفريغ ممنهجة لأرض سيناء بما يحقق الأهداف الإسرائيلية كاملة غير منقوصة. 

وحينما تأتي هذه التسريبات وهي ليست الأولى من نوعها ويخرج البعض ليشكك ويتشكك في فيها، رغم أن المقاطع التي بثت وجدت صدي تأكيدات بعض الصحف مثل النيويورك تايمز وبعض منظمات عالمية لحقوق الإنسان من وقوعها وإثبات صحتها ومصداقيتها، من وقوع، فإن هؤلاء يتهربون تارة من خلال الصمت المريب من الجهات الرسمية ومن صدور أي بيانات توضيحية، بينما يتركون العنان واسعا لسدنة إعلام الإفك ليرموا كل أحد بالخيانة ويتهمونه باستهداف جيش مصر، والأمر في الحقيقة على غير ذلك فبين مؤامرة الصمت التي يمارسونها وخطاب التخوين الذي يحملونه وعمليات التشويه الممنهجة بإطلاق قنابل دخان تستر كل هذه الأفعال التي تتعلق باستراتيجية تفريغ سيناء لمصلحة الكيان الصهيوني، حتى إن أحد الصحفيين في صحيفة الحياة اللندنية قد اقترح على السيسي المنقلب أن يقوم بتفريغ سيناء كلية من السكان حتى يتسنى له ضرب كل الأهداف التي تتحرك على أرضها، ضمن كل هذه السياقات تمرر صفقة سيناء التي يريدون. 

ماذا يعني ذلك؟!، يعني أن هذه التسريبات وهذه المواقف والسياسات المختلفة من قبل نظام الثالث من يوليو وسياساته المعلنة والباطنة إنما يعبر عن استراتيجية ممنهجة في إطار تساند خطوات ثلاث؛ أولها تفريغ سيناء من أهلها، على الرغم من أن الخطة البديلة التنموية والعمرانية، هي في زيادة إعمارها لا تهجير سكانها تمهيدا لتفريغها، حيث يشكل هذا الظهير السكاني أهم أدوات التأمين لمنطقة سيناء في مواجهة أطماع الكيان الصهيوني، وتتبع مرحلة التفريغ مرحلة التدويل والتي نشاهد بعض من مؤشراتها سواء في دخول إسرائيل المستباح لسيناء وقيامها بضرب أهداف بشكل مباشر لا نقول ذلك ادعاء ولكن هذا تصريح مباشر من وزير الدفاع الإسرائيلي "ليبرمان"، بل إن بعض المؤسسات الإعلامية الإسرائيلية قد أصدرت في بعض مطبوعاتها ومواقعها الإلكترونية ما يؤكد أن الولايات المتحدة تجهز لضربة عسكرية في سيناء، كل ذلك يعطي مؤشرات خطيرة لتدويل هذه القضية، لنصل إلى المرحلة الثالثة وهي إعادة الملء من غير المصريين لسيناء في ظل صفقة إسرائيلية صهيونية بمباركة أمريكية لتوطين بعض الفلسطينيين في الأرض المصرية السيناوية لتكون الوطن البديل.

هذه قصة سيناء، قصة سيناء أكبر من أن تكون قصة لحقوق الإنسان، وأكبر من أن تكون مسألة تتعلق بمحاربة الإرهاب، وأكبر بكثير من كونها تدخل مخططات تحاول بشكل أو بآخر فصلها عن كامل تراب الوطن وتفريغ أهلها بكل الأشكال، ومن ثم يبدو هذا المشهد الذي أتى في هذا المقطع يقتل السيسي ونظامه فيه بعضا من أهل سيناء هو جزء من عمليات التفريغ الممنهجة والمتعمدة وصناعة الفتنة داخل أرض سيناء وبين أهلها، فيجدون من يساعدهم من أبناء بعض القبائل ويؤلبون بعض أهلها على البعض الآخر، هذه الخطة التي تتعلق بصناعة الفتنة وتكريس الفرقة وإِشاعة بيئة الانتقام إنما تشكل أحد أهم ركائز هذه الاستراتيجية التي وضعها هذا النظام الانقلابي الفاجر القائمة على صناعة الكراهية لوضع كل هؤلاء على شفير حرب داخلية واقتتال أهلي، إنها صناعة الفتنة بين الأقباط والمسلمين، وصناعة الانتقام بين أهل سيناء وقبائلها، وصناعة الفرقة والاستقطاب بين الشعب وبعضه البعض في محاولة شيطنة قوى سياسية ووضعها ضمن خانات الارهاب.

إذن ماذا يخطط هؤلاء لسيناء؟ وماذا يعني مشهد التسريب إلا أن يسهم في كشف المستور، ويعبر عن قيام هؤلاء من خلال خطاب التصفية والاستهانة والاستخفاف بالنفوس والحديث المتكرر عن الإرهاب الذي يتخذ تكئة لتمرير هذه الصفقة المشبوهة، والحديث الآن من جانب المنقلب عن أنه قد نجح في تطويق الإرهاب والانتصار عليه في سيناء فيؤكد في خطابه بكل بجاحة أن ذلك دفع هؤلاء لأن يقوموا بعمليات إرهابية في الدلتا والساحل، رغم أن الإرهاب في سيناء قد فاض وامتد إلى عموم مصر، ويسمي ذلك نجاحا!!!

إن ما يحدث في سيناء لا يقبل السكوت عليه أو التواطؤ بالصمت لأن المشهد هناك بتركيبه وتعقيده والمستهدف مما يحدث على أرض سيناء، إنما يشكل مشروع صفقة القرن حينما يراد له أن يدشن ويطلق على جثث أهل مصر من أهل سيناء والجنود البسطاء، وكذلك بصناعة الفتنة بتهجير الأقباط وتمرير كل ذلك ضمن مشروع التفريغ والتدويل وإعادة الملء، هل يمكننا الآن أن نتحدث عن سيناء التي اغتصبت وسيناء التي تُسَلم يدا بيد لحماية الكيان الصهيوني ضمن مشروع أسماه المنقلب صفقة القرن؟!، إنها صفقة الخيانة حتى لو أطلقت أبواق إعلام إفكهم خطاب التخوين واستهداف الجيش، جيش مصر وقواته المسلحة هو الجيش الذي يحمي الحدود والوجود، أما العسكر فهم الذين ينخرطون في السياسة ويمارسون البزنس ويبيعون أرض الوطن ويفرطون في مقدراته، ألا ساء ما يحكمون وما أقبح ما يفعلون.  
0
التعليقات (0)