قضايا وآراء

تسريب سيناء

حمزة زوبع
1300x600
1300x600
سرت أحاديث القتل بدم بارد في مصر سريان المياه في نهر النيل قبل الشروع في بناء سد النهضة، كثيرون يسمعون عن نهر النيل ولكنهم لم يرونه، لكن سواء هؤلاء الذين رأوه أو أولئك الذين لم يروه لديهم إيمان عميق بأن النيل يجري منذ آلاف إن لم يكن ملايين السنين. 

لم يكن العالم الذي يسمى زورا ب "العالم الحر" بحاجة إلى شريط فيديو أذعناه على قناة مكملين قبل أيام، فموقع المتحدث العسكري مليء بالصور التي أثارت انتباه الكثيرين في منظمات حقوق الإنسان المحترمة مثل العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش وقدموا بناء على ما رأوه تقارير تهز ضمير العالم لو كان للعالم ضمير، ولكن ضمير العالم في إجازة لأن الضحية إنسان يقطن في العالم العربي وفي بلد مسلم وغالب أسماء بني وطنه محمد ومحمود. 

أمريكا أخرجت المواطنة الأمريكية آية حجازي من غيابات السجون بالأمر المباشر وحملتها طائرة عسكرية رغم أنف العسكر وقضاته إلى البيت الأبيض لتجلس على نفس المقعد الذي جلس عليه الجنرال قبل أسابيع عندما تم استدعاؤه لينال شرف الحج والطواف حول البيت الأبيض. 

العالم يعرف منذ اللحظة الأولى للانقلاب أن السيسي جاء بأجندة الموت، ومع ذلك سمح له بتنفيذ انقلابه، ثم تغاضى عن مجازره التي لا تقل بشاعة عما شاهدناه أو ما نشاهده في تسريبات سابقة أو لاحقة، ثم استقبلته فرنسا لتغسل سمعته مقابل مليارات الدولارات في صفقة بيع أسلحة قذرة بقدر قذارة الساسة الغربيين الذين يرحلون ومعهم فضائحهم، ثم ولأنه يمثل العصا الذي يريد الغرب أن تضرب بها الشعوب المسلمة فقد كافأه ترامب بزيارة عاد بعدها الجنرال ليفعل ما يشاء بشعبه. 

هل ما قلته له علاقة بالتسريبات الأخيرة ؟ نعم، والسبب أنه لو كان قتلى سيناء الذين تم تصفيتهم على يد جنود السيسي أقباطا أو يزيديين فلربما كان السيسي اليوم يحاكم أمام المحكمة الجنائية الدولية أو محكمة العدل الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، ولكن لأن القتلى أو الشهداء مسلمون فمن الطبيعي ألا تسمع لهذه التسريبات صدى أو ضجة كبيرة الآن، وأقول الآن لأن الفيديو الذي أذعناه وثيقة لا يمكن محوها من الذاكرة وهي دليل دامغ على ارتكاب السيسي لهذه المجازر وغيرها منذ الانقلاب وحتى اليوم. 

على عكس كل التسريبات السابقة تبدو هذه التسريبات الأكثر أهمية للأسباب التالية: 
1- أنها مادة سمعية بصرية لا تحتمل التأويل أو التفسير 
2- أنها متطايقة مع مواد تمثل أدلة قطعية لوقوع مثل تلك الأحداث في تواريخ سابقة 
3- أنها متطابقة أو متشابهة مع ما جاء على صفحة المتحدث باسم القوات المسلحة 
4- أنها جاءت في أعقاب تقرير مهم للغاية نشرته منظمة هيومن رايتس ووتش تعليقا على فيديو نشره الجيش المصري فيما قال أنه عملية عسكرية أو أمنية في سيناء وتبين بعدها أن فيديو الجيش مفبرك – يا للمفارقة.

5- أنها وعلى عكس سابقاتها لم تواجه بحملة تشكيك في مصداقية أو صلاحية المادة التي تم إذاعتها، بل على العكس فقد أقر أحد أزلام النظام وهو المذيع أحمد موسى بأن من حق الشرطة والجيش أن يقتلوا بدون حسيب أو رقيب. 

6- أن موعد بث الفيديو جاء في نفس اليوم الذي كان وزير دفاع أمريكا يزور القاهرة ومعه نائبة مستشار الأمن القومي الأمريكي التي حملت معها آية حجازي إلى أمريكا. 

7- رغم الحصار السياسي لهذه المادة إلا أن بعض وسائل الإعلام الحر عبر العالم قد تحدثت عن الموضوع وعلى رأسها النيويورك تايمز وال BBC وMiddleast eye والمواقع الإخبارية في العديد من جول العالم مثل المجر وهولندا وتركيا وبريطانيا وأمريكا وأستراليا وغيرها. 

8- القيمة القانونية والحقوقية للفيديو لا ولن يزيل أثرها أي محاولات سياسية بما في ذلك المصالحة لأن حق الحياة قد أهدر على يد مؤسسة بأسرها وليس فقط مجموعة جنود وضباط أو مجموعة قيادات اسمها المجلس العسكري.
 
9- ما جرى بعد بث الفيديو أخطر وأهم من ناحية معرفة التركيبة المقاتلة في سيناء فقد نشرت معلومات عن كتائب عسكرية معروفة بالاسم والرقم بعضها تابع للجيش وأخرى تابعة للقبائل وثالثة تابعة لتنظيم ولاية سيناء، أي أن الجيش المصري ومخابراته على علم بحقيقة السيطرة وخريطة الهيمنة ومع ذلك يخوض معارك خاسرة على جثث الجنود والضباط والمدنيين. 
10- قد تساهم هذه المادة في كبح جماح دعم بعض القبائل التي تقبض ثم مشاركتها في قتل الأبرياء خشية اتساع حجم الغضب ضدها، واستهداف أبنائها مستقبلا كجزء من عملية الثأر القبلي. 

11- ربما ونأمل أن تساهم هذه التسريبات في إعادة النظر ولو جزئيا في الاستراتيجية الأمنية التي يتبعها الجنرالات في سيناء على الأقل لحماية الجنود والضباط الذين يذهبون بغير تدريب وتأهيل ولا رغبة في كثير من الأحيان. 

12- الصمت الرسمي للانقلاب سياسيا وإعلاميا اللهم إلا بعض تبريرات قاتلة تؤكد ما جاء في الفيديو ولا تنكره، يؤكد أن النظام في وضع حرج ومرة أخرى لأن هذه المادة غير قابلة للجدل أو النقاش وليست قابلة للتبديد أو الإخفاء. 

على الرغم مما جاء في بداية المقال من يأس في أن ينحاز الغرب أو ما يعرف كذبا بالعالم الحر، إلا أنني وغيري كثر نؤمن بأن النظام يلقي بنفسه إلى التهلكة وأن الشارع الغاضب كان في حاجة ماسة إلى دليل ملموس قدمناه وألقينا الكرة في ملعبه وأتوقع أنه سيتحرك. 
1
التعليقات (1)
بوب
الخميس، 27-04-2017 01:31 م
عايش في الوهم