سياسة عربية

كيف يعيش سكان الطبقة السورية مع استمرار المعارك بمدينتهم؟

أوضاع صعبة في مخيمات النزوح - أ ف ب
أوضاع صعبة في مخيمات النزوح - أ ف ب
يعيش قرابة 30 ألف مدني في مدينة الطبقة، غرب الرقة السورية، وضعا إنسانيا صعبا، بعد أن أحكمت قوات سورية الديمقراطية "قسد" حصارها على مدينة الطبقة، وسيطرت على أجزاء منها، مدعومة بالتحالف الدولي.

ويقول الناشط مهاب الناصر، لـ"عربي21": "استطاعت قسد التقدم داخل الأحياء الجنوبية، حيث وصلت إلى شارع معمل النسيج جنوب مسجد الحمزة".

وتسيطر قسد حاليا وفق قول، محمد حجازي، نائب رئيس المجلس المدني لمحافظة الرقة السابـق لـ"عربي21"؛ على دوار العجراوي، ودوار العلم، وحارة الوهب، وحارة المقاسم، والإذاعة، مشيرا إلى أن هذا التقدم حصل بعد دخول قسد من الجهة الجنوبية الغربية للمدينة (من جهة السجن المركزي).

حصار وقصف

وما فاقم الوضع صعوبة؛ انسداد طرق الخروج من المدينة، مع ازدياد كثافة القصف الجوي لقوى التحالف، بحسب الناصر.

ويضيف: "يحاول بعض المدنيين الهروب من الجهة الشرقية، فهي منطقة صحراوية واسعة قريبة من الصفصاف الواقعة تحت سيطرة قسد. لكن قسما منهم وقع في حقول ألغام زرعها تنظيم الدولة في هذه المنطقة، وقسم آخر تم استهدافه من طائرات التحالف، وقسم تعرض للقنص من عناصر داعش وقسد"، وفق قوله.

وتشير المعلومات الوارة من مدينة الطبقة؛ إلى أن المدينة تتعرض لقصف كثيف عنيف بصواريخ شديدة الانفجار، إذ يصل وزن بعضها إلى الطنين، إضافة للقصف المدفعي.

غياب الخدمات والاتصالات

وانعكس الوضع الميداني سلبا على الأوضاع الإنسانية، حيث يشير الناصر إلى غياب الخدمات الأساسية، وانقطاع الاتصالات، إلى جانب تدهور الوضع الصحي، وفق الناصر؛ الذي أوضح أنه "لا يوجد ماء وكهرباء منذ أكثر من 30 يوما، فقد نفدت المحروقات، وتوقفت الأفران التي سلمت من القصف".

ويعتمد الأهالي على الآبار السطحية، وهي قليلة، ويقتاتون على ما بقي من مؤونة في البيوت بعد نفاد المواد الغذائية من المحلات.

وباتت مدينة الطبقة معزولة تماما عن العالم الخارجي، بعد أن حجبت قوات التحالف تردد القمر الصناعي الخاص بالإنترنت الفضائي، كما "كان الأهالي يتواصلون مع أهاليهم وأقربائهم بالرقة عبر الخطوط الأرضية قبل أن يستهدف التحالف من أيام مراكز الاتصالات الأرضية"، وفق الناصر.

لا خدمات صحية

أما الوضع الصحي، فهو الأكثر تضررا، فلا يوجد حاليا في المدينة سوى مشفى ميداني واحد؛ غير مجهز بمعدات كافية، وهو أشبه بنقطة طبية للإسعافات الأولية. وتجري الاشتباكات منذ أسبوع تقريبا في محيطه، وهناك إصابات حرجة وحالات مرضية تحتاج لإسعاف فوري. فإصابات القنص والقصف والألغام في ازدياد، ناهيك عن تدهور حالة المصابين بالأمراض المستعصية والمزمنة، كالسرطان والفشل الكلوي والسكر، كما تفتقد المدينة للأدوية وحليب الأطفال، وفق نشطاء في المنطقة.

استغلال الهاربين

ولا تقتصر معاناة الهروب من "الجحيم" على الموت قنصا أو بالألغام، إذ يتعرّض الفارون لاستغلال من أصحاب الزوارق النهرية. فقد أكد نشطاء من محافظة الرقة أن أجرة ركوب الشخص الواحد قد تصل لـ200 ألف ليرة، ويُحشر حوالي 40 شخصا في القارب الواحد. وتقطع الرحلة مسافة 8 كم تقريبا خلال نصف ساعة، فيما يؤكد الأهالي أن الجميع يستغلهم، فأصحاب المراكب يتعاملون مع تنظيم الدولة وقسد.

ولا تنتهي المعاناة بالخروج من الطبقة، فبمجرد وصولهم للضفة الأخرى يتعرضون لابتزاز قسد التي تتهمهم بأنهم دواعش، كما يروي ناشطون.

معركة "محسومة"

ويرى خبراء عسكريون أن معركة الطبقة محسومة لصالح قسد، لكن هناك مخاوف من التكلفة التي ستدفعها المدينة وأهلها حتى يتحقق هذا الحسم.

ويقول الخبير العسكري العميد أحمد رحال، لـ"عربي21": "معركة الرقة محسومة لقسد، وتعتمد سرعة الحسم على مقاومة داعش". ويرى العميد رحال أنّ التحالف وقسد لا يمانعان من الدخول للمدينة "ولو كانت أنقاضا".

كما يذهب محمد حجازي، بهذا المنحى، قائلا: "إنها حرب تدمير لكل شيء، وفي النهاية ستسيطر قسد على المدينة"، على حد تقديره.

ويعتقد مراقبون بانسحاب تنظيم الدولة لاحقا، "وهذا ما يفسر منع التنظيم خروج المدنيين، فهو يريد استخدامهم دروعا بشرية، كما حدث عندما خرجت بقايا قواته من منبج باتجاه جرابلس"، وفق حجازي.

ويقول رحال: "ترك داعش السكان من أجل استخدامهم دروعا بشرية لتأمين انسحابهم"، مضيفا: "توجد تسريبات حول نية داعش الانسحاب واللجوء لحرب العصابات، ولا سيما بعد أن فشل ببناء الدولة ونضوب الموارد بما في ذلك توقف بيع النفط للنظام".

مستقبل غامض

ويرى رحال أنه "قد تشبه معركة الطبقة عين العرب ومنبج، وربما يكون الدمار أشد فالقوى الثلاث، التحالف، قسد، داعش لا تكترث بدمار المدينة".

ويتخوف آخرون من عملية التغيير الديمغرافي، حيث يرى حجازي أن "الهدف من القصف قتل أكبر عدد من سكان الطبقة من أجل التغيير الديمغرافي".

ويؤكد حجازي أن معاناة المدنيين لا تتوقف عند القصف والنزوح، إنما تستمر بعد ذلك، واصفا الوضع بمخيم عين عيسى الذي أقامته قسد؛ "لا يصلح للحيوانات ناهيك عن الاعتقالات بتهمة الانتماء للجيش الحر سابقا أو أن أقاربه دواعش"، وفق تأكيده.
التعليقات (0)