مقالات مختارة

قمة لا تشير إلى القدس عمياء ..!

أكرم عطا الله
1300x600
1300x600
كل الحالة العربية تدعو للرثاء والجزيئات تعبر عن الكليات كما قال علم المنطق اليوناني القديم. ومخطئ من يعتقد أن أمة على هذه الدرجة من الوهن والسذاجة يمكن أن تكون أكثر من مطية لدول تحسب بذكاء شديد لمصالحها وتدير سياسات باحتراف شديد ومراكز دراسات تزن كل شيء لعقود قادمة، فليس من مصادفات التاريخ أن تميل الموازين بهذا الشكل البائس، وليس من المصادفات أيضا أن تفشل كل الدول العربية بما تملكه من إمكانيات في إقامة دولة فلسطينية.

المسألة هنا ليس فقط أن العرب مصرون على السكن في الماضي الدموي المتخلف، وسط صراعات القبيلة والصراعات المذهبية التي أصبحت مدعاة للسخرية في العالم الحضاري، بل المحزن أن كل الصراعات التي يخوضها العرب هي لصالح آخرين أكثر دهاء، يستخدمون العقل العربي والفعل العربي أداة لأجنداتهم، فالعرب يملكون فائض المال وفائض الدم وهذا ضروري في المعارك، وفي كل مرة يدفع العربي بسخاء شديد بعد أن يكون قد أقنعهم أحد ما بجدوى السخاء مستغلا عقلا يقبع في القرون الوسطى، وجاهزا لتلقف أي شيء بسذاجة شديدة.

المسألة ليست بأن العرب يتداعون لمواجهة إيران في واحد من أحلاف المنطقة التي لم تتوقف فيها التحالفات عن استنزاف الجسد العربي، هذه المنطقة ضربت أرقاما قياسية في التحالفات وتبدلاتها.
ما هي قضية العرب والمسلمين الأولى؟ طهران لا القدس، كما كان ذات مرة عندما صعدت كابول وأصبحت قضية الإسلام الأولى، وجرفت معها العقل العربي الذي يجند سياسيوه وشيوخه بين ليلة وضحاها للفتوى، لإقناع هذه الأمة بأن كابول أطهر وأقدس من القدس قبل أن تكشف وثائق التاريخ أن واشنطن هي من أقامت أذان الجهاد هناك في صراعها مع الاتحاد السوفييتي، وكان على العرب والمسلمين أن يدفعوا بالمال والرجال وكم كانوا كرماء قبل أن ترتد المسألة على الدول العربية كثمن لتلك المغامرة، التي جرى استخدامهم فيها كأدوات رخيصة في حروب الغير.

الحقيقة التي يجب أن تشكل إهانة للعرب والمسلمين ترد في التقارير السنوية للأمن القومي الإسرائيلي، التي تعيد التأكيد أن العدو الأول لإسرائيل في المنطقة هي إيران، هذا بعد أن أصيبت كل عوامل القوة العربية بالعطب مستسلمة لضعفها تقوم بالتودد لإسرائيل من تحت الطاولة. لم يعد هناك ما يقلق إسرائيل من العرب ولا المسلمين الذين يخترع لهم أي آخر أولوياتهم، ويوجه بوصلتهم مندفعين مالا ورجالا يفترش لهم رجال الدين طريق الضلال مرة عن كابول وأخرى عن طهران والشيعة، أما القدس فهي تختفي تحت العمامة واللحية؛ لأن هناك بعبعا إسرائيليا لمن يقترب من حدود القدس.
تماما قبل ثماني سنوات وفي مثل هذا اليوم كان نتنياهو في طريقه إلى واشنطن للقاء الأول مع الرئيس باراك أوباما حاملا الملف الإيراني، وأراد قلب الأولويات الأمريكية قبل أن يفاجئه أوباما آنذاك بأولوية الملف الفلسطيني، ويطلب منه الاعتراف بحل الدولتين ويترك ملف إيران لواشنطن، الذي عملت به الولايات المتحدة وحدها بمعزل عن إسرائيل والعرب، وهو ما أثار تل أبيب التي عارضت الاتفاق لكنها عجزت عن تخريبه هي والعرب، وفي بداية تسلمه منصبه رفع الرئيس ترامب سيف الخلاف مع طهران من جديد، في تقاطع مع مصلحة نتنياهو الشخصية والوطنية.

ربما يكتشف أو اكتشف الرئيس الأمريكي أن ما تحقق من اتفاق حينها يلبي تماما المصالح الأمريكية ويضع قيودا على الدولة الإيرانية، فلم تكن الدولة الأمريكية العميقة وأجهزة الأمن والاستخبارات الأمريكية لتفرط في شيء من مصالحها الدقيقة، لكنه اكتشف أيضا أن إسرائيل التي استطاعت إقناع الإقليم بتسعير الصراع المذهبي، قدمت للولايات المتحدة خدمة طلب العرب للحماية، وهذا ما عبر عنه الرئيس ترامب الذي أحدث تحولا هائلا في موقفه تجاه السعودية من الاستهداف ثم إلى الحماية، مؤكدا أن عليها أن تدفع ثمن حمايتها.

جاريد كوشنير صهر الرئيس ترامب، كان يتسلم ثمن فاتورة الحماية مسبقا بمبلغ 110 مليار دولار ثمن أكبر صفقة للسلاح بين واشنطن والرياض، وبالتالي فإن استقرار ترسيخ الحماية وتشكيل الحلف، أغلب الظن أنه لن يذهب لفتح معارك مع إيران؛ لأنه سيشكل أداة ابتزاز دائمة لكل العرب المذعورين، تتطلب بقاء البعبع الإيراني كما هو لاستمرار الصفقات والأموال، متزامنا مع استمرار حملة التخويف، خاصة أن إسرائيل هي من يتولى إمداد الملف بالمعلومات الاستخبارية، أية معلومات تلك التي لن تكون سوى صب الزيت على نار الصراعات المذهبية وسط أمة احترفت الاحتراق.

ما يدعو للرثاء، هو أن المراقب للصراعات في الإقليم يمكن أن يرى أن هناك ثلاث دول إقليمية ذات وزن حقيقي وحضور كبير، كل منهم يستخدم العرب إلى حيث يريد، هي تركيا وإيران وإسرائيل .. ثلاثتها دول غير عربية لأن حالة العرب أضعف كثيرا من أن تسجل لنفسها حضورا وتبدو كل تحالفاتها العربية ضعيفة جدا. تركيا تراجعت، وفي الآونة الأخيرة بدا موقفها في سوريا مضطربا، وضعفت بسبب تدخلها المغامر وفشل سياستها وتقزيم مكانتها في صراع الكبار وبعد اتفاقها مع إسرائيل، لذا بقيت إسرائيل وإيران تتصارعان في المنطقة العربية لا يخلو خطاب أي منهما من تهديدات للأخرى، كل يحاول إقامة تحالف ضد الآخر، ومؤسف أن العرب ليسوا أكثر من مجرد أدوات في هذا الصراع دون تجميل للواقع العربي.
ما أعلنه البيت الأبيض أمس من توقيع اتفاقيات التسلح، هو بيت القصيد بالنسبة لرئيس قادم من عالم التجارة كانت غزوته الأولى إلى بيت المال دون غيره، المال هو كلمة السر لرئيس رفع شعاره أمريكا أولا، والعرب ليسوا سوى أمة ضعيفة ليس عسكريا فقط، بل ضعف السياسة والوعي من السهل استدراجها ومن السهل خداعها ومن السهل استخدامها ...علينا الاعتراف بذلك..!

الأيام الفلسطينية
0
التعليقات (0)

خبر عاجل