قضايا وآراء

طعنات دامية في الجسد العربي

إبراهيم يسري
1300x600
1300x600
ليس من باب التشاؤم أو النظرة السوداء لما يدار لنا من خدع ومؤامرات منذ قرون، تمس مصير وأوضاع الدول العربية، وتهدف لاندثار الهوية العربية والعقيدة الإسلامية.

وكنت كغيري من الباحثين أتلقى الصدمة بعد الأخرى لتقزيم العروبة وتخريب العقيدة الإسلامية، وأسجلها متمنيا بل وواثقا؛ بأن لدى العرب والمسلمين وضوح في الرؤى وتصميما على البقاء في إثراء العالم كله بالعطاء الحضاري الذي بدأناه بإخراج أوروبا من كهوف الجهل والتوحش، وتقديم الدين الإسلامي كرسالة سلام وازدهار للعالم كله، ليس بقوة السيف ولكن بسماحة العقيدة وكرامة الإنسان، فانتشر شرقا وغربا بين أكثر من مليار ونصف إنسان.

غير أن حدثين هامين ومؤثرين قد وقعا في الفترة الأخيرة دفعاني للخروج عن صمتي ومشاركة الآخرين في تنبيه وتحذير العرب والمسلمين من الاقتراب من الهاوية:

الأول: هو مؤتمر الهوان العربي مع سيدنا ترامب، في أول زيارة له للخارج توجه إلى السعودية، سادنة الكعبة ومسجد الرسول وحامية الإسلام، ثم إلى إسرائيل، في خطوة معدة بعناية لتمرير المشروع الأمريكي السعودي الإماراتي الصهيوني لإنهاء المشكلة الفلسطينية باغتيال الحقوق الفلسطينية وتقزيم حل الدولتين، ولتأمين تدفق الأموال السعودية والخليجية لأمريكا. ثم يتطور الأمر إلى دعوة ملوك وأمراء دول الخليج للسعودية للقاء ترامب، وينتهي الأمر بدعوة مصر لتنضم لدول الخليج في لقاء ترامب.

ولإخفاء سوءات ومظاهر الضعف، وتغطية الحياء، أطلق على زيارة ترامب للسعودية المؤتمر الأمريكي العربي الإسلامي الذي أحضروا له 55 رئيسا وممثلا للدول الإسلامية، يعترف ويسجل كذبا وإفكا أن الإسلام هو مصدر الاٍرهاب في العالم. ولم ينته عند هذا الحد، بل وأسس جهاز في السعودية، مهد الإسلام وحاميته، أسموه مركز الاعتدال، ومهمته أمركة الإسلام بحجة تطويعه ضد ما أسموه بإرهاب المتطرفين المسلمين.

والثاني: هذه الحرب الشعواء غير المبررة ضد دولة قطر - الدولة ذات المبادئ والدبلوماسية النشطة في حل المنازعات الدولية - التي راحت تحيك لها كبرى دول الخليج، التي أخذها الغرور، التآمر والتنابذ، تلك الدول التي تمول الانقلابات وتنسق دون خجل مع الغرب والصهاينة، ووصل الأمر بها إلى تمويل وتشجيع عملية تعطيش مصر حتى تصبح هي الأقوى والرائدة، ونسيت أنها ستذهب إلى الهاوية لأنها في كل الأحوال ستظل دويلة صغيرة.

وعليه يمكن إيجاز الطعنات التي وجهها العرب للعرب، وليس لأعداء العرب والمسلمين:

- المؤامرة الكبرى التي بدأت بوعد بلفور بمنح فلسطين لليهود، وتم بذلك اغتيال حقوق وأرض الشعب الفلسطيني وزرع الكيان الصهيوني في الأرض العربية، ومساعدته على التغلب على كل القوى العربية.

- اكتشاف أكبر حقول للنفط في العالم في جوف المشرق العربي (بالإضافة إلى ليبيا والجزائر)، وسيطرت بريطانيا وأمريكا في المشرق وفرنسا في المغرب؛ لنهب هذه الحقوق، بتشجيع إقامة دول رخوة، وبث التنابذ القبلي وشحذ العقلية القبلية والحزازات القديمة بين الحكام والشعوب.

- إعطاء أمريكا لصدام حسين الضوء الأخضر لغزو الكويت عن طريق جلاسبي، سفيرتها في بغداد، وكانت النتيجة هي تجنيد الدول العربية للاشتراك مع قوى أخرى في إفشال الغزو العراق وكان الهدف الدفين هو أضعاف العراق إلى أن تم القضاء نهائيا على الجيش العراقي بالغزو الأمريكي، تذرعا بكذبة حصوله على أسلحة الدمار الشامل. وأسفر ذلك عن ضرب التوازن بين العراق وإيران وتركيا ومصر في المشرق الذي كان يعزز السلام في المنطقة منذ عقود طويلة من الزمان.

- واستكملت أمريكا المخطط بتسهيل نشر الطائفية بالعراق حيث أحضر أكبر أئمة الشيعة من طهران، ودخل العراق على ظهر حافلة أمريكية ثم أعقب ذلك بول بريمر، حاكم العراق الأمريكي، بتسريح الجيش العراقي وأعطى الشيعة الأغلبية في مجلس الحكم، وانتهي الأمر إلى حرب طائفية تستمر حتى اليوم.

- الحرص على الإبقاء على ضعف وهشاشة تأثير جامعة الدول العربية التي اتخذت في معظم الأحوال منهج الشجب والإدانة، بل والتخلي عن مسؤولياتها الواردة في ميثاقها ومطالبة الأمم المتحدة بتحمل مسئولياتها ضد العدوان على الحق العربي.

- خلخلة الأمن في المشرق وضرب وجود دولتين عربيتين هي سوريا واليمن.

- الالتفاف حول القوة المصرية حامية العرب الأولى بالحرب 1956 و1976 ومناورة حرب 1973، وتأمين الدولة العبرية بمعاهدة السلام، وتقليص سيادة مصر على سيناء ثم التشجيع الخفي أو السكوت عن شمولية الحكم الذي دام عدة عقود، والذي أفقر مصر ونشر فيها الفساد والخنوع للقمع العسكري، وإضعاف العقيدة العسكرية للجيش المصري، وأخيراً دفع إثيوبيا لتعطيش مصر، وقبل ذلك التغاضي عن التعدي بالقوة على شرعية الحكم فيها بعد ثورة 25 يناير.

- العمل على إفشال الربيع العربي واستعادة نفوذ الدولة العميقة في مصر وتونس، واستعادة الدور الروسي في سايكس بيكو، تمهيدا لتحقيق حلم جورج بوش الابن والمحافظين الجدد في أمريكا؛ بإقامة شكل جديد بالشرق الأوسط.

ووصلنا في النهاية لضرب قطر لأسباب مختلقة إلى منهج الحرب العربية- العربية الذي لا يخدم المصلحة العربية، بل يتوافق مع مخططات إسرائيل والغرب وروسيا.

هل نشهد نهاية الحلم العربي وأمركة هويتنا الدينية، أم تنهض شعوبنا من الخليج إلى المحيط فتصلح حكامها أو تنحيهم دفاعا عن وجودنا وديننا؟
التعليقات (0)