قضايا وآراء

التصعيد ضد قطر.. يفتح البازار على القضية الفلسطينية

أحمد الحيلة
1300x600
1300x600
بدأت الجولة الثانية من التصعيد السياسي بقطع السعودية والإمارات والبحرين ومصر.. لعلاقاتها الدبلوماسية مع قطر، وبإعلانها وقف حركة الطيران، وتنقل الأفراد، والتبادل التجاري معها براً وبحراً وجواً، في خطوة أشبه بإعلان الحرب أو التحضير لها، بعد التصعيد الإعلامي ضد الدوحة بذريعة دعمها إيران، و"الإرهاب والتطرف الإسلامي" المتمثل في الإخوان المسلمين، وداعش، والقاعدة، والحوثيين، والشيعة في البحرين والسعودية.. بصورة توحي وكأن قطر شيطان أكبر، وأخطبوط دولي يفوق قدراته أعتى وأكبر دولة في العالم..!

من البديهي لأي مراقب ملاحظة أن التصعيد ابتدأ وما زال جارياً من طرف واحد، ويتعاظم ككرة الثلج، ما يشي بوجود قرار مسبق، وتوجّه سياسي من أعلى المستويات لثني قطر عن موقف ما، أو لفرض أجندة سياسية غير معلنة رسمياً إلا عبر وسائل الإعلام الموالية للسعودية والإمارات ومصر، مفادها أن تعيد قطر النظر في موقفها من إيران ومن دعمها الإرهاب والتطرف الإسلامي.

وبالنظر إلى موقف قطر من إيران، يُلاحظ أنه لا يختلف كثيراً عن عموم موقف دول الخليج، فهي سبّاقة في دعمها المعارضة السورية ضد النظام السوري، على عكس الموقف الإيراني تماماً، هذا بالإضافة إلى مشاركتها السعودية والتحالف العربي ضد الحوثيين حلفاء إيران في اليمن، ناهيك عن تحالفها مع تركيا المنافس الأشد للسياسة الإيرانية في المنطقة.

وبالتالي، فإن تفسير التصعيد على خلفية دعم قطر لإيران وللطائفة الشيعية في سوريا أو الخليج مسألة مجانبة للموضوعية والصواب. ومن هنا، فإننا نعتقد أن دوافع التصعيد تذهب باتجاهات أخرى بعضها معلن وبعضها الآخر غير معلن لحساسية الإفصاح عنه.

فمن الأمور المعلنة إعلامياً وبشكل غير رسمي، هو خلافات قطر مع الإمارات في إدارة الأزمة اليمنية، حيث تقترب قطر في موقفها من السعودية، في تباين واضح مع الإمارات الداعمة لأطراف جنوبية انفصالية في عدن على حساب الشرعية بقيادة الرئيس هادي المدعوم من السعودية والتحالف العربي. هذا بالإضافة لموقف قطر الداعم للمجلس الرئاسي في طرابلس والمعترف به من الأمم المتحدة، مقابل دعم الإمارات ومصر للجنرال حفتر وحكومته في بنغازي وشرق ليبيا.

وبالاقتراب أكثر من الملف المصري، فإن قطر تراجعت كثيراً عن موقفها من الانقلاب العسكري بقيادة الرئيس السيسي ضد الرئيس محمد مرسي المنتخب، وقدّمت العديد من التنازلات للسعودية في هذا الشأن عام 2014، خاصة وقفها لقناة الجزيرة مباشر مصر، وطلبها من قيادات الإخوان المصريين مغادرة الدوحة، بالإضافة إلى تخفيفها من حدّة التغطيات الإخبارية للشأن المصري عموماً.. وهذا كله يُحسب لصالح قطر داخل مجلس التعاون الخليجي، لا سيّما حرصها على إبداء المرونة والتعاون مع السعودية تحديداً.

فإذا كانت تلك المواقف تشفع لقطر أمام السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي، فما الذي بدا منها حتى استجلب كل هذا التصعيد الذي يُنذر بتفكك المنظومة الخليجية، وإشعال الفتنة بين الأشقاء الأكثر قرباً من حيث عُرى الدين، والتاريخ، والأواصر الاجتماعية، والمصالح المشتركة؟

ما تتحاشى بعض الدول الحديث عنه صراحة، ويُفسر دوافع وخلفيات هذا المشهد الخطير على منطقة الخليج والشرق الأوسط؛ هو الموقف من القضية الفلسطينية ومن حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، التي تمثل امتداداً لحركة الإخوان المسلمين. ليس هذا فحسب، بل أصبح بازار القضية الفلسطينية مدخلاً لبعض المتنافسين، إما على خلافة الملك سلمان في السعودية، أو على زعامة منطقة الخليج والشرق الأوسط في ظل الفراغ الناشئ عن غياب الدور المصري الرائد، أو السوري، أو العراقي.. وبالتالي، فإن نجاح أي من المتنافسين في هذا الميدان يتطلب قبولاً أمريكياً، ويستدعي بالضرورة الدخول إلى البيت الأبيض عبر البوابة الإسرائيلية، ما يعني فتح السباق على مصراعيه لتقديم التنازلات في القضية الفلسطينية.

وفي هذا السياق، لا بد من التذكير بأن السعودية طلبت من قطر عام 2014، طي ملف وجود قيادة حماس السياسية في الدوحة، بالتوازي مع طرد قيادات الإخوان المصريين حينذاك.. ولكن الدوحة رفضت الاستجابة لذلك، معتبرة القضية الفلسطينية أكبر من أن تخضع للخلافات بين الدول العربية. وعلى صلة بالموضوع، فقد أفادت بعض المصادر إلى أن لقاء الرئيس ترامب بالأمير تميم على هامش قمة الرياض 21 أيار/مايو الماضي، تناول وجود قيادة "حماس" في قطر، وهي القضية التي كانت محل خلاف بينهما وأزعجت الرئيس الأمريكي، ما يشير إلى تزايد مستوى الضغوط على قطر بشأن موقفها من المقاومة الفلسطينية ومن دعمها الشعب الفلسطيني المحاصر في قطاع غزة.. وهو ما يُفسر مغادرة عدد من قيادات "حماس" العاصمة القطرية نهاية أيار/ مايو إلى جهات مجهولة، والذي اعتبرته "حماس" في بيان لها مجرد "تنقلات في الساحات المختلفة وفق ما تقتضيه مصلحة العمل" عقب انتخاباتها الداخلية.

بالإضافة إلى ذلك، لا بد من الإشارة إلى لقاء أجهزة الأمن المصرية 4 حزيران/ يونيو الجاري، مع وفد قيادي من "حماس" في القاهرة برئاسة يحيى السنوار، وبحضور الدكتور موسى أبو مرزوق القادم من الدوحة.. حيث تشير مصادر مطلعة إلى أن مصر مارست ضغوطاً على حركة "حماس" لتغيير موقفها السياسي بالتساوق مع دول ما يُعرف بـ "الاعتدال العربي"، تحت سيف التهديد بما ينتظرها نتيجة التصعيد ضد الدوحة المستضيفة لقيادتها السياسية.

أما الموقف الأمريكي الرسمي على لسان وزير الخارجية تيلرسون، ووزير الدفاع ماتيس، الذي حثّا فيه دول الخليج على "حل خلافاتهما، وبأن واشنطن ترغب في المساعدة في ذلك"، ومن ثم تأكيد البنتاغون على عدم وجود أي خطط لتغيير الوجود الأمريكي في قطر، وشكر الدوحة على تعاونها في حفظ أمن المنطقة؛ فهو في تقديري مجرد خطاب إعلامي استهلاكي، يتعارض مع مجريات الأحداث التي أخذت منحاً تصعيدياً عقب قمة الرياض (العربية الإسلامية الأمريكية) مباشرة. فإذا كانت واشنطن غير راضية عن التصعيد ضد قطر، فيمكنها وبكل سهولة أن تضغط على حلفائها وأصدقائها (السعودية، الإمارات، مصر) لوقف هذا التصعيد واللجوء إلى حل الخلافات بالحوار.

أعتقد أن التصعيد ضد قطر، ما كان ليكون لولا علم واشنطن به ومباركتها له مسبقاً، لدفع قطر إلى بيت الطاعة أو "الوصاية" كما عبّر عنها وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني (6 حزيران/ يونيو) في لقائه مع قناة الجزيرة.

الخيارات أمام قطر محدودة، فهي إما أن تقبل بشروط السعودية، وسيتجلى ذلك بوضوح في موقفها من قطاع غزة المحاصر، ومن وجود قيادة حركة "حماس" السياسية في الدوحة. وإما أن ترفض تقديم تنازلات في القضية الفلسطنيية، وتحاول المراوغة بتقديم تنازلات في بعض الملفات الأخرى كالموقف من مصر، أو في الملف الليبي.. ولكني أعتقد أن محور ما يُسمى بالاعتدال العربي لن يقبل بالتجزئة هذه المرّة، وسيضغط باتجاه التغيير الجذري في الموقف القطري استثماراً للحظة فارقة تَظُن فيها بعض الدول العربية كالسعودية والإمارات ومصر أنها قادرة على تحصيل كل ما تريد تحت ضغط التحالف العربي الإسلامي الأمريكي، إيذاناً بتمهيد الطريق لترتيب ملفات الشرق الأوسط، عبر تصفية ما يُسمى بالإسلام السياسي الذي أظهر قوته في الوصول إلى السلطة عبر "ثورات الربيع العربي"، وهو الأمر الذي تعتبره تلك الدول خطراً وجودياً، وهو ذات الهدف الذي أشار إليه وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان أمام الكنيست (5 حزيران/ يونيو) بقوله: "أكدت لنواب الكنيست أن حصار قطر يعزز التعاون الخليجي المصري الإسرائيلي للتحالف في مكافحة الإرهاب الإسلامي، وسيفتح المجال أمام تعاون إقليمي أوسع معنا، فالدول العربية صارت تدرك الآن أن الخطر الحقيقي عليها ليس إسرائيل بل الإرهاب الإسلامي".

الأيام القادمة ستكشف المزيد من التفاصيل والحقائق..، ولكن إذا كان الثمن هو القضية الفلسطينية، أو إذا كان الثمن هو المُثول لمنطق "الوصاية" السياسية، فالموضوع يستحق المواجهة، الأمر الذي يستدعي استعادة تقاطع المصالح بين الأطراف المتضررة أو المستهدفة، لأن الأمر لن يقف عند قطر أو "حماس".. بل سيمتد إلى أطرافٍ أخرى ما زالت تشكل عائقاً أمام المشروع الصهيوني في المنطقة.
التعليقات (1)
محمود المصرى*ّ ... رِحْلَةَ الشِّتَاء وَالصَّيْفِ
الأربعاء، 07-06-2017 12:51 م
واضح أن آل سعود يريدون إستغلال "الصفقات" السخية مع الرئيس الأمريكى , وقبل أن تفقد سخونتها فى الضغط على قطر حتى تذعن وتحذو حذوهم فى أمرٍ غير مُعلن , مثلما يفعل حكام الإمارات وحكام البحرين وبعض التابعين بتمويل , فالأسباب المعلنة للتصعيد غير مُقنعة وتدلل على أن الإتهام بالإرهاب يُلقى جزافا كنوع من الإرهاب , البريد المُخترَق لسفير إماراتى وليس سعودى ولم تُتهم قطر بأنها وراءه , ولكن السعودية بادروا بالتصعيد والإمساك بتلابيب قطر فى تصعيد متسارع وكأنهم خائفين من شىٍ ما , وتصعيد غير مبرر يعتبر هروب إلى الأمام يشتت الإنتباه عن ماذا يريد جون هانا من دحلان , وكم سيكلف غداء روبرت جيتس الذى لمَّح إلى طول مكوثه , إختراق بريد يوسف العتيبة ورطة كبيرة لها تداعياتها لكنها ليست كل التداعيات بالنظر للأمور من زاوية مختلفة , أنتقل إلى إختراق مختلف فى تعليقى السابق وعنوانه "هو الله أحد" , التعليق مساحته 1695 خانة والخانة رقم 1294 خرق يُرجى الانتباه لما أشار إليه , وأنبه كذلك إلى أن الحديث عن حظر السكر يذكر بأبى نواس لذلك سأختم ببيت من إحدى قصائده رضى الله عنه وأرضاه , (أمِنْكَ للْمكتومِ إظهارُ، أم منكَ تَغْبِيبٌ وإنكارُ).

خبر عاجل