كتاب عربي 21

في الوعي السياسي الإسلامي: بين القراءة الخشبية والمرونة في فهم المتغيرات

قاسم قصير
1300x600
1300x600
من الازمات المستعصية التي تواجه الاسلاميين في التعاطي مع التطورات والمتغيرات السياسية ، مشكلة القراءة الخشبية او الجامدة للاحداث ، بحيث لا يستطيع هؤلاء ادراك المتغيرات الحاصلة وفهم الاسباب لما يجري من احداث ، مما يؤدي لعدم اتخاذ الموقف الصحيح او للوقوف حيارى ازاء ما يجري او ابقاء التقديرات السياسية وفق التقسيمات والاليات القديمة.

ولعل حزب التحرير الاسلامي كان من ابرز الحركات الاسلامية التي تعاني من الجمود في فهم المتغيرات السياسية العالمية ، وذلك من خلال البقاء على رؤية واحدة لما يجري منذ تأسيسه وحتى اليوم، بحيث يقسّم العالم بين البريطانيين والاميركيين ، واي صراع او حدث في بلد ما يجب ان يدرج في هذا الاطار.

وهذا المرض من امراض الوعي السياسي الاسلامي، اي الجمود في فهم المتغيرات ، تبتلى به احيانا حركات واحزاب اسلامية، بحيث لا تستطيع هذه الحركات الخروج من مواقفها التقليدية عند حصول أي حدث سياسي جديد وغير متوقع في بلد ما او على الصعد الاقليمية، وفي حال صدر تطور ايجابي من هذا البلد يظل هناك شك او جمود في التعاطي مع هذا الحدث، كما ان مشكلة بعض الاسلاميين انهم احيانا يغرقون في الصراعات القائمة أو ينقسمون بين اطراف الصراع او لا يستفيدون من المتغيرات الحاصلة من اجل تعزيز مواقعهم.

ولا يعني هذا الكلام عدم وجود حركات او قوى اسلامية لم تنجح في تطوير وعيها السياسي، فهناك العديد من الحركات الاسلامية عرفت كيفية التعاطي مع المتغيرات الحاصلة، وان كان هناك من يتهم هذه الحركات بالبراغماتية او الانتهازية بحجة تغيير مواقفها او لجوئها للاستفادة من الصراعات التي تجري بين القوى الاقليمية والدولية.

والجانب الاخر من هذه المشكلة ان بعض هذه الحركات الاسلامية اذا كان لديها موقف سلبي من طرف اخر حزبي اسلامي او غير اسلامي ، او تختلف مع دولة ما على مواقفها، وفي حال حصل تغيير ما لدى هذا الطرف او هذه الدولة ، فان هذه الحركات غير مستعدة لتغيير موقفها على ضوء ما يحصل. ونظرا للتعبئة التي قامت بها هذه الحركات لقواعدها فانها احيانا لا تستطيع شرح اي تغيير يحصل للقواعد الحركية، مما يؤدي احيانا لردود فعل سلبية او انشقاقات داخل الحركة.

كل هذه القواعد تنطبق على أي حدث سياسي يحصل، واذا اخذنا الحدث الاخير فيما جرى بين السعودية وحلفائها من جهة وقطر وحلفائها من جهة اخرى، فنحن امام تطور جديد في العلاقات الخليجية والعربية والاقليمية والدولية، وهذا الحدث سيكون له تداعيات كبرى على الاوضاع في المنطقة والعالم، كما انه سينعكس بشكل مباشر او غير مباشر على كل القوى والحركات الاسلامية سلبا او ايجابا، فاذا كان هناك طرف اسلامي ما لديه مشكلة مع احد طرفي الصراع ، فأين يقف اليوم؟ وهل يكون مع الجهات التي ضربت القوى الاسلامية ووضعتها في خانة الارهاب او مع الطرف الذي يواجه هذه الجهات؟ وبالمقابل اذا كانت هناك دولة ما يمكن ان تساعد في مواجهة هذه المخططات او تخفف من الحصار القائم فهل نتعاطى معها بسلبية او ايجابية ، بغض النظر عن مواقفنا السابقة منها؟

قد يكون من مصلحة الجميع اليوم عدم توجيه الامور نحو التصعيد وضرورة جلوس كل الاطراف على مائدة الحوار للوصول الى حلول سياسية، لكن ذلك يجب ان لا يمنعنا من ادراك المتغيرات الحاصلة وطبيعة الاستهداف الذي يطال القوى والحركات الاسلامية، ومن خلال ذلك يتم تحديد الموقف المناسب من كل طرف والبناء على ذلك في تحديد طبيعة التحالفات والمواقف المستقبلية.

ان من مسؤولية الحركات والقوى الاسلامية تطوير وعيها السياسي الاسلامي واعتماد منطق التطور والتغيير وعدم الاكتفاء بالقراءات الخشبية او الجامدة لما يجري من احداث، ومن خلال ذلك التعاطي بمرونة وواقعية مع الاحداث الجارية والبناء على ذلك في تحديد الموقف المستقبلي.

ومن يتابع اليوم اداء حركة حماس، منذ اعلان وثيقتها الجديدة وانتخاب قيادتها الجديدة، وفي ظل الازمة المستجدة في المنطقة، يلحظ بوضوح ان الحركة تسعى للتعاطي بمرونة مع التطورات وعدم البقاء في مربع واحد، وهكذا فان جميع الحركات والقوى الاسلامية معنية ايضا في البحث في تحالفاتها ومواقفها على ضوء ما يجري، والانحياز الى الطرف الذي يخدم مصالحها ومشروعها والفهم العميق لمن يريد استهدافها او القضاء عليها، ومن خلال ذلك يمكن لكل حركة اسلامية ان تخرج من دائرة الجمود والخشبية الى دائرة الفعل والتأثير في الواقع السياسي.
0
التعليقات (0)