مقالات مختارة

في الممنوع من التعريف واستثماره!

عبد اللطيف مهنا
1300x600
1300x600
الموسم الاستثماري الإرهابي وفير المردود على كيان قام على الإرهاب واستمر عليه ولا يستمر بدونه، قد وفَّره له ما قد لخَّصه سفير هذا الكيان لدى حلف الناتو روني ياعر، بقوله من أن انتقال هذا الحلف من التركيز المعتاد على محاربة الجيوش النظامية إلى محاربة “الإرهاب”، قد “أسهم في تعزيز العلاقات الثنائية مع إسرائيل بشكل غير مسبوق”…

ربما ما من أحد في عالمنا، لا سابقا ولا في هذه الأيام، باستثناء مقاومي الاحتلالات والمدافعين عن أوطانهم، ومناهضي الهيمنة والمقاتلين من أجل حريتهم، يريد تعريفا جامعا مانعا ومجمعا عليه لآفة الإرهاب. تعريفه لو تم، أو أخرج من هلاميته المتعمدة، فسيكون في ذلك فألا سيئا على استثمارات ومستثمري هذا المصطلح الممنوع من التعريف عن عمد وسابق إصرار. هو على ما هو عليه من السيولة، صالح وغب الطلب لأن يكون شماعة لمن شاء استخدامه؛ ذريعة جاهزة لسياسات البطش وعربدات الهيمنة، وصولا إلى صولات الحروب العدوانية الاستباقية، ومخططات العبث بجغرافيا ومصائر الشعوب وفجور السطو على ثروات الأمم.

في العقدين الأخيرين اللذين لم ينتهِ بعد آخرهما، شن أميركان بوش الابن حربهم على أفغانستان تحت لافتة محاربة ما بذر أسلافه بذرته الأولى هناك ليواجهوا بثمرتها المرة السوفيت آنذاك، ومن بعد غزوا العراق ليحطموا كل أسس الدولة فيه، وباسمها فتكت طائرات أميركان خلفه أوباما بأبرياء الأفغان في حفلات أعراسهم، وأطفال قبائل جبال شمال الباكستان في كتاتيبهم، ولم توفِّر الشيوخ والنساء والأطفال في قرى وصحارى اليمن، ولمحاربته ها هي أمريكا ترامب تعود لأفغانستان والعراق اللذين هي أصلا لم تبرحهما، بل تحاول إحكام قبضتها على كامل الوطن العربي مشارق ومغارب.

في حومته هُمِّشت القضية الفلسطينية ويدفع بها حثيثا إلى شفير التصفية، ولم تنجُ ليبيا التي نكبت ومُزِّقت، ولا سوريا التي دُمِّرت ونزفت وصمدت، وو… وإلى أن وجدت الأمة بكاملها نفسها في مثل هذه المرحلة المصيرية الخطرة، أي أمام غائلة تجزئة مُجزَّئها وتفتيت مُفتَّتِها، ومحاولات طمس هويتها التليدة باستنبات هويات بائدة، وبعث رميمها عنوة في حنايا جسدها المثخن بجراحها الملتهبة بسموم فتن التطييف والتمذهب.

لا ينبغي منا أن ننسب كل الدواهي التي تلحق بنا في هذه المرحلة الانحطاطية للعوامل التآمرية الخارجية وحدها. بمعنى أنه لا يجب أن نعفي أنفسنا من عوامل ذاتية من شأنها أن فردت بساطنا لتلقِّيها برحابة، بل وهيأت تربتنا لتكون الجاذبة لها والحاضنة لينوع أعشابها الضارة بين ظهرانينا، ومن بينها مسمى “الإرهاب”. في هذا يطول الحديث، وفي هذه العجالة سنكتفي بموضوعنا المتعلق بالمستفيد من هذا الوحش تنمية وتضخيما واستثمارا، الذي هو قطعا ليس الضحية التي هي أمتنا. المستفيد الأكبر بلا منازع منه هو الكيان الاستعماري الاستيطاني المغتصب لفلسطين ورعاته، هذا الذي قام أصلا على مبدأ إرهاب الفلسطينيين بمسلسلات المذابح المعروفة لتشريدهم.

مسميات عصابات إتسل وشتيرن والهاغناة وارتكاباتها ما زالت ماثلة في الذاكرة الفلسطينية ولن تبرحها، ولا حاجة إلى أن نعود إلى مبدأ ابن جوريون المعروف القائل بوجوب تفتيت المفتت العربي لتثبيت كيانه الغاصب مركزا تدور المزق المفتتة من حوله. وهل يخفى على أحد أن هذا الكيان، ومن هم خلفه، هم وحدهم المستفيدون من كل مظاهر هذا الواقع العربي المريع؟ في أجواء سموم الانحدار الذي يكابده حال الوطن العربي بكامله، لم يعد الحديث عن صهينة العالم ضربا من التزيُّد، لاسيما ونحن نشهد رياح الصهينة قد باتت زوابعها تهب في ديارنا، ولدرجة تتجرأ فيها نخب من مثقفي الدونية والتطبيع على المجاهرة، وحتى التبشير، بوجوب التعايش مع هبوبها!

ونعود لبازار الاستثمار الإرهابي المتسم بالرواج في أيامنا الأسوأ، فنلاحظ أن وسائل الإعلام العدوة تطنب في امتداح زيادة الطلب الأوروبي في الآونة الأخيرة على التقنيات العسكرية والأمنية المتعلقة بما تدعوه “مكافحة الإرهاب”، التي ينتجها الكيان، وتفاخر بالاستثمار الاستخباراتي والتكنولوجي المتعلق بهذه المكافحة التي تدر بركاتها عليه عوائد مجزية، كما الذي من شأنه أيضا الإسهام في تعزيز أواصر تعاونه العسكري والاستخباراتي التليدة مع الغرب، والمستجدة النامية مع سواه غربا وشرقا، ومن ذلك:

إن دولة أوروبية، أُحجم عن ذكر اسمها، قد وقَّعت عقدا مع شركة “البيت”، المتخصصة في هذا المجال المربح، بقيمة 390 مليون دولار لشراء منظومات تقنية لـ”مكافحة الإرهاب”، كما أن دولة أخرى قد وقَّعت أيضا عقدا مع شركة الصناعات الجوية بقيمة 600 مليون دولار، لشراء طائرات دون طيار لهذا الغرض، لكنما لعل الأهم منه هو ما نقلته صحيفة “معاريف” من تدشين جرى لممثلية للكيان في مقر حلف الناتو في بروكسل بدعوة من الأمانة العامة للحلف، والهدف، كما قالت، هو إفادة الحلف من خبرات الكيان في مجال “مكافحة الإرهاب”، هذا الذي لم يعد سرًّا أنه يقوم بتقديم استشارات للدول الأوروبية بعامة وأعضاء حلف الناتو منها ويوالي التعاون معها استخباراتيّا…وبالطبع إن من بين مهمة هذه الممثلية أن ينشط طاقمها في تسويق منتجات الكيان العسكرية والأمنية والترويج لها داخل الحلف، والتوسط بين شركات السايبر فيه والأمانة العامة للحلف.

…الموسم الاستثماري الإرهابي وفير المردود على كيان قام على الإرهاب واستمر عليه ولا يستمر بدونه، قد وفَّره له ما قد لخَّصه سفير هذا الكيان لدى حلف الناتو روني ياعر، بقوله من أن انتقال هذا الحلف من التركيز المعتاد على محاربة الجيوش النظامية إلى محاربة “الإرهاب”، قد “أسهم في تعزيز العلاقات الثنائية مع إسرائيل بشكل غير مسبوق.

الوطن العمانية
0
التعليقات (0)