كتاب عربي 21

التغريبة المصرية

آيات عـرابي
1300x600
1300x600
منذ حوالي سنتين تقريبا قامت إحدى القنوات الانقلابية في مصر بإعداد تقرير استطلعت فيه رأي عدد من المارة بعنوان (أين ستصلي 6 أكتوبر)؟

التقرير في الحقيقة مفزع لما يحويه من إجابات، وسواء كان هدف التقرير، مهاجمة الإسلام كما يحلو لإعلام الانقلاب أم كان الأمر مجرد محاولة لاصطناع كوميديا لجذب المشاهدين، فهو في حد ذاته مؤشر على قدر التخريب الذي أحدثه إعلام العسكر في مصر. 

الدلالة اللافتة للنظر في هذا التقرير هو مزاحمة (المزيف) للمقدس في لا وعي المتلقي.

فتمثيلية أكتوبر التي أضفى عليها إعلام العسكر هالة من القداسة صارت في لا وعي البعض مقترنة بالقدسية، حتى بدأ سؤال (أين ستصلي 6 أكتوبر) بديهيا للبعض غير مثير للدهشة.

وهي حالة من التشوش (المتعمد) نجح إعلام العسكر في تحقيقها عن طريق ربط الدلالات الإسلامية التي تحظى لدينا نحن المسلمين بالإجلال مثل الحرص على تسمية الحرب التمثيلية أحيانا بحرب (العاشر من رمضان) بل والاحتفال بها اعلاميا في بعض الأحيان.

 وترك العنان لمفهوم خاطئ دون تصحيح وهو أن غزوة بدر بقيادة الرسول صلى الله عليه وسلم كانت في العاشر من رمضان وربط التاريخين في لا وعي المتلقي ببعضهما البعض (الصحيح أن غزوة بدر كانت في السابع عشر من رمضان في السنة الثانية للهجرة ولم تكن في العاشر من رمضان). 

ليس هذا هو المثال الوحيد، بل هناك أمثلة كثيرة لتطعيم المقدس الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه بـ "الإعلامي المكذوب" ليصنع منه العسكر عبر الإعلام نوعا من (الموروث) أو الثقافة الشعبية البديلة وهي أمور لا يمكن إلا أن تكون مقصودة.

وهذه المجموعة من المعتقدات تمثل في مجملها نوعا من العقيدة البديلة بحيث يمكن لك أن تعتبر مصر كوكبا مختلفا، لا تسمع خارجه تلك الحكايات. 

وبعد ربط إنجازات العسكر الوهمية بالدين، تأتي مرحلة اللبنات التي ترتفع فوق الأساس، فتجد أساطير أخرى أصغر حجما ولكنها لا تقل تجذرا في البيئة الثقافية المصرية عن أخواتها الأكبر.

فهناك أسطورة (المخابرات المصرية صاحبة الترتيب الثالث على العالم) وهناك أيضا أسطورة أن الطفل المصري هو أذكى طفل في العالم، وأسطورة أن أخناتون هو أول الموحدين .. الخ.

وإلى جانب كل هذا تجد عشرات من الأساطير الأصغر حجما تشكل في مجملها عمق التغريبة المصرية. 
 
مشكلة هذه المعتقدات التي تمثل مغارة مظلمة يعيش فيها البعض، هي أنها من ناحية لا تقدم حلولا لحالة مثل حالة الانقلاب في مصر.

والمشكلة الثانية هي أن هذه المعتقدات أصبحت كبرنامج الحاسوب الذي يحتاج لتحديث، فالمنطقة كلها في حالة تغير كامل كل دقيقة بينما تعجز هذه المعتقدات عن استيعاب التطورات المتلاحقة.

فها هي دولة العسكر التي قامت على تلك المعتقدات تتعامل معها كصنم العجوة وتقضم قطعا من الحدود التي تقول إنها تقدسها لتسلم تيران وصنافير. 

وفي كل هذا يقف معتنقو هذه المعتقدات ذاهلين غير قادرين على هضم هذه المعطيات ولا يقدمون سوى مجموعة من الشعارات لا تصنع شيئا في الحقيقة. 

وربما كان هذا هو السبب الرئيسي في غضب الجماهير في مصر على تسليم تيران وصنافير والذي لم يعقبه خروج جماهيري ضخم كما كان البعض يتوقع (اللهم إلا الصامدين الرافضين للانقلاب والمصرين على شرعية الرئيس مرسي الذين لا يتوقفون عن التظاهر ضد الإنقلاب منذ اللحظة الأولى). 

وفي رأيي أن هذه التغريبة هي أحد أهم الأسباب التي تعطل أي تغيير وهي العقبة التي يجب التغلب عليها أولا.
0
التعليقات (0)