قضايا وآراء

لمن سيؤول حكم الرقة؟

حسين عبد العزيز
1300x600
1300x600
مع اقتراب معركة الرقة من نهايتها تتجه الأنظار إلى اليوم التالي لتحرير المدينة من قبضة "تنظيم الدولة الإسلامية"، في ظل صراع علني/ مضمر بين أطراف محليين وإقليميين ودوليين على تركة "داعش" ليس في المدينة فحسب، وإنما في عموم المحافظة.
 
الصراع على الرقة يختلف عن غيرها من المحافظات مثل ما جرى في حلب وما سيجري في دير الزور، المسألة هنا مرتبطة بالسيطرة السياسية / المدنية.
 
حتى الآن ما تزال الصورة غامضة، لكن ثمة مؤشرات تدل على أن أهالي المحافظة من العرب هم الذين سيحكمون المحافظة، وهو ما أكده أكثر من مسؤول أمريكي، وما أكده مسؤولون في "قوات سوريا الديمقراطية" أيضا من أن محافظة الرقة لن تكون جزءا من الإدارة الذاتية الكردية.
 
طبعا الولايات المتحدة أذكى من تعطي المحافظة لـ "حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي"، خشية من حدوث فتنة إثنية بين العرب والأكراد التابعين لـ "الاتحاد الديمقراطي الكردي"، إلا أن السؤال الرئيسي الذي يطرح نفسه، من هي القوى العربية التي سيناط بها حكم المحافظة؟ وما هي أجنداتها السياسية؟
 
من الواضح إلى الآن أن هذه القوى لن تكون تابعة للأجندة التركية، فالولايات المتحدة ما تزال تخشى حدوث فائض في القوة التركية في الشمال السوري ينعكس سلبا على الأهداف الأمريكية التي لا تتضمن إسقاطا للنظام السوري ولا لتعزيز القوة العسكرية لفصائل المعارضة، خصوصا تلك التي تحمل أجندات إسلامية وإن كانت معتدلة.
 
أغلب الظن أن المحافظة ستؤول إلى قوى عربية ذات أجندات متباينة، يجمعهم هدف إعادة الحياة المدنية للمحافظة وجعلها محايدة عن الصراعات السياسية ـ العسكرية، بحيث يقبل الجميع في ذلك.
 
بالنسبة للوحدات الكردية، يعني تحييد المحافظة إبقاءها جسرا جغرافيا آمنا للنقل التجاري بين مكونات الإدارة الذاتية في الشرق والغرب، وبالنسبة للنظام السوري، يعني ذلك إبعادها عن فصائل المعارضة، وبالنسبة للأتراك يعني ذلك إبعادها عن الهيمنة الكردية المباشرة.
 
ولا شك أن هذا المآل يتطلب تفاهما أمريكيا مع الوحدات الكردية ومع الأتراك على حد سواء، ومرحلة ما بعد التنظيم تختلف تماما عن مرحلة ما قبله، وإذا كانت المرحلة السابقة تطلبت تحييد تركيا لصالح الوحدات الكردية، فإن المرحلة المقبلة تتطلب حوارا وتفاهما مع أنقرة، وربما تفاهمات غير مباشرة مع النظام، إضافة إلى التفاهم مع الوحدات الكردية التي ما تزال تشكل ورقة مهمة بيد الولايات المتحدة.
 
لا يعني ذلك أن "قوات سوريا الديمقراطية" بما تتضمن من مكون كردي رئيس فيها، ستترك المحافظة نهائيا، فمثل هذا الأمر لا يستقيم مع المعادلات العسكرية والسياسية، فضلا عن أن مثل هذا الانسحاب سيكون له تأثيراته السلبية على محاولات الوحدات الكردية الحثيثة السيطرة على وادي الفرات في محافظتي حلب والرقة.
 
ما تزال "قوات سوريا الديمقراطية" في نظر الإدارة الأمريكية القوة العسكرية الوحيدة التي تجمع متناقضات الواقع السوري، وهي وحدها القادرة على احتواء الجميع، وإذا كانت مرحلة الحرب تتطلب تغليب البعد الكردي فيها، فإن مرحلة ما بعد الحرب تتطلب تغليب البعد العربي فيها.
 
وعلى الرغم من أن هذه القراءة تبدو موضوعية استنادا للمعطيات على الأرض، إلا أن التجربة السورية تكاد تكون حالة تاريخية فريدة من ناحية سرعة تغير المعطيات العسكرية ـ السياسية معا، وهذا أمر يجب أخذه في الاعتبار عند الحديث عن مصير الرقة في ضوء حدوث متغير جديد قد يؤثر على مستقبل حكم المحافظة، والمقصود هنا بهذا المتغير هو دخول قوات النظام إلى محافظة الرقة من ناحيتها الجنوبية الغربية وملاصقتها لـ"قوات سوريا الديمقراطية" في الطبقة.
 
لم يأت تدخل النظام من أجل ربط جنوبي المحافظة مع امتدادها في البادية السورية تمهيدا لمعركة دير الزور فحسب، بل جاء ضمن مخطط مسبق للوقوف على أرض الرقة وتثبيت الأقدام فيها، كمقدمة للمشاركة في تقرير مصير المحافظة التي تشكل أهمية استراتيجية كبيرة بحكم موقعها الجغرافي، حيث تطل على خمس محافظات رئيسية (حلب، الحسكة، حماة، حمص، دير الزور).
 
إن تواجد النظام في محافظة الرقة سيمنحه تواصلا جغرافيا يمتد من ريف حلب غرب سوريا إلى الحسكة شرقها، وهذا خط جغرافي بالغ الأهمية من الناحية العسكرية فضلا عن الاقتصادية.
 
ربما يكون مصير الرقة اختزالا مكثفا للواقع السوري وتمفصلاته المحلية والإقليمية والدولية، إنه مصير يعكس المصالح الخاصة لكل هؤلاء الفرقاء.
التعليقات (0)