مقالات مختارة

"إسرائيل" تتمدد دبلوماسيا مع انكماش العرب

سعيد الشهابي
1300x600
1300x600
من مصاديق تفتت الأمة العربية تراجع قضية فلسطين في سلم اهتمامات أنظمتها، وهي القضية التي كانت قطب الرحى في المشروع الوحدوي العربي منذ الاحتلال قبل ما يقرب من سبعة عقود. هذا التراجع له أسبابه العديدة، ومن بينها هيمنة النفوذ الأمريكي على المنطقة والتحالف الشرير ضد الشعوب العربية وتطلعاتها. هذا النفوذ دفع العديد من الدول العربية ليس للتخلي عن قضية فلسطين فحسب، بل بالسعي للتطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي. بل إن المصطلحات نفسها قد تبدلت، فلم يعد الكيان الإسرائيلي يوصف بــ «العدو»، ولم يعد التواصل معه جريمة يعاقب من يقوم بها. ويمكن القول إن الدبلوماسية العربية التي كانت فلسطين محور حركتها في السابق، تخلت تماما عن تلك القضية، واستبدلت بتعاون وثيق مع قوات الاحتلال خصوصا على الصعيد الأمني. هذه الحقيقة أضعفت العرب أمام الآخرين، وأدت إلى تشتت صفوفهم.

في مطلع هذا الشهر قام رئيس وزراء الهند، ناريندرا مودي، بزيارة «إسرائيل» في قطيعة تاريخية مع مواقف الهند المشرفة إزاء قضية فلسطين. ووقعت خلال الزيارة اتفاقات اقتصادية وسياسية عديدة ستفتح المجال أمام توغل الكيان الإسرائيلي في شبه القارة الهندية، وسيكون ذلك طريقا نحو القارة الآسيوية. وتعتبر الهند حليفا مع العرب في الموقف تجاه «إسرائيل» لأسباب تاريخية. من هذه الأسباب تزعم الهند مع مصر في الخمسينيات حركة عدم الانحياز، وموقف تلك الحركة ضد الكيان الإسرائيلي. وتسجل صفحات التاريخ العلاقات الحميمة بين الرئيس الهندي جواهر لال نهرو مع الرئيس المصري جمال عبد الناصر ورئيس يوغسلافيا السابقة، جوزيف تيتو، والرئيس الإندونيسي سوكارنو، بالإضافة للعديد من الزعماء الأفارقة مثل أحمد سيكوتوري. ويمكن القول إن مرحلة النضال الوطني من أجل التحرر في إفريقيا وأمريكا اللاتينية، كانت من أفضل فترات التلاحم بين القوى التقدمية من أجل تحرير فلسطين. هذا التلاحم هو الذي أدى لإقرار الأمم المتحدة قانونا يعتبر أن «الصهيونية تساوي العنصرية».

وتأتي زيارة الرئيس الهندي لتغلق صفحة من ذلك التاريخ. ومن المؤكد أن من أسباب ذلك تراجع الوضع العربي بشكل غير مسبوق، وهيمنة النفوذ الأمريكي على المنطقة منذ حرب التحالف الأنكلو أمريكي في 1991 ضد القوات العراقية، التي اجتاحت ذلك البلد الخليجي في آب/أغسطس 1990. وبسقوط الاتحاد السوفياتي في تلك المرحلة، الذي كان أحد الداعمين الدوليين الأقوياء للقضايا العربية، (برغم أنه كان من أوائل المعترفين بالكيان الإسرائيلي في 1948) بلغ العصر الأمريكي ذروته.

يومها كان النظام الرسمي العربي في طريق التراجع أمام الاحتلال الإسرائيلي. وبعد استهداف غزة في 2008 انقسمت مواقف الدول العربية، فتأسس ما يسمى «محور الاعتدال العربي» الذي ضم كلا من السعودية والإمارات والأردن ومصر، وهي الدول التي تسعى للتطبيع مع «إسرائيل». وقد سقط هذا المحور بعد سقوط حسني مبارك. ويسعى الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، لإحيائه. وهكذا شجع الوضع العربي الآخرين على الاعتراف بالكيان الإسرائيلي والتواصل معه. ويمكن القول إن توسع النفوذ الإسرائيلي في آسيا واختراقها الهند، ليس المصداق الوحيد لتراجع الدبلوماسية العربية، بل إن تمددها في إفريقيا يمثل تهديدا حقيقيا للقضية. فلم تعد العلاقات بين الكيان الإسرائيلي محصورة بدولة إفريقية واحدة، بل إن تلك العلاقات توسعت وظهرت إلى العلن. وسوف تعقد أول قمة إفريقيةإسرائيلية في شهر تشرين الأول/أكتوبر المقبل بمدينة لومي، عاصمة جمهورية توغو. هذا التوسع حظي بشيء من الاهتمام في بعض الأوساط العربية. فقد دعا البرلمان العربي الذي انعقد في القاهرة الأسبوع الماضي فى بيانه الختامي، لمخاطبة رؤساء برلمانات ومجالس الدول العربية الإفريقية للدول الإفريقية التى تنوى حضور القمة الإفريقية الإسرائيلية. وأشار إلى ضرورة تذكير حكومات هذه الدول بأن حقوق الشعب الفلسطينى غير قابلة للتصرف، وخاصة حقه في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية وفق قرارات الشرعية الدولية، وخاصة القرارين 242 و338 الصادرين عن مجلس الأمن. هذا الموقف لا ينسجم مع سياسات دول كالسعودية والإمارات والبحرين ومصر التي تواصل ترتيب علاقاتها مع الكيان الإسرائيلي. فلمصر علاقات دبلوماسية قديمة منذ أن قام أنور السادات بزيارة القدس في 1978 وأنهى حالة الحرب معها، وليس هناك ما يعكر هذه العلاقة سوى تمسك الشعب المصري بموقفه الرافض للتطبيع مع الاحتلال. وأما السعودية فقد طورت علاقاتها مع الكيان الإسرائيلي في السنوات الأخيرة.

 ويعتبر الضابط المتقاعد، أنور عشقي، أحد مهندسي تلك العلاقة، حيث زار تل أبيب عدة مرات. وثمة سعي حثيث لتهيئة الشارع السعودي لتقبل تلك العلاقة. ويتوقع عشقي «أن تسير الأمور نحو الحل والجميع سيوافق»، وأنه لمس تغيرا في موقف الشارع السعودي: «الآن لو نظرنا إلى التغريدات والتعليقات التي تظهر من أبناء المملكة، نجد أنهم يقولون إن إسرائيل لم يسجل منها عدوان واحد على المملكة». ولا شك أن التنافس بين السعودية وإيران عامل مهم في تطوير علاقات الرياض مع تل أبيب. ويعتبر الأمير تركي الفيصل، مدير جهاز الاستخبارات السعودي السابق، من مروجي العلاقات السعودية الإسرائيلية، وقد دخل في مناظرات عديدة مع مسؤولين إسرائيليين، وساهم في تطوير العلاقات الأمنية والاستخباراتية بين الطرفين، خصوصا بعد الربيع العربي، وكذلك في ما يتعلق بإيران.

  أما البحرين فقد طورت علاقاتها مع الكيان الإسرائيلي بشكل ملحوظ؛ فبعد زيارة يوسي بيلين، وزير البيئة الإسرائيلي للمنامة في 2005 لحضور مؤتمر عن البيئة، أرسلت وزارة خارجية البحرين بعثة إلى مطار ابن غوريون (في تل أبيب) بذريعة «استلام مواطنين بحرانيين زعمت أنهم اعتقلوا لدى الإسرائيليين. سياسة التطبيع ساهمت في توفير الأجواء لتوسع النفوذ الإسرائيلي، ليس في الدوائر الداعمة للكيان الإسرائيلي تقليديا، بل في الأوساط التقدمية التي كانت داعمة للنضال الفلسطيني ومتضامنة مع المواقف العربية. وبتراجع هذه المواقف أصبح بعض هذه الأطراف أقل تشبثا بالموقف النضالي. وفي الوقت الذي تراجعت فيه سياسات الدول العربية إزاء فلسطين، سواء بالتطبيع مع الإسرائيليين، أم استهداف قوى المقاومة الفلسطينية، فإن بعض أصدقاء العرب ما يزالون متحمسين في مواقفهم ضد الاحتلال. ففي 9 يوليو كشفت صحيفة (يديعوت أحرونوت) الإسرائيليّة النقاب عن أنّ السفير الإسرائيلي هكوهين، كان قد توصّل لاتفاقٍ مع مندوب دولة عربيّة في منظمة اليونسكو بالتصويت ضدّ مشروع الاقتراح الذي تقدّم به الفلسطينيون للاعتراف بالخليل موقعا أثريا فلسطينيا، بما في ذلك الحرم الإبراهيميّ، وهذا ما حدث. فقد أعلنت اليونسكو البلدة القديمة في الخليل «منطقة محمية» بصفتها موقعا «يتمتع بقيمة عالمية استثنائية»، وذلك في أعقاب تصويت سري أثار جدلا فلسطينيا إسرائيليا جديدا في المنظمة الدولية. وقد وقفت ممثلة كوبا لدى اليونسكو، دولسي ماريا بورغر، موقفا مشرفا عندما دعت الحاضرين للوقوف حدادا على أرواح شهداء فلسطين، واعترضت على موقف السفير الإسرائيلي الذي دعا لعدم إقرار الاقتراح.

الأمر المؤكد أن تداعي المواقف العربية إزاء قضية فلسطين، خلق فراغا ملأته الدبلوماسية الإسرائيلية فاجتاحت مناطق النفوذ العربي في إفريقيا وأمريكا اللاتينية وآسيا، وقبل 25 عاما دشنت العلاقات الدبلوماسية بين الهند والكيان الإسرائيلي. وتواصل تراجع النظام السياسي العربي بضعف محور الرفض وانهيار «جبهة الصمود والتصدي». وبعد اتفاقات أوسلو توسع النشاط الدبلوماسي الإسرائيلي ليضع الكيان الإسرائيلي كدولة مقبولة حتى لدى الأوساط التقدمية، التي وضعت فلسطين على سلم أولوياتها. وثمة جانب مهم في هذا الجانب وهو أن التخلي عن فلسطين أصبح سياسة ثابتة لدى دول «محور الاعتدال العربي»، التي تواصل سياسة التطبيع مع «إسرائيل» وتتصدى لمجموعات المقاومة، وتفتعل قضايا وهمية تشغل الأمة بها. 

القدس العربي
1
التعليقات (1)
مُواكب
الإثنين، 17-07-2017 03:13 م
لا أدري أين يرى الكاتب عرباً ؟ هل هم المُقيمين في جامعة أبو الغيظ؟ أم هم البدو، أحفاد أبو جهل، المُتناثرين في دُول الخليج؟ لو راجع الكاتب ما قاله خرفان السعودية لِترمب، أنَّه نحن الشعوب العربية من خربنا بلادنا بأيدينا ، لما أمعن في البحث عن العرب. وقضية من خَرَّب بلاد العرب، فإنَّ على الكاتب أن يُطمئن الملك سلمان أنًّها لم تعد قضية ذات أهمية. فالشاة الذبيحة لا يهمها شيء من دنيا الأحياء. في الإمارات والسعودية يُهندسون الآن لِصهينة الدين الإسلامي، ولهذا يحتاجون إلى تحريف القرآن الكريم من خلال خطة مُتكاملة هدفها محو الهوية العربية الإسلامية السنية من الوجود.