كتاب عربي 21

المساعدات الأمريكية لتونس وشروطها السياسية

طارق الكحلاوي
1300x600
1300x600
تزامنت زيارة الوزير الأول التونسي يوسف الشاهد إلى الولايات المتحدة الأسبوع الفارط مع الجدال حول مقترح ميزانية الإدارة الأمريكية في المساعدات الخارجية، بما في ذلك إلى تونس والتي شهدت عموما، باستثناء عدد قليل من الدول من بينها إسرائيل، وكما هو متوقع تقليصا مثلما هو واضح في مخطط الميزانية الذي صدر يوم 23 مايو الذي سيقلل المساعدات الأمنية للدول الضعيفة، بما في ذلك تونس ولبنان، بأكثر من 80% مقارنة بالسنة المالية 2016. تقييم هذا التقليص الكبير يتعلق بأسباب عامة تخص السياسة الخارجية لترامب وأخرى تتعلق بنظرته للمنطقة العربية بما في ذلك تونس.

بصفة عامة، فإن المساعدة الأمريكية لبلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ستنخفض بنحو 850 مليون دولار، وفقا لمشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط (بوميد). وستفقد عدة بلدان المساعدات العسكرية التقليدية تماما بينما تحتفظ ببعض المساعدة الأمنية من خلال صناديق مكافحة الإرهاب وإنفاذ القانون والتدريب العسكري.

ومثلما أوضح ممثل "بوميد" في شهر مايو الماضي لموقع "المونيتور" الأمريكي المهتم بالشرق الأوسط "فإن أكبر مصادر هذه التخفيضات تشمل إبطال المساعدات العسكرية لحلفاء الولايات المتحدة على الخطوط الأمامية للقتال، بما في ذلك 400 مليون دولار للعراق ولبنان وتونس، وخروج 160 مليون دولار من المساعدات الغذائية الطارئة لليمن، وتخفيض ما يقرب من 200 مليون دولار في المساعدات الاقتصادية للأردن وتونس، وتخفيض 30 مليون دولار في تمويل الديمقراطية لإيران"، وأضاف "أن القضاء على تمويل هذه الأهداف سيكون قصير النظر بشكل خطير ويقوض بشكل مباشر هدف الرئيس المعلن بمكافحة الإرهاب في المنطقة".

وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيليرسون أوضح في بلاغ أن هذه السياسة: "تقر بأن انخراط الدبلوماسية الأمريكية في العالم وبرامج المساعدات يجب أن تكون أكثر كفاءة وفعالية وأن تعزيز أمننا الوطني ومصالحنا الاقتصادية وقيمنا ستظل مهمتنا الأساسية".

 وفي هذا الموقف إشارة مبطنة لشعار ترامب "أمريكا أولا" (America First). غير أن المساعدات لـ"الشركاء الاستراتيجيين الرئيسيين" سيستمر في إطار ميزانية الإدارة الأمريكية لسنة 2018. ومن بين هذه البلدان إسرائيل ومصر، التي من المقرر أن تحصل على 3.1 مليار دولار و 1.3 مليار دولار، على التوالي، في تمويل التمويل الأجنبي في السنة المالية 2018.

لنعد الآن للعلاقات التونسية الأمريكية ونحاول رصدها على مدى طويل منذ دولة الاستقلال وسأعتمد هنا على مقال سابق أصدرته أيام الاستبداد باسمي المستعار "الطاهر الأسود" سنة 2004 في موقع "أقلام أونلاين". وحتى أربط بمقالي الأسبوع الماضي حول علاقات تونس بإسرائيل فإن السبب الأساسي الذي جعل بورقيبة يهتم بتمتين العلاقة من إسرائيل هو محاولة تقربه من واشنطن ودعمها لإسرائيل.

وتوضح دراسة لاسكييير التي اعتمدت على وثائق سرية لرصد العلاقات الإسرائيلية-المغاربية أن حرص بورقيبة الشديد - وذلك حتى قبل وصوله إلى السلطة- على تمتين علاقته بالولايات المتحدة كان مرتبطا بقوة بمسار تقوية علاقاته بأطراف إسرائيلية مختلفة بما في ذلك الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة. ففي شهر فيفري 1956 وخلال المفاوضات الدائرة في فرنسا حول الاستقلال التقى بورقيبة السفير الإسرائيلي بباريس ياكوف تسور، وبعد سماعه ملاحظات عديدة لبورقيبة تتلخص في "كرهه" لعبد الناصر وسياسته في المنطقة، نصح السفير الإسرائيلي بورقيبة النصيحة التالية: أن عليه "ضمان دعم اليهود الأمريكيين للحصول على دعم اقتصادي أمريكي".

وبالإضافة إلى التعاون الاقتصادي المباشر بين الحكومتين والذي انطلق بشكل فعلي مع لقاء السفير الإسرائيلي تسور في 3 أكتوبر 1956 بوزير المالية التونسي، فإن أهم ثمار هذه العلاقة خاصة بالنسبة لتطوير العلاقات التونسية الأمريكية كان مع أواسط الستينات. ففي مايو 1965، أي بعد أقل من شهرين من خطاب أريحا الشهير وجولة بورقيبة المثيرة في المشرق العربي في مارس 1965، سافر بورقيبة الابن والذي كان وزير الخارجية التونسي وحامل أسرار أبيه آنذاك إلى واشنطن في زيارة هدفها طلب الدعم المالي الأمريكي. واستجابة لطلبه فقد طلبت وزارة الخارجية الأمريكية من إسرائيل التوسط للجانب التونسي مع حكومتي فرنسا وألمانيا الغربية للحصول على دعم مالي يقدر بـ20 مليون دولار، كما طلب الأمريكيون في نفس الإطار من إسرائيل شراء الخمور التونسية.

وتلاحظ الوثائق الإسرائيلية في هذا الاطار أن موافقتها على الاستجابة للمطالب الأمريكية كان في إطار أملها أن تساهم الحكومة التونسية في تشجيع حكومات عربية "معتدلة" أخرى من أجل "إفشال أو تخريب الجهود المصرية والسورية للوحدة العربية".

في هذا السياق يمكن أن نفهم رسالة نواب في الكونغرس تحذر تونس من التصويت ضد إسرائيل في المحافل الدولية حيث أن ذلك شرط أساسي لبقاء أي شكل من المساعدات ممكن.

في كل الحالات لا يبدو مقترح ميزانية المساعدات لإدارة ترامب ممكنا بدون مساندة من الكونغرس. والأخير بدأ يرسل الإشارات أنه لن يقبل مقترحات التقليص الكبيرة. وإثر حملة ضغط ناجحة تبدو تونس الفائز الأكبر. ففي حين أن إدارة ترامب قد سعت إلى خفض بنسبة 61? على طلب العام الحالي (من 140.4 مليون دولار إلى 55 مليون دولار)، فإن مشروع قانون مجلس النواب بدلا من ذلك يخصص "لا يقل" عن 165.4 مليون دولار لتونس. ويشير البعض إلى أن حضور الجنرال ماتيس مع قيادات عسكرية رئيسية اللقاء مع الشاهد مؤشرا واضحا على أن البنتاغون على الأقل يبدو منفتحا على التفاوض حول تقليص المساعدات العسكرية.
0
التعليقات (0)