مقالات مختارة

هل ستمنع تركيا الدولة الكردية؟

فايز الفايز
1300x600
1300x600
لا شك أن الأرض العربية باتت مهيأة لأي شكل من أشكال التغيير ونهوض الدويلات والأنظمة الجديدة، وكل ذلك ممكن في ظل التراجع المؤلم لدور النظام العربي برمته عما قامت عليه جامعة الدول العربية ومبادؤها في المحافظة على الكيانات العربية القائمة آنذاك والناشئة والدفاع عنها، في نظام متفق عليه بإطار تنظيمي يداعب أحلام الأمة يتعلق بمصطلح اسمه الوطن العربي.

لكن ذلك الوطن بات أوطانا في مهب الريح بعد مئة عام من خروج الدولة العثمانية من بلادنا وقدوم الاستعمار والانتداب والاستيطان، ولكن يبقى خطر التشظي واقعا، في ظل الحروب الداخلية التي باتت فرصة لقيام الدولة الكردية إذا تركت.

الأكراد أمة إسلامية أصيلة، بينهم عدد قليل من اليهود، وهم إثنية تتوزع ما بين العراق وشمال غرب إيران وشرق تركيا وشمال شرق سوريا على الأغلب، وكان حلمهم أن ينفصلوا عن الدول التي تقاسمتهم، ولكن قوة الإيمان بالدولة العربية منعتهم منذ بداية تقسيم الوطن العربي، ولو أرادت الدولتان العظيمان آنذاك بريطانيا وفرنسا، لقامت دولتهم بأي شكل، ولكن البلد الوحيد الذي حصلوا فيه على حكم شبه ذاتي كان العراق، وهذا ما جعل قادتهم السياسيين ينزعون إلى فكرة الانفصال، والتعاون الخارجي، وهذا ما شهدناه من علاقات قادة كردستان العراق مع إسرائيل التي أغرّت الجميع بتحقيق جمع شمل أهل الديانة والطائفة والإثنية في كيان سياسي مستقل.

اليوم ينتظر العراق قرار استفتاء انفصال إقليم كردستان العراق عن بلده الأم، وهذا لم يكن وليد اللحظة، بل إن الرئيس الراحل صدام حسين واجهه بالقوات المسلحة، وكذلك فعلت إيران عندما قصفت مناطق السليمانية وأكراد إيران بالأسلحة المحرمة في منتصف الثمانينيات الماضية. ورغم حصة الأكراد في النظام السياسي للعراق الجديد والذي حصلوا فيه على رئاسة الجمهورية ونظاما شبه مستقل في الإقليم وحصة كبيرة من النفط والتعاون الخارجي، فإن ذلك لم يمنعهم من السعي قدما إلى الانفصال، وهذا بلا شك لن يتوقف ضمن الحدود العراقية، بل سيفتح الباب لانضمام أكراد سوريا وتركيا أيضا إلى الدولة المنشودة.

كان من الضروري الانتباه إلى مستقبل الوضع الكردي ضمن المحيط العربي منذ قيام الدولة العربية الحديثة، ودمج المكون الكردي في محيطه العربي على أسس سياسية وتنموية وديمقراطية أفضل مما كانت عليه بلادنا سابقا، فالحكم العسكري الشمولي بدد كل أمل في نهوض الأمة والشعوب، وهذا ما جعل الأكراد يفتحون باب التعاون مع أقرب دولة ناشئة، يرون فيها حلمهم وهي إسرائيل.

يخبرنا التاريخ أن أول أفواج الهجرة اليهودية إلى فلسطين كانت من اليهود الأكراد في العراق منتصف القرن التاسع عشر، وحتى ثلاثينيات القرن العشرين، وخلال السنوات التي وقع فيها العراق تحت الاحتلال الأمريكي 2003 وقبلها، كان التغلغل الإسرائيلي واضحا في كردستان العراق، وخلال السنوات الماضية كانت ناقلات النفط العراقي الكردي تحط في ميناء حيفا، والتعاون السري أكبر من العلني، والصحافة الإسرائيلية تتحدث عن التشابه ما بين "الشعبين اليهودي والكردي"، وبقيت الدول العربية نائمة على مشاكلها الداخلية، فيما المياه تجري إلى مستقر بعيد.

اليوم وحدها تركيا التي تستطيع منع قيام الدولة الكردية، والخشية أن الرفض التركي سيتسبب بحرب جديدة قد تندلع في شمال العراق وسوريا التي تنتظر تقسيما فيدراليا سيكون الأكراد جزءا منه، ولكن هل سينتظر العرب اليوم الذي سيفقدون جزءا جديدا من بلادهم، وشعبا رافقهم طويلا وكافح معهم، قبل أن يجد فرصته في التخلص من هذا الإرث المزعج؟ الأيام قادمة والدول الكبرى تلوذ بصمت الرضا، والعرب لا يزالون هائمين.

الشرق القطرية
0
التعليقات (0)