كتاب عربي 21

محمد غورماز.. استقال أم أقيل؟

إسماعيل ياشا
1300x600
1300x600
تقدم رئيس الشؤون الدينية التركي محمد غورماز قبل أيام إلى رئاسة الوزراء بخطاب يطلب إحالته إلى التقاعد، ووافقت رئاسة الوزراء على طلب غورماز الذي تولى رئاسة الشؤون الدينية عام 2010. 
وجاء هذا التقاعد بعد تضارب الأنباء حول استقالة غورماز أو إقالته من الرئاسة، نتيجة الضغوط التي مارستها بعض الجماعات الصوفية.

لم يكن غورماز كبقية الرؤساء السابقين، بل تميز عنهم، وترك بصماته في رئاسة الشؤون الدينية خلال فترة رئاسته. ولا يمكن أن يُنسى موقفه الشجاع ليلة محاولة الانقلاب الفاشلة التي طلب فيها من أئمة المساجد أن يرفعوا الصلوات على النبي صلى الله عليه وسلم في المساجد، الأمر الذي أعطى المواطنين النازلين إلى الشوارع والساحات دفعة معنوية في التصدي للانقلابيين.

غورماز، أول رئيس للشؤون الدينية ألقى خطبة الجمعة في المسجد الأقصى وصلى فيه بأهل القدس. وتطرق في تلك الخطبة إلى الحكم العثماني للمدينة المحتلة، مشيرا إلى الكوارث التي أصابت القدس مع خروج العثمانيين منها خلال الحرب العالمية الأولى، ومؤكدا أن معاناة المدينة وأهلها ازدادت حين احتلها اليهود.

ومن المواقف التي سيذكرها الأتراك من حقبة غورماز في رئاسة الشؤون الدينية أنه فتح أبواب المساجد للأطفال، ودافع عن حضورهم للصلوات، وإن لم يصلوا ولعبوا وراء الصفوف. وكان يستشهد بقول السلطان محمد الفاتح: "إن كنتم لا تسمعون أصوات الأطفال، وأنتم تقفون في الصفوف لصلاة الجماعة، فعليكم القلق على مستقبلكم".

لما انتشرت أنباء عن استقالة غورماز أو إقالته، ثارت ضجة كبيرة في مواقع التواصل الاجتماعي، وتمنى محبوه أن تكون غير صحيحة. ونفى رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان تلك الأنباء، ولكنه أشار أثناء رجوعه من جولته الخليجية، إلى أن غورماز يريد الانتقال إلى وظيفة أخرى، لم يسمها، وأن القرار النهائي سيتم اتخاذه بعد اجتماع رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم مع غورماز.

المتابع لجميع هذه التطورات يدرك أن غورماز لم تتم إقالته، بل كانت الحكومة التركية تقف إلى جانبه، إلا أنه اختار أن يترك منصب رئاسة الشؤون الدينية. ويبدو أن الضغوط التي تعرض لها، سواء من داخل رئاسة الشؤون الدينية أو من خارجها، دفعته إلى اتخاذ هذا القرار، بعد أن تيقن أنه لم يبق شيء كثير يمكن أن يفعله في ذاك المنصب.

لم تكن جميع ردود الفعل على إحالة غورماز إلى التقاعد تعبر عن الحزن على تركه لرئاسة الشؤون الدينية، بل كان هناك من يفرح ويعبر عن انزعاجه الشديد من تولي الرجل لذاك المنصب. ولعل أبرز هؤلاء هو الزعيم الصوفي الشهير "جُبَّلي أحمد" الذي وصف غورماز في حسابه بموقع "تويتر" بــ"أخطر رئيس يمكن أن يتولى رئاسة الشؤون الدينية"، متمنيا أن يخلفه رئيس يلتزم بــ" منهج أهل السنة".

ما يقصده هذا الزعيم الصوفي بــ"منهج أهل السنة" ليس عقيدة أهل السنة والجماعة المعروفة ولا منهج السلف الصالح، بل الخرافات التي كانت رئاسة الشؤون الدينية في حقبة غورماز تحاربها وتشدد على أنها ليست من الإسلام. بل كانت خطب الجمعة تدعو المواطنين إلى الالتزام بالكتاب والسنة، بدلا من التعلق بالأشخاص وتقديسهم. وهذا ما أزعج الجماعات الصوفية التي اشتدت معارضتها لغورماز قبيل إحالته إلى التقاعد.

غورماز ترك رئاسة الشؤون الدينية، إلا أن النقاش الذي يدور حاليا في تركيا حول من يمثل الإسلام الصحيح، سيستمر، في ظل مخاوف من سيطرة جماعة صوفية على رئاسة الشؤون الدينية التي تعد من أهم المؤسسات الرسمية التي تلعب دورا في حماية نسيج المجتمع ووحدته.

ماذا سيفعل غورماز بعد الآن؟ هذا السؤال يطرحه كثير من محبيه، لأنهم يرون إحالته للتقاعد خسارة. وفي خطابه إلى رئاسة الوزراء، ذكر غورماز أنه يريد أن يعود إلى نشاطه العلمي ليخدم الأمة والإسلام في هذا المجال. وهناك حديث يدور حول احتمال تعيينه رئيسا للجامعة الإسلامية العالمية التي سيتم تأسيسها في تركيا لتستقبل الطلاب من جميع أنحاء العالم وتدرسهم العلوم الإسلامية.

0
التعليقات (0)