قضايا وآراء

ضبط إيقاع الكلام

هشام الحمامي
1300x600
1300x600
 أتحفظ كثيرا على مصطلح (الإسلام السياسي) وأرفض استخدامه وأرى أن مصطلح (التيار السياسي الإسلامي) أدق وصفا وأكثر صوابا من كل الزوايا وقلت كثيرا إن المصطلح نحته ميشيل فوكو حين زار إيران سنة 1978 بتكليف من جريدة الليموند وألف كتابًا عن الثورة الإيرانية بعنوان (الروحانية السياسية).

والتسمية كما ترون تائهة وحائرة وليس لها ملمح واضح ولاصدى فى الذاكرة ولاحتى المخيلة العربية فما كان من الأستاذ هيكل إلا التقاط المصطلح وضبطه على الأذن العربية وقد كان لدى أ. هيكل اهتمام مهني بالموضوع بعد تعاقد ناشره البريطاني معه على أكثر من كتاب تتناول الظاهرة الإسلامية المتصاعدة وقتها.

الحاصل أن المصطلح انتشر وأصبح من الأدبيات الصلبة في المكتبة العربية والغربية على السواء. لماذا أذكر كل ذلك ؟ لأن نائب رئيس المخابرات الأمريكية الأسبق في الثمانينيات جراهام فوللر خريج هارفارد والديبلوماسي الشرق أوسطي لمدة 17 عاما والمتخصص في الدراسات الإسلامية له كتاب بعنوان (مستقبل الإسلام السياسي) صدر عام 2003م وترجمه عام 2013 مركز اللغات الأجنبية والترجمة بجامعة القاهرة وكتب مقدمته أ.د. محمد عثمان الخشت مدير المركز وقتها والرئيس الحالي لجامعة القاهرة من 1/8 /2017 الماضي الذي قال في المقدمة تلك (إن التيار الإسلامي يمكنه أن يقدم نموذجًا عصريًا يقرب الإسلام من العالم ويقرب العالم من الإسلام. التحدي الذي يواجه مستقبل الإسلام السياسي الآن هو كيفية جعل القيم الإسلامية ذات صلة بالقضايا الاجتماعية والاقتصادية المعقدة فى الوقت الحاضر وكذلك الإسهام في المحافظة على تماسك النسيج الاجتماعي) هذا الكلام قد لا يكون موائما لمجريات السياسة المصرية الآن فنتوقع من (كلاب الحراسة الجدد) في الإعلام الفضائي أن يبدؤوا نباحا وهوهوة على الرجل الذى لم يمر على تعيينه أكثر من عشرة أيام .

ماذا قال فوللر في هذا الكتاب الذى لايكاد يكون معروفا بدرجة كافية لدى المهتمين بالحالة الإسلامية؟ نظر الرجل إلى الإسلام من زاوية موضوعية وتاريخية منصفة فرفض تماما ربطه بالإرهاب ذلك الربط الذي يعتبر إنجيل الإعلام الغربي ويلح في تكراره معتبرا بالتدليس والتزييف أن المشكلة في الإسلام ذاته كما قال برنارد لويس تكرارا ومرارا. هو يرى أن الإسلام ينبذ العنف تماما وأن ما ينسب إليه من خلال فكرة الجهاد وهي بالفعل فكرة أصيلة فى الإسلام لا يرتبط سوى بالدفاع عن النفس وتحرير الشعوب ويشير إلى التجارب الإسلامية في العصر الحديث حتى تأليف الكتاب سنة 2003م (إيران والسودان وأفغانستان) وقال إنها لم تتخذ الإسلام الصحيح مرجعية حقيقية بل هذه حكومات نتجت فقط كرد فعل على الماضي السلطوي لتلك البلدان. وهو كلام دقيق وصحيح تماما.

السؤال الرئيس الذي يحاول فوللر البحث عن إجابته من خلال هذا الكتاب هو: (هل يمثل التيار السياسي الإسلامي آخر معاقل المقاومة للحضارة الإسلامية أمام مد العولمة الغربية ذات الطابع الأمريكي؟).

أحيانا تكون الأسئلة أهم من الإجابات كما يقولون والسؤال هنا ذو مقاربة مختلفة وقوية وعميقة.

يبدأ الرجل إجابته عن هذا السؤال بتتبع بدايات الحركات الإسلامية وتطورها وإمكانياتها في إحداث تغيير حقيقي ويتناول الأدوار المتعددة التي قام بها التيار السياسي الإسلامي ويؤكد أن جميع هذه الأدوار ليست واضحة للغرب بما يكفي بالرغم من أن هذه الأدوار هي التي سُتبقي للتيار السياسي الإسلامي دوراً رئيسياً في الواقع القائم والقادم، فالثقافة السياسية في العالم الإسلامي اليوم تركز على عدد من القضايا الأساسية كالعدالة الاجتماعية ومرجعية الإسلام وفكره ومثله العليا وحفظ الحضارة الإسلامية وتراثها الكبير وإعادة بناء قوة وكرامة العالم الإسلامي والمنعة ضد تهديدات القوى الخارجية ومشروعية الحكومات. وهذه كلها تمثل قلب خطاب الحركات الإسلامية.
  
ولو أحطنا بالموضوع إحاطة أكثر شمولا وصولا للجذور الأولى سنجد أن هذه القضايا وامتداداتها كانت موجودة في طول وعرض المجتمعات الإسلامية من القرن السابع عشر والأهم أنها كانت بتأصيل معرفي ضخم. كل رجال الإصلاح الذين أسسوا لمشروع الإحياء الاسلامي كانوا مفكرين وعلماء وفقهاء قبل أن يكونوا ساسة وسياسيين. سيكون هاما هنا أن ندق وتدا كبيرا يميز الصحوة الإصلاحية الأولى عن التيار السياسي الإسلامي إذ من الخطأ اعتبار أن المصطلحين يشيران إلى مفهوم واحد.

كثير من المتابعين يعتبرون التيارات الإسلامية السياسية ليست هي الصحوة الإسلامية الأولى التي وصلت إلى كافة المجتمعات الإسلامية من ثلاثة قرون أو أكثر بل وأدت إلى دخول العديد من غير المسلمين في الإسلام وكانت الصحوة والإحياء هي الظاهرة الأعم. الظاهرة السياسية انبثقت عنها نتيجة لظروف كثيرة سياسية واجتماعية واقتصادية وتاريخية وإن شاء الله سيكون لنا وقفة أوسع وأشمل مع هذا الملمح الفارق في تاريخ الحالة الإسلامية .

وعودة إلى فوللر الذى يشير إلى أن الصراع بين المتطرفين الأصوليين والمعتدلين سيكون محكا كبيرا للاثنين والضغوط السلبية محليا وعالميا على المجتمعات المسلمة ستصب في صالح التطرف والتشدد والعنف وهذا كلام يريد أذنا صاغية كي تنتبه إلى تطوراته.

ويسأل هنا سؤالا بالغ الأهمية والعمق فيقول: هل الإسلام أو الانتماء للحركات الإسلامية ينتج بالضرورة أفراداً يميلون للعنف، أم إن المسألة تخضع لطبائع الأفراد والنزعات الشخصية؟

وكانت إجابة الرجل: أما نزوع الأفراد نحو العنف فذاك يعود للفرد نفسه وأسلوبه في التغيير مع الأخذ في الاعتبار أن الظرف المعيشي في الشرق الأوسط والعالم الإسلامي ككل يجعل الفرد معبأ ابتداء ومشحونًا ومستفزًا -قبل أي تعبئة أيديولوجية- برأي صائب وواقعي ومنتزع من قلب الحقيقة.

فوللر كان قد نشر مقالة رائعة عام 2008 فى مجلة فورين بوليسي الشهيرة بعنوان (عالم بلا إسلام) صدرت بعد ذلك في كتاب انتهى فيه إلى أن الشرق كان سيكون أكثر تشوها وتعقيدا بدون الإسلام. المقال مهم ومنصف وهو يعتمد فى دراسته على طريقة بحثية جميلة اسمها (البناء الافتراضي للتاريخ).
0
التعليقات (0)