بورتريه

عقيلة صالح.. الحليف الذي تخلى عنه حفتر

عقيلة صالح
عقيلة صالح
يقول إعلاميون ليبيون بأنه مجرد أداة كسب بها اللواء المتقاعد خليفة حفتر الشرعية والثروة.

وأنه سعى من خلال دعمه لما يسمى قوات "عملية الكرامة" التي يقودها حفتر إلى إرضاء الممولين، لكن ذلك لم يكن كافيا للتغطية على الخلافات الجذرية والعميقة بين الرجلين، فالخلافات ظهرت إلى السطح رغم محاولات بعض دول الجوار تسويتها دون جدوى.

ووفقا للنظام الليبي فإن رئيس مجلس النواب هو "القائد الأعلى" للجيش، وهو بالتالي من أعطى الشرعية لحفتر، لكنه لم يجد التقدير بالمقابل فشعر بالإهمال، أمام عزم وإصرار حفتر الانتقاص من مكانته.

المستشار عقيلة صالح عيسى العبيدي، المولود في عام 1944 في القبة شرقي ليبيا، ينحدر من قبيلة العبيدات القوية من بلدة القبة بشرق ليبيا، تقلد عدة مناصب قضائية في عهد نظام الرئيس السابق معمر القذافي.
ينظر إليه كشخصية قضائية مرموقة، لذلك لم يكن مستغربا أن يختاره المجلس الانتقالي المؤقت بعد ثورة شباط/ فبراير عام 2011 عضوا في اللجنة القضائية التي شكَّلها المجلس للتحقيق في قضايا فساد في حقبة القذافي.

حصل عقيلة صالح على بكالوريوس في القانون العام من جامعة بنغازي عام 1970، والتحق بعد تخرجه بالعمل في وزارة العدل والسلك القضائي، وبدأ حياته العملية بعد أن عين في عام 1971 كمساعد نيابة ثم أصبح رئيس نيابة دائرة الجبل الأخضر عام 1974 بمدينة البيضاء، ثم انتدب للعمل في محكمة استئناف الجبل الأخضر عام 1976.

أصبح في عام 1999 رئيسا لفرع إدارة التفتيش القضائي في محكمة استئناف درنة.

 وبعد الثورة التي أطاحت بالرئيس القذافي ومع انطلاق البرلمان الليبي بعد الثورة في أولى جلساته في آب/ أغسطس عام 2014 خلفا لـ"المؤتمر الوطني العام".، انتخب عقيلة صالح رئيسا لمجلس النواب الليبي الجديد بعد انتخابه في مدينة طبرق.

ومقر مجلس النواب الليبي هو مدينة بنغازي إلا أنه وحسب الإعلان الدستوري بإمكان المجلس عقد جلساته في أي مدينة ليبية أخرى، حيث توافق غالبية النواب على اختيار مدينة طبرق التي تنعم بالهدوء النسبي لعقد جلساتهم عوضا عن بنغازي أو طرابلس اللتان كانتا قد شهدتا طيلة الأسابيع السابقة لتسلم مجلس النواب مهامه انفلاتا أمنيا غير مسبوق.

انتهج عقيلة، الحليف الأكبر للواء حفتر، سياسة إقصائية لمنافسيه وإلى توسيع صلاحياته بحيث أصبح يتحدث ويتحرك كما لو كان رئيس الدولة.

وهو ما دفع عددا من النواب إلى القيام بخطوة لإقالته من رئاسة البرلمان بتنظيم حملة توقيعات بسبب تخبطه في القرارات وانفراده بالآراء مما أضعف المجلس على حد تعبيرهم.

إضافة لانتزاعه صلاحيات القائد الأعلى "للجيش الليبي" والتي نصت في التعديل الدستوري أن تكون لمكتب الرئاسة التابع للمجلس بمشاركة النائبين والأول والثاني.

ومنذ نيسان/ إبريل الماضي، لم يتمكن مجلس النواب من الانعقاد، بسبب تعليق أكثر من 30 نائبا عضويتهم فيه احتجاجا على ما وصفوه بعدم احترام هيئة رئاسة المجلس للوائح والقوانين التي تنظم عمله، وتقمصه لدور رئيس الدولة بقيامه بزيارات خارجية ممثلا لليبيا، بحسب بيان الأعضاء.
 وطرح هذا الغضب البرلماني عدة تساؤلات حول قدرة هؤلاء النواب على إقالة صالح المدعوم من قبل حفتر، وهل تعد هذه التحركات المسمار الأخير في نعش برلمان طبرق الغائب عن المشهد منذ فترة؟

كما أن عقيلة لم يعد يملك، ولا حتى المحيط القبلي الذي كان يعول عليه، والذي تآكل من حوله، بسبب تراجع قدرته على استخدام المال العام ومراكز السلطة بشراء الولاء والذمم، وفقا للنواب المعارضين له.

لكن المؤيدون لعقيلة يرون أن "هذه لعبة يقف خلفها الإسلام السياسي، فبعد أن أصبح البرلمان بعيدا عن متناول أيدي هؤلاء الإسلاميين؛ لجؤوا إلى طريقة شق الصف، وتغيير رئيس البرلمان، في محاولة للمجيء برئيس موال لهم بعد تقسيم الكعكة مع المؤيدين لهم".

 وتابعوا "بعد ذلك؛ سيتم نقل البرلمان إلى العاصمة طرابلس، ثم ينتهي الأمر بسلسلة إجراءات عزل لقيادات طالما انتظر الإسلاميون عزلها، وفي تلك اللحظة ستضرب شرعية برقة بكل سهولة، وهذا مرادهم وما يسعون إليه" على حد قوله.

فهل ما يحدث عبارة عن مناكفة، ولا يعبر عن خلاف حول مبدأ الشرعية؛ بقدر ما هو صراع لأجل نقل ما تبقى من سلطة لفريق الصخيرات (الاتفاق السياسي الليبي)؟.

وعقيلة لم يواجه معارضة شديدة من الليبيين فقط بل أنه وقع تحت لائحة العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي ردا على سياسته التي أجهظت عدة حلول سياسية للأزمة في البلاد، وعرقلته للحوار.

كما فرضت الخزانة الأمريكية عقوبات مشابهة "لعرقلته التقدم السياسي في ليبي".

وهي عقوبات رأى فيها مؤيدون لعقيلة بأنها بـ"لا قيمة ولا وزن لها، ومرفوضة شكلا وموضوعا"، ووصفت بـ"التدخل السافر" في الشأن الداخلي الليبي ومساسا بالسيادة الوطنية.

كما أن عقيلة لم يكن على توافق منذ البدايات مع رئيس حكومة "الوفاق الوطني" فائز السراج ورفض مبادرة السراج التي طرحها في تموز الماضي وأعلن فيها خريطة طريق للخروج من الأزمة بالبلاد تضمنت إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية مشتركة في آذار/ مارس المقبل.

وتتضمن الخريطة مواصلة العمل بالاتفاق السياسي وبقاء حكومة الوفاق الوطني لحين تسمية رئيس وزراء جديد واعتماد حكومته من قبل البرلمان.

وقال السراج في مبادرته إن :"الانتخابات ستفرز رئيسا للدولة وبرلمانا جديدا تستمر ولايتهما ثلاث سنوات كحد أقصى، أو حتى الانتهاء من إعداد الدستور والاستفتاء عليه. ويكون انتخاب رئيس الدولة بشكل مباشر من الشعب".

واشتملت الخريطة أيضا إعلان وقف جميع أعمال القتال، إلا ما يخص مكافحة "الإرهاب"، وتشكيل لجان مشتركة من مجلس النواب ومجلس الدولة للبدء في دمج مؤسسات الدولة المنقسمة وفصل الصراع السياسي عن توفير الخدمات للمواطنين.

وجاءت الضربة المعنوية القاضية لعقيلة بعد اللقاء الذي جمع السراج مع حفتر في فرنسا برعاية من الرئيس الفرنسي فرانسوا ماكرون أواخر الشهر الماضي، وتصدرهما للمشهد السياسي الليبي، وهو ما اعتبر اعترفا بشرعيتهما العسكرية والسياسية على التوالي، وهو ما يمثل تهميشا وسحبا للبساط من تحت قدمي رئيس مجلس النواب عقيلة صالح.

ويقول محمد الضراط عضو مجلس النواب المقاطع لجلساته:" إن حفتر هو صاحب القرار بالمنطقة الشرقية بلا شك لامتلاكه القوة العسكرية" بعد أن استطاع حصر الحوار السياسي بينه وبين السراج بعدما فكك الأعضاء المتحاورين من مجلس النواب والمؤتمر الوطني العام.

وتابع الضراط أن مراكز القوة أصبحت واضحة في المشهد السياسي "فالسراج وحفتر كلاهما أدوات لدول خارجية لديها مشاريع ومصالح في ليبيا".

وكان حفتر والسراج اتفقا على تنظيم انتخابات رئاسية وتشريعية ربيع العام القادم، وهذا ما يرفضه عقيلة عندما رد على مبادرة السراج بأنه لن يسمح بإجراء أي انتخابات ولن يقبل بمقترحات سياسية، إلا بعد صدور دستور ينظم شكل الدولة.

ويتفق الناشط السياسي الليبي المقيم في إيطاليا محمد فؤاد مع ما ذهب إليه الضراط، إذ قال إن حفتر هو "صاحب القرار" وليس صالح، مشيرا إلى أن خلافات حقيقية بين الرجلين أصبحت واضحة للعيان، فاللواء المتقاعد يخطط منذ فترة إلى إزاحة صالح من رئاسة مجلس النواب.

بدوره، قال عضو مجلس النواب المؤيد لـ عملية الكرامة" صالح افحيمة إن حفتر استطاع أن يبني مؤسسة عسكرية تحظى بشرعية محلية ويسعى لنيل الاعترافات الدولية بها، وبالمقابل فإن صالح عمل على إضعاف مجلس النواب من خلال تفرده بالقرار وانتزاعه لصلاحيات المجلس، حتى أصبح شيئا فشيئا يفقد وجوده في المشهد السياسي رغم شرعيته المحلية والدولية.

هل فهل تخلى حفتر عن حليفه لصالح تكتيتات سياسية عسكرية جديدة ، وهل سحب البساط من تحت قدمي عقيلة تاركا غيره وطرف آخر يعتليه، أي حفتر الحاكم الفعلي والآمر الناهي للمنطقة الشرقية.

الخلافات بين عقيلة وحفتر في الأساس ناتجة عن عدم وضوح المبادئ والأهداف التي جمعت بين الجانبين، وما يوحدهما هو التواصل مع دولة الإمارات العربية ومصر والبحث عن المال.

وهذا أيضا قد يكون أحد الأسباب التي جعلت أي تقارب أو حوار بين السراج وعقيلة شبه مستحيل، فعقيلة يعتدي على صلاحيات ليست له، ويعقد تحالفات إقليمية وعربية ودولية تتناقض مع مصلحة الدولة الليبية.

ربما يدفع ثمن ذلك بأن يكون أحد ضحايا التفاهمات الدولية الجديدة.
التعليقات (0)