اقتصاد عربي

منظومة القمح بمصر.. "مافيات" وفساد ومليارات مهدرة

يُعتقد أن قسما كبيرا من القمح المحلي مسجل على الورق فقط ولم يتم توريده - أ  ف ب
يُعتقد أن قسما كبيرا من القمح المحلي مسجل على الورق فقط ولم يتم توريده - أ ف ب
أكد خبراء زراعيون واقتصاديون أن مصر ستظل تتربع على قمة أكبر دول العالم المستوردة للقمح، في ظل فساد منظومة استيراده التي أطاحت بوزير التموين السابق، خالد حنفي، العام الماضي، والتي تكلف الدولة مليارات الجنيهات سنويا نتيجة التلاعب بالأرقام.
ويشكك الخبراء في قدرة مصر على تحقيق الإكتفاء الذاتي من القمح؛ لتقلص الرقعة الزراعية، وتخلف أساليب الزراعة والري، والزيادة المطردة في عدد السكان، وارتفاع نسبة الفقر، واعتماد المصريين على الخبز بشكل أساسي، إلى جانب تحقيق أرباح بالمليارات لكبار المسؤولين ورجال الأعمال من موسم الاستيراد والتوريد.

وتستهدف مصر استيراد سبعة ملايين طن من القمح هذا العام، وهي كمية غير مسبوقة، مقابل 5.5 مليون طن في العام السابق، لتغطية إنتاج الخبز المدعم الذي يُقدر بنحو 9.6 مليون طن من القمح سنويا.

وبلغ توريد الفلاحين للقمح المحلي هذا العام 3.4 مليون طن فقط، مقابل نحو 5.2 مليون طن في الموسم الماضي، ليبلغ الفارق نحو 1.8 مليون طن، والذي تم توريده على أنه قمح محلي للحصول على سعر أعلى، أو ليس له وجود سوى على الورق.

سلسلة من الفساد

وقال أستاذ الاقتصاد الزراعي بالمركز القومي للبحوث، يحي متولي، لـ"عربي21"، إن "مصر تعاني من فساد بمنظومة القمح نتيجة غياب القوانين الرادعة، خاصة وأن الفساد يتعلق بسلسة طويلة من الإجراءات".

وأوضح أن "الفلاح هو من يتم التلاعب به، ويبدأ الفساد من توريد القمح، إلى تخزينه، وثم إرساله للمطاحن، وأخيرا توريده للمخابز، إضافة إلى خلط القمح المحلي بقمح مستورد رديء"، مشيرا إلى أن "مصر من أكبر الدول المستوردة للقمح، وفساد المنظومة يضر بالأمن الغذائي، وموازنة الدولة".

وعدّد متولي أسباب عدم قدرة مصر على تحقيق الاكتفاء الذاتي، قائلا: "هناك عوامل كثيرة لا تساعدك على تحقيق الاكتفاء، منها الزيادة السكانية المطردة، واعتماد المصريين على الخبز بشكل أساسي، وعدم زراعة أنواع أخرى أقل تكلفة للأسمدة، وارتفاع تكلفة الإنتاج، واتباع سياسيات زراعية قديمة لا تلبي تطورات الزراعة الحديثة"، كما قال.

التربع على قمة الفساد

وحمًل الصحفي المختص بالشؤون الزراعية، جلال جادو، السلطات المصرية؛ المسؤولية عن استمرار منظومة الفساد، قائلا: "مصر باعتبارها أكبر مشتر للقمح في العالم، تفتح أبوابها لأردأ أنواع القمح، ومن الغريب أيضا أنها تستورد أثناء موسم استلام القمح من الفلاح المصري، وهذا موضوع مثير للريبة"، على حد وصفه.

وأضاف لـ"عربي21": "المسيطرون على سوق القمح المحلي هم تقريبا من يستوردون القمح من الخارج، وبالتالي تصبح الفرصة سانحة لخلط المحلي بالمستورد لتحقيق فارق سعر كبير"، مؤكدا أن "مصر ستظل تتربع على قمة مستوردي القمح في العالم".

وذهب جادو بالقول إلى أنه "منذ سيطرة العسكر على مفاتيح مصر؛ وهم يستخدمون الفساد في إدارة البلاد، وما كشفته لجنة التحقيق في فساد منظومة القمح التى شكلها البرلمان الحالي، يُظهِر حجم الفساد الرهيب الذي وصل إلى عجز أكثر من 80 في المئة في بعض المخازن، لذا عجّل النظام بتقديم قربان بإقالة الوزير السابق خالد حنفي، وتحويل البعض للنيابة حتى لا تكمل هذه اللجنة عملها"، وفق قوله.

مافيا القمح

أما أمين عام الاتحاد العربي للاقتصاديين الزراعيين، إمام الجمسي، فأكد أن "التحقيقات الأخيرة كشفت أن مصر فيها فساد كبير في منظومة القمح، شمل التلاعب بالأرقام بشكل مبالغ فيه في كل مراحل المنظومة التي تتداخل فيها عناصر أشبه بمافيا العصابات".

وأضاف لـ"عربي21": "كما أن منظومة الدعم غير حقيقية، فهناك فجوة بين ما يستهلكه المواطن وبين ما تعلنه الدولة، فمتوسط استهلاك الفرد في مصر لا يزيد عن 100 كيلو جرام من القمح، في حين أن متوسط الاستهلاك الذي تقدره الدولة هو 180 كيلوجراما".

وبيّن أن "فساد منظومة القمح يكمن في تخزينه، سواء في الشون أو المطاحن؛ حيث يتم صرفه من المخازن ولا يتم تسلميه، كما أن هناك توريدات عبارة عن أرقام على ورق، أو مضاعفة أرقامها على الورق، بالإضافة إلى أن فتح الباب لاستيراد القمح لحساب مسؤولين ونافذين في الدولة ترتب عليه فساد أكبر"، وفق تأكيده,

وتابع: "تشريع استيراد القمح وإعادة بيعه للدولة قنن الفساد، فالجهة الوحيدة المستودرة كانت هيئة السلع التموينية، وما كان يحدث هو استيراد أقماح رديئة، وغير صالحة للاستخدام ، وتوريدها على أنها درجة أولى"، مضيفا أن "الخطورة تكمن في تأثيرها الضار على صحة المواطن قبل كل شيء"، كما قال.
التعليقات (0)