مقالات مختارة

طورة منطق «حسنة وأنا سيدك»!!

عماد الدين حسين
1300x600
1300x600
البعض منا يتعامل مع مسألة المعونة الأمريكية لمصر، وكأنها سوف تستمر إلى الأبد. ننسى دائما أنها مرتبطة بمصالح متبادلة، وانها سوف تقل أو تزيد، طبقا للمتغيرات التي تحكمها، وطبقا لدور مصر وتأثيرها في المنطقة.

أمريكا تعطينا المعونة ليس حبا في «سواد عيوننا»، بل لأنها أداة لتحقيق مصالحها. وحينما تقللها أو تجمدها، فالمعنى أنها لم تعد تخشى من غضبنا، أو أن أوراقنا التفاوضية تقلصت من وجهة نظرها، وبالتالي فإن السؤال الجوهري هو: ما هي الطرق والوسائل التي تجعل دورنا مهما؟ ليس فقط في عيون أمريكا، ولكن في عيون الجميع، وفي مقدمتهم الدول الكبرى.

علينا أن نتفق أولا على أن الولايات المتحدة والدول الكبرى لن تغير سياستها إزاء مصر لمجرد أن بعض صحفنا ووسائل إعلامنا شنت حملة ضخمة ضدها. واشنطن لن تعيد المعونة لمجرد أن بعضنا يرى أنها هي الأكثر استفادة منها، ولن ترتعد خوفا، وتتراجع عن انتقاداتها لملف حقوق الإنسان، لمجرد أن بعضنا سوف يذكرها بأن دولتها قامت على فكرة إزالة شعب آخر بكامله من الوجود، هم الهنود الحمر، وبالتالي لا يحق لها أن «تحاضر وتنظر» في مسألة حقوق الإنسان.

لا نريد أن ندرك حتى الآن أن السياسة الدولية لا تدار بهذا المنطق المبسط القائم على الأخلاق والمبادئ والقيم فقط. لو كان الأمر كذلك لكنا ربحنا المعركة ضد إسرائيل من عام 1948. السياسة في كل وقت وحين تقوم على حقائق القوة المختلفة، وعلى قدرة أي دولة على تسويق نفسها دوليا.

 أمريكا والغرب ينتقدون الصين صباح مساء بسبب حقوق الإنسان، لكن الأخيرة لا «تعبرهم ولا تعيرهم اهتماما» لان أمريكا وأوروبا لن تضغط عليها بالمعونة أو غيرها، ولان الصين أقامت نظاما قويا، بغض النظر اذا كان يرضى بعضنا أم لا.

لكي نتقي شر أمريكا وغيرها، فلا بد ألا نكون محتاجين اليهم، وعلينا أن نتوقف تماما عن منطق «حسنة وأنا سيدك»، الذي ما يزال بعضنا يمارسه منذ زمن بلا كلل أو ملل!!. أمريكا دولة عظمى، ونحن لسنا في منافسة معها، بل نتلقى معونتها، منذ عام 1979، وبالتالي فعلينا أن نكون منطقيين ونحن نتحدث في هذا الملف.

نحتاج بالفعل أن نحسن من سجلنا في الحريات وحقوق الإنسان، ليس لأن أمريكا وأوروبا والمنظمات الحقوقية الدولية تطالب بذلك، حقا أو باطلا، ولكن لأننا كبشر وكمصريين نستحق ذلك.

من العار، أن نتخذ بعض الخطوات، في هذا الصدد لكي نرضي أمريكا فقط، وليس لان الشعب يستحق ذلك.

قلت قبل ذلك وأكرر اليوم، إن الولايات المتحدة والغرب، يستخدمون سلاح الحريات وحقوق الإنسان، ليس حبا في ذلك ولكن لتحقيق مصالحهم، وصار ذلك عرفا وتقليدا في السياسة الدولية. لو كانت أمريكا جادة ومتمسكة بحقوق الإنسان، فإنها تقيم علاقات استراتيجية وتقدم معونات سخية لأنظمة فاشية وعنصرية مثل إسرائيل، ودول لا تعرف حتى كلمة حقوق الإنسان، أو تعددية أو ديمقراطية وبعضها موجود في منطقتنا العربية والإسلامية!!

تحتاج مصر إلى أكبر استقرار وتوافق وطني عام وشامل لكل أو أغلب القوى المدنية والديمقراطية التي تؤمن بالقانون والدستور والدولة المدنية. لو حدث ذلك لشكل أقوى حائط صد ضد كل التدخلات التي تمارسها القوى الخارجية. هذا التدخل الجارحي لا يحدث ألا حينما يجد ثغرة داخلية يتسلل منها.

أكتب هذا الكلام لأنني سبق أن انتقدت الأداء الحكومي في مجال الحريات وحقوق الإنسان وفتح المجال العام، وقلت بوضوح إن إصرار الحكومة على السير في هذا الطريق الوعر سيكون أفضل خدمة تقدمها للمتطرفين والمتربصين في الداخل والخارج. لكن نسأل مرة أخرى: ما هي أوراق الضغط التي تملكها القاهرة وتستطيع أن تؤثر بها على المصالح الأمريكية؟!

الشروق المصرية

0
التعليقات (0)

خبر عاجل