مقالات مختارة

هموم الجيل الجديد غير همومنا

مروان المعشر
1300x600
1300x600
كلما حضرت محاضرة عامة، تستوقفني ملاحظة لا يمكن إنكارها وهي ندرة تواجد الجيل الجديد سواء بين المحاضرين أو الحضور. اشعر بتزايد أن نقاشاتنا وآراءنا لا تجد صدى لدى أبناء وبنات الجيل الجديد، وان مفرداتنا غير مفرداته، والأطر التي تحكم تفكيرنا تختلف عن أطره. للجيل الجديد أسلوب تفكير مختلف وتطلعات ومخاوف اخشى أننا لا ندركها ولا نحسن التعامل معها، ما أدى إلى تباعد واضح بين صانعي القرار والشباب.

أحاول شخصيا التواصل مع الجيل الجديد بشكل منتظم، واشعر أن هناك حاجة ماسة لمحاولة وضع أنفسنا مكانهم وفهم تطلعاتهم كما أدوات تفكيرهم. ولا أزعم أنني نجحت في ذلك، إلا أن هناك خطوطا عامة يمكن تلمسها من هذا الجيل، وهي ملامح يستطيع الإنسان أن يستشفها بوضوح لدى الحديث مع أبناء وبنات الجيل في مختلف محافظات المملكة.

من الواضح تماما أن هذا الجيل يكاد لا يثق بأي ممن كان في المسؤولية، وليس ذلك بمستغرب. فقد اعتدنا الخطابات الرنانة في الحديث معهم، التي تركز على الشكل اللغوي اكثر من المحتوى العملي، والتي لم تؤدِ إلى حل مشاكلهم. لا تنفذ نبرتنا العالية إلى عقولهم أو قلوبهم، وهم غير معنيين بالخطب الحماسية أو المشاعر العاطفية أو الوعود البراقة، لا يشدهم إلا المنطق السليم والمعلومة الصادقة والصراحة والوضوح في الطرح، وهو ما نفتقر إليه اليوم. 

تبعا لذلك، فان تقسيماتنا الحزبية والأيديولوجية الخالصة لا تعنيهم بقدر ما كانت تعنينا. لا يهمهم إن كنّا إسلاميين أو قوميين بقدر ما يهمهم أن كنّا صادقين أو لدينا مشاريع مقنعة تضمن لهم مستقبلا أفضل.

هاجس البطالة اكثر ما يقلقهم. لم يقدَّم لهم بعد مشروع يقنعهم أن هناك خطة مناسبة لإيجاد فرص عمل لهم حين يتخرجون، وأن فرص العمل على قلتها ستكون متاحة لهم حسب الكفاءة وليس للذي له واسطة. حجم الإحباط والظلم الذي يشعرون به جراء المحسوبية أكبر مما يتصوره البعض منا.

يريد الجيل الجديد أيضا أن تُزال عنه القيود التي لا تسمح له بحرية التفكير والإبداع. أذكر أنه في إبان النقاشات التي تمت أثناء وجودي في القطاع العام حول أهمية الإصلاح السياسي والاقتصادي، كتبت ورقة قلت فيها أننا لن نستطيع منافسة دبي من حيث مستوى الأجور، ولكن الشباب الأردني مستعد لقبول أجور اقل مما تمنحه دبي أن عاش في محيط يسمح له بحرية الفكر ما يساعده في الإبداع والابتكار. فهل هيأنا لجيلنا مثل هذا الفضاء؟ بدلا من ذلك، لم نفتأ نرسل للجيل الجديد رسائل متناقضة، فمن جهة رسالة تشجعهم على تطوير حياة حزبية، ومن جهات أخرى رسائل تحذيرية من مغبة العقاب أن هم انخرطوا في أي عمل حزبي في جامعاتهم. 

أكثر ما يحتاج إليه الجيل الجديد إعطاؤه الأمل بمستقبل واعد. ولا يأتي ذلك من خلال الخطابات، ولا من خلال التعامل مع هذا الجيل من منظور النوادي الشبابية والرياضية. يطالب الجيل الجديد أن يكون شريكا حقيقيا في صنع القرار، وان قبل آباؤه وأمهاته بضعف التمثيل، لا يبدو هذا الجيل مستعدا لإعادة نفس التجربة، وهو الذي ينظر إلى العالم فيرى رؤساء وزارات ووزراء في اهم الدول المتقدمة ممن لا يكبرونه كثيرا.

نخطئ حين نستمر في تعميق هوة الثقة مع جيل المستقبل لتشبثنا بالمناصب أو لعدم محاولتنا فهم تطلعاته ومخاطبته بالوسائل التي يفهمها وإشراكه بصنع القرار. بغير ذلك، فإما أن نفقد أفضل عقولنا للخارج، أو نتركها لتطرف لا يحمد عقباه.

الغد الأردنية

0
التعليقات (0)

خبر عاجل