كتاب عربي 21

لماذا هؤلاء قادتهم شباب ونحن قادتنا كهول؟

عزام التـميمي
1300x600
1300x600
بعد أن انتهيت وابني عبد الرحمن من مشاهدة فيلم "مايكل كولينز" وجه إلي سؤالين. لكن قبل أن أذكر السؤالين، من المهم أن نتعرف ولو باختصار شديد على سيرة هذه الشخصية المهمة في تاريخ إيرلندا.

كان مايكل كولينز Michael Collins (1890 - 1922) واحداً من أهم قادة حرب استقلال إيرلندا عن بريطانيا في مطلع القرن العشرين.بعد أن حارب جيش الاحتلال البريطاني لسنوات، ساقه قدره إلى لندن ليتفاوض مع الحكومة البريطانية ويبرم معها اتفاقا منحت بموجبه إيرلندا نوعا من الاستقلال الذاتي مقابل التخلي عن النضال المسلح.

إلا أن الاتفاقية قسمت إيرلندا إلى شطرين، ظل الشطر الشمالي بموجبها تحت الحكم البريطاني. لم يرق ذلك لبعض رفاق كولينز، فنشب خلاف أدى إلى انشقاق داخل الحركة الوطنية الإيرلندية وأفضى إلى اندلاع حرب أهلية قاتل فيها رفقاء السلاح بعضهم بعضاً. 

من يرغب في معرفة التفاصيل، فإن فيلم "مايكل كولينز" الذي أنتج عام 1996 يستحق المشاهدة رغم نهايته المؤلمة، والتي يمكن أن تذكرنا بما آلت إليه أوضاع حركة النضال الوطني ضد الاحتلال الصهيوني في فلسطين، بالطبع مع وجود أوجه اختلاف كثيرةوكبيرة. 

أما السؤال الأول فكان كالتالي: "لماذا كان هؤلاء قادتهم شباب بينما نحن قادتنا كهول؟".

وأما السؤال الثاني فكان: "ماذا برأيك ينبغي أن تكون عليه وجهة الشباب المسلم في بريطانيا؟".

لربما حفز عبد الرحمن على طرح السؤال الأول أنه رأي في الفيلم مايكل كولينز يقود حركة النضال المسلح ضد المستعمر البريطاني في إيرلندا ولما يتم العقدالثالث من عمره، ويفاوض البريطانيين على الاستقلال قبيل اغتياله بقليل وهو في الحادية والثلاثين. 

ما من شك في أن كولينز ما كان ليتصدر لولا ما أوتيه من ملكات ومواهب ميزته عن غيره نال بها ثقة أقرانه واحترام أعدائه. ولربما قارن ابني هذه الصورة بما يشاهده من واقع مشاريع الإصلاح والتغيير أو حركات النضال والمقاومة في العالم العربي والإسلامي التي يحتل مواقع الصدارة فيها شيوخ إن لم يكونوا كهول، وبعضهم لم يؤهله لاحتلال موقعه سوى الأقدمية في الحركة أو التنظيم. ونتيجة لهذا الوضع غير الصحي ذهب البعض يتساءل لماذا لا يترجل هؤلاء ويسلموا القيادة للشباب ولمن هم أقدر منهم على حمل الأعباء. 

والحق، أن كولينز، ومثله في ذلك مثل كل المناضلين الذين خلد التاريخ ذكرهم، لم ينتظروا أحداً ليترجل ويسلمهم القيادة، بل ظروفهم وعزمهم وإبداعاتهم وتضحياتهم هي التي بوأتهم مواقع الريادة. 

كان حسن البنا رحمه الله في الثانية والعشرين من عمره عندما أسس مع ثلة كريمة من أقرانه ما أصبح بعد ذلك أكبر حركة إسلامية سياسية في العالم، وحينما فعل ذلك لم ينتظر من أحد أن يخلي له موقعاً أو يفتح له طريقاً. وقضى نحبه شهيداً وهو في الثالثة والأربعين من عمره. 

منذ أن انتكس الربيع العربي وموضوع الشباب لا يغيب عن كثير من الحوارات، ويرى بعض الناس، ومنهم عدد كبير من الشباب الذي أحبطه ما انتهت إليه الثورات العربية من إجهاض، أن العلة تكمن في عدم تمكين الشباب وإعطائهم الفرصة ليقودوا المسيرة ويتصدروا المشهد. وأصحاب هذا الرأي يلومون الشيوخ والكهول ويحملونهم المسؤولية عما وقع من انتكاسات.

وذهب البعض يؤسس لمشاريع تهدف إلى تمكين الشباب، وفي سبيل ذلك تنعقد المؤتمرات تلو المؤتمرات والورش تلو الورش، وتحجز لذلك الفنادق، ويشد المشاركون إليها الرحال، وتنفق فيها الأوقات والأموال. ولا أراني متفائلاً بكثير مما أشاهد أو أسمع لقناعتي بأنه لا يمكن لشباب محبط يائس أن يقود مشروع تغيير قائم ناهيك عن أن يتمكن من التأسيس لمشروع جديد.

ويغلب على ظني أن نظرية أن يتخلى أحد لأحد عن موقع القيادة إنما هي أقرب إلى الوهم منها إلى الواقع. وما نتعلمه من تجارب من سبقنا، وما يمكن أن نوثقه من تجارب جيلنا، يدل على أن المشروع الذي يفشل ينتهي، وينتهي معه أصحابه، ولابد من مشروع جديد، بقيادة جديدة، تفرض نفسها ولا تنتظر أن يفرش لها السجاد الأحمرحتى تخطو عليه نحو موقع الصدارة.

أخشى أن تؤدي بعض برامج تمكين الشباب إلى العكس مما ترجوه، فقد يتحول الشباب إلى مجرد ديكور، أو أدوات، وبعضه قد تفسده البيئة التي من المفترض أن يمكن من خلالها، بيئة الفنادق ذي الخمسة أو الأربعة نجوم والبوفيهات التي لا ينضب معينها. 

جيل والدي كان متمردا على جيل جدي، وجيلي تمرد على جيل أبي، ولا مفر من أن يتمرد جيل أبنائنا علينا إن رأوا أن جيلنا قد انتهت صلاحيته، وأرادوا أن يستلموا الراية وينطلقوا بها قدماً، وخاصة بعد أن منينا نحن بهزيمة مدوية في هذه الجولة من النضال أمام أصحاب الثورة المضادة الذين أرعبهم احتمال التغيير. 

ولن ينجح جيل جديد في تمرده إذا غلبت عليه فكرة تقديس الأشخاص أو الهيئات أو المشاريع، فهذه يمكن أن تفسد، ويمكن أن تفقد صلاحيتها وتموت، أما الفكرة التي من أجلها يناضل عشاق الحرية والكرامة فلا تموت أبداً. ولكن لابد هنا من تحذير، وهو أنه إذا كان التقديس معيباً ومرفوضاً فإن الاحترام والتقدير مطلوب بل هو وجاب، وشتان بين الاحترام والتقديس. 

وأما السؤال الثاني الذي طرحه على عبد الرحمن، فاقترحت أنه ربما احتاجت الإجابة عليه إلى عقد لقاء عصف ذهني تشارك فيه مجموعة من أبناء جيلي ومجموعة من أبناء جيله، ولعل هذا يتحقق في القريب. 
التعليقات (2)
اينشتاين
السبت، 03-03-2018 07:50 م
كلامك يدل دلالة قاطعة على أن الهم الأول والأخير كان التنظيم ، ليس إلا ، وكلام " مصري جدا " يدخل في هذا المضمار ، لم يذكر عنصرا واحدا يدل على أن مشروع الحركة هو مشروع مجتمع ، لم يسعى هؤلاء وأولئك للبحث في كيفيات الانطلاق من داخل قواعد المجتمع الصلبة ، التميز بواسطة الشعار هو سيد الموقف ، لذلك حبس الجميع أنفسهم داخل التنظيم باسم التميز ولا شيء سوى التميز ، أما الدور الرسالي الذي يخدم من خلاله المسلم مجتمعه وأمته فكان الغائب بامتياز ، ولما تراجعت قيمة التنظيم في أعين الناس وفي واقعهم عدنا نفسر المسألة كون أولئك كهول وهؤلاء شباب ، المشكلة أعمق من ذلك بكثير ، حاييم وايزمان رئيس أول منظمة صهيونية 1928 وأول رئيس للكيان الصهيوني على أرض فلسطين كان كيميائيا، من اصطحب معه في 1929 إلى الولايات المتحدة الأمريكية ؟ هل اختاره على أساس أنه شاب أم شيخ ؟ أبدا لم ينظر من هذه الزاوية ، لقد اصطحب معه عالم الفيزياء ( اينشتاين ) . أما سؤال عبد الرحمان بخصوص وجهة الشباب المسلم داخل بريطانيا ، فالجواب واضح وضوح الشمس ، وهو ما أكد عليه الأستاذ طارق رمضان ، لا تنطلقوا من كونكم مهاجرين أو أجانب وإنما من المواطنة التي تسعكم جميعا ، منها تباشرون دوركم ومهمتكم النبيلة ، إنها مهمة الشهادة : " وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا " . كلكم يعلم موقف كثير من الدوائر المعادية للمسلمين من الأستاذ طارق الذي اجتهد في تفويت الفرصة على تلك الدوائر التي سعت طويلا وراء تشويه صورة الإنسان المسلم ، لقد اعتمدت تلك الدوائر على الأفكار الميتة والقاتلة التي نقلها بعض الأفراد وبعض التنظيمات إلى تلك الجتمعات وخاضوا معارك لا طائل من ورائها ، شوهوا من خلالها صورة المسلمين ، على هذا الأساس يمكن تحديد وجهة شبابنا وشيوخنا في تلك البلدان على حد سواء .
مصري جدا
الثلاثاء، 10-10-2017 01:08 ص
هناك عدة اسباب منها اولا ، ثقافة العرب والمسلمين في العصور الاخيرة عصور الجمود والتخلف والانحطاط ثانيا ، مجموعة المفاهيم والقواعد الحاكمة للتنظيمات والكيانات التي تخلط بين الاحترام والتقديس بين النصح والنقد وبين الطاعة والثقة ، ثالثا، الاجواء غير الامنة في الحوار والنقاش والشورى والتي قد يترتب على ابداء الاراء فيها مواقف تنظيمية ، رابعا ، عدم الثقة من كهول القيادات في شباب الكيانات والعائد اصلا للحرص الزائد وغير المنضبط على التنظيم او الكيان ،خامسا ،عدم تكافؤ الفرص والذي في الغالب لا يظهر الكوادر الجديدة ، سادسا ، عدم وجود نظام لائحي ينظم صعود الشباب لمواقع القيادة ، سابعا ، الخلط المقصود احيانا بين عرض المهارات والقدرات وطلب المواقع القيادية كحق انساني ةضرةري وبين الاخلاص والتجرد وعدم طلب الامارة ، ثامنا ، عدم ةضوح معايير اختيار القيادات لدى النسؤلين في حالة التعيين ولدى المصوتين في حالة الانتخاب د تاسعا ، الانغلاق التنظيمي وعدم تبادل الخبرات مع النؤسسات والكيانات الاخرى ، عاشرا ، ادارة العمل الجماعي باسلوب الهواة المخلصين وليس بكريقة المحنكين المحترفين ، حادي عشر ، عدم وجود معايير ذات جودة للمحاسبية والرقابة والمسائلة ما يترتب على ذلك بقاء المسؤل في مكانة طوال عمره