مقالات مختارة

أمريكا والمصالحة الفلسطينية

1300x600
1300x600
لا تكاد تتشكل التحالفات السياسية والعسكرية في الإقليم حتى تندثر وتتشكل على أنقاضها تحالفات وشراكات جديدة، ولا تكاد تعقد الاتفاقات والتفاهمات حتى تتعثر وتتقهقر بسرعة اكبر بكثير مما تخلقت فيه؛ ما يعني أن الإقليم لازال يعيش حالة عالية من السيولة وانعدام اليقين.

فالحديث عن تفاهمات أمريكية روسية يشتد تارة وتظهر بعض آثاره ميدانيا لكنه سرعان ما تبدد ويتحول إلى مواجهات ومساومات غير منتهية؛ فسوريا تعد احدى الميادين التي يتم فيها اختبار كافة صيغ التحالفات والشراكات في عملية إعادة بناء وهدم متواصلة؛ فالحديث عن انتصارات وحسم يناقض الحقيقة المرصودة بشكل يومي والتي لا تشير إلى وجود نهايات استراتيجية واضحة في ظل المسارات الكبرى المتصارعة والتي لم تصل بدورها إلى مشاريع إقليمية أو دولية.

ما يميز الحقبة الحالية انعدام خطوط التماس الواضحة وصعوبة الفصل بين المعسكرات المتناحرة التي تتداخل مصالحها بشكل مثير للاهتمام في مكان وتتعارض في مكان آخر، معطيا الإقليم سمته الأساسية خلال السنوات السبع الماضية وهي: انعدام الاستقرار وانعدام اليقين، فالمنطقة العربية بشكل خاص ساحة صراع تغيب فيه المرجعيات السياسية والفكرية الرائدة على مستوى الدولة.

في ظل هذه الصورة المبهمة تبدو العلاقات التركية الإيرانية الروسية الأكثر وضوحا في تطورها في حين يبدو المعسكر الأمريكي الأكثر ترهلا وتعثراً في المنطقة من ناحية «نسبية» فقط؛ فالأفضلية للقوى الأكثر قدرة على التفاعل والمبادرة والتي تملك مصالح واضحة وثابتة في الإقليم وهي تركيا وايران وروسيا؛ ما بدا واضحا في إدلب مؤخرا بعد الاتفاق الروسي الإيراني التركي والذي اشتركت فيه المعارضة السورية بشكل أو آخر.

ورغم وجود نموذج مشابه في الجنوب السوري، إلا انه متعثر جدا ويعاني إشكالات كبرى محكومة بالاستراتيجية الأمريكية التي تتمتع بقدر عال من الجمود ونقص الفاعلية مهددا بتوسع دائرة التأثير نحو ملفات حساسة كالملف الفلسطيني؛ فالمختبر السوري لصياغة واختبار التحالفات والتوافقات يلقى بظلاله غير المباشرة على الملف الفلسطيني.

فالإدارة الأمريكية والغربية ولتدارك الموقف المتدهور أبدت قدرا من المرونة غير المعهودة سلبيا من المصالحة الفلسطينية والتقاربات الإقليمية التي تجاوزت خطوط الصدع الكبرى لتشكل حالة جديدة تمثل استنساخا للتجارب الإقليمية، يؤكد ذلك إعلان ترامب أول امس أنه لن ينقل السفارة الأمريكية إلى القدس إلا بعد الوصول إلى اتفاق سلام فلسطيني مع الكيان الإسرائيلي.

موقف الولايات المتحدة المبهم أثار لغطا وأسئلة كثيرة لعل أهمها، يتعلق بإمكانية سعيها إلى تجاوز أخطائها في سوريا والعراق بمحاولة استنساخ وتخليق نموذج جديد في الملف الفلسطيني يعتمد على تجاربها المتعثرة في سوريا والعراق والخليج العربي. سؤال يحتم المزيد من المراقبة للسياسية الأمريكية؛ إذ إن مسألة التمييز بين القبول بالأمر الواقع ومحاولة تخليق واقع جديد في ظل السيولة في الإقليم مسألة غاية في الصعوبة في المرحلة الحالية، إلا أنها غاية في الأهمية لفهم النهايات الاستراتيجية للتوافقات والتفاهمات الإقليمية ومستقبلها ومسار أو مسارات تطورها.

السبيل الأردنية
0
التعليقات (0)