سياسة عربية

كيف استغلت الأنظمة الدكتاتورية كرة القدم لإخضاع شعوبها؟

شبان سوريون يشجعون منتخب بلادهم خلال مشاركة في تصفيات كأس العالم وسط دمشق- أ ف ب
شبان سوريون يشجعون منتخب بلادهم خلال مشاركة في تصفيات كأس العالم وسط دمشق- أ ف ب
يعد جنرال الأرجنتين خورخي فيديلا نموذجا لاستغلال الأنظمة الدكتاتورية والعسكرية الحاكمة لكرة القدم في تسويق نظامه والتغطية على كوارثه وأزماته الاقتصادية، بحصول بلاده على حق استضافة المونديال ثم الفوز به عام 1978.
 
النظام المدعوم من الولايات المتحدة، سبق أن أطاح قائده فيديلا برئيسة الأرجنتين إيزابيل بيرونن عام 1976، وحكم بالحديد والنار وأفقرت سياساته البلاد حتى وصل الدين الخارجي إلى 4 أضعافه بخمس سنوات.
 
ورغم ظروف الأرجنتين المضطربة، نال فيديلا شرف استضافة كأس العالم بضغوط أمريكية على الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" عام 1978، وذلك في محاولة من واشنطن لتجميل صورة النظام.
 
وروى الصحفي الأرجنتيني ريكاردو فلدي في كتابه "Fomos campeões"، كيف تدخل فيديلا، ووزير خارجية أمريكا هنري كسينجر، حتى فازت الأرجنتين على البيرو (6-صفر) بالدور قبل النهائي للبطولة وحيث كان لزاما على فريق التانجو الفوز بفارق 4 أهداف ليصل للمباراة النهائية.
 
وقال إن فيديلا وكيسنجر اتفقا مع جنرالات البيرو، على بيع المباراة مقابل 50 مليون دولار و35 ألف طن حبوب، مضيفا أنه قبل المباراة النهائية أمام هولندا بساعتين تم تغيير حكم الساحة بطلب من فيديلا، وهو ما أكدته الوثائق السرية الصادرة من مجلس الأمن القومي الأمريكي بعد مرور 25 عاما على الواقعة.

مصر وسوريا

 وتأهلت مصر لنهائيات المونديال "روسيا 2018"، الأحد، فيما تبارى إعلام الانقلاب في نسب الإنجاز التاريخي الغائب منذ 27 عاما، إلى رعاية رأس السلطة عبدالفتاح السيسي للرياضة والرياضيين.
 
وبينما أخفق المنتخب السوري "نسور قاسيون" في الحصول على بطاقة التأهل، بعد خسارة من أستراليا الثلاثاء، في الملحق الآسيوي المؤهل للبطولة، رفعت جماهير موالية للنظام السوري صور بشار الأسد أثناء المباراة.
 
ويطرح صعود مصر للمونديال وخروج سوريا تساؤلات حول كيفية استغلال السلطة الديكتاتورية في كلا البلدين الإنجازات الرياضية واعتبارها ملكا لها.
 
إنجاز جاهز التحضير

وأشار الناقد الرياضي أحمد سعد، إلى "أن السلطات الدكتاتورية التي تصل غالبا عبر الانقلابات العسكرية أو بانتخابات صورية يتحكم فيها العسكر؛ تكون بلا إنجازات حقيقية تكسب بها رضا شعوبها؛ وتوجه طاقاتها للحفاظ على بقائها".
 
وأضاف سعد في حديثه لـ"عربي21" أنه لذلك "تبحث عن إنجاز جاهز التحضير مثل الفوز ببطولة رياضية لا سيما أن تكون بكرة القدم اللعبة الشعبية الأولى؛ لتقفز فوق ذلك الإنجاز وتتصدر المشهد باعتبارها من صنعها، بصرف النظر عما إذا كان هذا الانجاز تحقق بإعداد وتخطيط من الدولة من عدمه".

وأوضح أن "أغلب تلك الإنجازات تنالها الدول من غير جدارة وبعضها يكون وقتيا ويصعب الحفاظ عليه".
 
وقال سعد: "إذا أخذنا نموذجا لذلك بتأهل المنتخب المصري لكأس العالم وهو إنجاز كبير، نرى أن النظام الديكتاتوري بمصر وعلى رأسه السيسي سعى سريعا لاستغلاله والقفز فوقه؛ رغم أنه يحارب كرة القدم بكل قوة"، مشيرا إلى "ملاحقة النجوم الكبار مثل محمد أبو تريكة واتهامه بأنه إرهابي ومنع الجماهير من حضور المباريات، أو بقتلهم كما حدث بمجزرتي ستادي بورسعيد والدفاع الجوي".
 
واعتبر سعد، أن السيسي بصرفه مبلغ مليون ونصف المليون جنيه لكل لاعب، أراد القفز فوق هذا الإنجاز بقرار أغضب المصريين ويتنافى مع تصريحات سابقة السيسي بأن المصريين "فقرا أوي"، مضيفا: "ولو أراد دعم الفريق بالفعل لحضر المباراة، أو وعد بصرف مكافأت كبيرة في حالة التأهل، لكنه لم يفعل".
 
وأكد الناقد المصري أنه "لا خلاف على أن مكافآت مالية بهذه الأرقام من شأنها أن تجعل اللاعبين يعلنون ولاءهم لهذا النظام رغم علمهم اليقيني بجرائمه".
 
وقال إن بعضا من لاعبي الكرة بمصر "موالون لنظام حسني مبارك ومن بعده لنظام لسيسي".
 
وختم سعد، بقوله إن "فصل السياسة عن الرياضة؛ أمر يصعب تحقيقه ليس فقط مع سلطة ديكتاتورية وإنما مع السلطات الديمقراطية أيضا"، مؤكدا أن "كل الأنظمة تقريبا تسعى لتوظيف الإنجازات الرياضية لأغراض سياسية، لكن الفرق أن الأولى تستغلها لتغطية فشلها، والثانية تستخدمها لتوسيع قاعدتها الجماهيرية".
 
المتاجرة وإحكام السيطرة

من جانبه، يرى الإعلامي السوري ياسر الحلاق، أن "جميع الأنظمة الديكتاتورية ومنذ لحظة استلامها مقاليد الحكم في بلادها تشرع في إحكام السيطرة على جميع المؤسسات والتنظيمات وخاصة الجماهيرية منها".
 
وأضاف لـ"عربي21": "لذلك نجد المؤسسة الرياضية تكون عادة من أولويات تلك السلطة التي سرعان ما تتاجر بأي إنجاز رياضي وتنسبه لقيادتها أو لقائدها بعد أن تتمكن من السيطرة على مفاصل هذه المؤسسة إما من خلال أذرعها الأمنية أو عن طريق القبض على مصادر تمويلها".
 
وأكد الحلاق أنه "يستحيل فصل مسار الرياضة عن الحياة السياسية في تلك الدول بل يمكن القول حتى أنها جزء لا يتجزأ من المنظومة الحاكمة".
 
وحول استغلال النظام السوري للرياضة قال الحلاق: "لقد أخضع النظام السوري المؤسسة الرياضية منذ سيطرته على مقاليد الحكم فيها لحزبه السياسي (حزب البعث العربي الاشتراكي) ليستطيع من خلال ذلك السيطرة على جميع مفاصل هذه المؤسسة ويصبح اختيار رئيس الاتحاد أو النادي مبنيا على قرار القيادة القطرية للحزب التي تختار عادة تعيين أكثرهم ولاء لها حتى ولو كان لا يفقه شيئا في أصول العمل الرياضي".
التعليقات (1)
علي
الخميس، 12-10-2017 09:39 م
المقال يتضمن تعبيرا واقعيا عن انتهازية واضحة لاستغلال الرياضة وجعلها واجهة تغطي مساوىء وجرائم واضحة لدى الشعوب .