كتاب عربي 21

عن الكرد وغيرهم من المهمشين (2)

جعفر عباس
1300x600
1300x600
من حق أكراد العراق المطالبة بتقرير المصير: اتحادا مع العراق أو انفصالا، ولكن كافة الدول المحيطة بإقليمهم تعارض قيام دولتهم المستقلة، ليس استخفافا بقدرهم وشأنهم، ولكن خوفا من انتقال عدوى المطالبة بالانفصال، إلى الأقليات الكردية في الدول المجاورة، وعلى وجه الخصوص: تركيا وإيران، حيث حمل الكرد السلاح لسنوات، كما فعل بنو جلدتهم في العراق في وجه السلطتين المركزيتين في البلدين.

ورغم أن ميثاق الأمم المتحدة يقر حق الشعوب في تقرير المصير (والكرد شعب، وليسوا قبيلة)، إلا أن الدول المهيمنة على المنظمة الدولية (الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوربيون) أعلنوها صريحة بأنهم لن يعترفوا بالدولة الكردية المستقلة، في الجزء الشمالي من العراق، ولم يكن ذلك حبا في العراق، ولكن خوفا وكرها لتنظيم الدولة الإسلامية، الذي ظل الجيش العراقي عاجزا عن استئصاله تماما من عدد من محافظات العراق على مدى ثلاث سنوات.

أي أن الدول الغربية لا تريد للعراق أن ينشغل بمعركة كبرى مع  البيشمركة الكردية ذات البأس الشديد، قبل تصفية تنظيم الدولة، وإذا تلاشى خطر التنظيم فإن الغرب سيضم الدولة الكردية التي يصبو إليها مسعود البارزاني ومشايعوه إلى حضنه بنفس درجة الحنان التي يحتضن بها إسرائيل! ألَمْ تكن الولايات المتحدة من أعطى كرد العراق خصوصية الإقليم ذاتي الحكم لسنوات طوال قبل سقوط نظام صدام حسين ومنحهم بالتالي كل أسباب القوة والاستقرار بعيدا عن العراق الذي تسببت نفس تلك الولايات المتحدة في تصدعه الحالي (والمستقبلي)؟

وكما أن الوجود الأمريكي في أفغانستان كان النار التي أوقدت شعلة تنظيم القاعدة، فإن الوجود الأمريكي في العراق، خاصة على عهد المندوب السامي الأمريكي في بغداد، بول بريمر، ووزير الدفاع الأمريكي الأسبق الأرعن المتغطرس دونالد رمسفلد، أعطى ذريعة لجماعة أكثر تطرفا من القاعدة، سرعان ما وجدت طروحاتها بأن تكون ترياقا مضادا للاستعمار والاستحمار الأمريكي قبولا واسعا فكانت داعش = تنظيم الدولة الإسلامية.

بعد أن صوت غالبية كرد العراق لصالح الاستقلال بأيام، حذا الكتالونيون في إسبانيا حذوهم وصوتوا لصالح الاستقلال، وانهال عليهم الوعيد بالحصار من إسبانيا ودول الجوار، ولكن ليس بنفس حدة الوعيد الذي تم توجيهه لكرد العراق.

وقبلها ظل الكاثوليك في ايرلندا الشمالية، يعانون الذل والهوان على ايدي الإنجليز، فحملوا السلاح لسنوات  طوال، ولكن ما من دولة غربية ساندت كفاحهم، لأن بريطانيا جزء من منظومة الأطلسي، ثم ما أن طالب السلوفاك بالانفصال من تشيكوسلوفاكيا، وكان لهم ما أرادوا حتى فازوا بالتبريكات والعطايا من واشنطن ودول الجوار الأوربي، الذين باركوا أيضا تفكك يوغسلافيا إلى دويلات، بعضها يحمل أسماء لا يتسع لها الأطلس.

ذلك لأن تفكك دول أوربا الشرقي،ة التي كانت في الحلف المضاد للمعسكر الغربي، كان أمرا مرغوبا فيه، ولهذا هلل الغرب لتفكك الاتحاد السوفييتي، وقيام دويلات بدون دراسة جدوى، سرعان ما اضطرت إلى الاستظلال بواشنطن.

وحدث نفس الشيء بالنسبة لجنوب السودان، الذي هندست الولايات المتحدة ورعت انفصاله عن الوطن الأم، بزعم أن سكانه مسيحيون يعانون من اضطهاد نظام "إسلامي"، وما كان الحكم في الخرطوم إسلاميا يوما ما، وليس هو الآن كذلك، ولكنه يركب الموجة كما العديد من الدول العربية، ويزعم أنه في حالة حرب مع إسرائيل، وتطاولت الحكومة السودانية الحالية على واشنطن في تسعينات القرن الماضي وهددتها بالدمار وتصفير الدولار، ثم ظلت تلحس كل ذلك الكلام  خلال السنوات الأخيرة، وهي تأمل أن يرفع الرئيس ترامب غضبه عنها، ليس حبا فيها، ولكن نكاية بسلفه باراك أوباما الذي وعد السودان برفع العقوبات عنه.

والدولة التي قامت في جنوب السودان، تم تصنيفها على أنها "ما قبل الفاشلة"، أي تحتاج إلى نحو ربع قرن لتصبح فاشلة ثم تحاول النجاح، وفي ضوء ردود الأفعال على استفتاء كردستان العراق، فلو ركب رئيس الإقليم مسعود البارزاني رأسه وأعلن الاستقلال "من طرف واحد"، فإنه، ورغم امتلاك الإقليم لثروات طبيعية مستغلة سلفا ولجيش كفء، فإنها ستكون دولة خديجا، لن تجد مكانا في "العناية الفائقة" لتواصل النمو والحياة.

ولكن وفي ظل حكومة طائفية في بغداد، لم تكتف بتهميش السنيين، بل همشت حتى القوات المسلحة، وخلقت جيشا طائفيا متفلتا باسم الحشد الشعبي، فالعراق مقبل على مرحلة من الانقسامات، ستجعل المجتمع الدولي يقبل في تاريخ لاحق قيام كيان خاص بالأكراد، واعتقد أن الصيغة المرتقبة والمحتملة لتفكيك العراق في ظل العقلية الحاكمة اليوم، هي تحويله إلى دولة كونفدرالية، أي اتحاد دائم لدول ذات سيادة بموجب معاهدة أو دستور مشترك، ينص على كيفية التعامل مع قضايا الدفاع والشؤون الخارجية والعملة المشتركة، في ظل حكومة مركزية ذات طبيعة إشرافية/ تنسيقية.
1
التعليقات (1)
ابو ايمان
السبت، 14-10-2017 11:46 م
الاخ الاستاذ الكريم، بنمطق ان كل مجموعة او طائفة او عرق مهمش ، ممكن تجزئة الوطن العربي الى 100 جزء. ففي العراق السنة مهمشين والاقلية النصرانية مهمشين وقسم من الشيعة مهمشين والايزيدين مهمشين وهلما حرا ، وينطبق هذا على جميع الدول العربية . الحل ليس بالتقسيم وانما اعطاء الحقوق الثقاقية والسياسية ونشر الديمقراطية . قد يكون ماتتوقع بان الكرد سينالون استقلالهم بعد القضاء داعش بمباركة غربية وتحت ضغط اللوبي الصهيوني ولكن ماهو الثمن ، المزيد من القتل والفوضى والدمار التي سوف يدفعها الابرياء والناس البسطاء فلا تركيا ولا ايران ولا شيعة العراق سوف يسمحون بذلك ولا اظن كركوك سوف تبقى على الارض هي ونفطها نتيجة الحرب القادمة .

خبر عاجل