قضايا وآراء

حماس توقّع شيكات على بياض

أواب المصري
1300x600
1300x600
لم تكد تنتهي حركة حماس من إجراء انتخاباتها الداخلية حتى بدأت تيمّم وجهها قِبل المصالحة الفلسطينية في مسعى حثيث لإنهاء الانقسام ورفع الحصار المفروض على قطاع غزة. وفي سبيل تأكيد هذا التوجّه، أقدمت الحركة على تقديم تنازلات غير مسبوقة، كان أبرزها حلّ اللجنة الإدارية في القطاع وترحيب حار بزيارة رئيس حكومة رام الله لتسلم زمام أمور القطاع.

إلى جانب التنازل، اتّسم خطاب قيادات حماس بإيجابية لا سقف لها، توّجها قائد حماس إسماعيل هنية حين قال إن الحركة تريد تحقيق المصالحة "بأي ثمن". جاء ذلك في مقابلة صحفية أجراها هنية مع إعلامية مصرية اعتاد عليها أبناء حماس وهي تكيل الشتائم والاتهامات للحركة.

ووصل الإصرار الحمساوي حدّ تهديد قائد الحركة في غزة يحيى السنوار بأنه سيقوم "بكسر عنق كل من لا يريد المصالحة"، سواء كان من أبناء حماس أو من غيرها (!!).

الواضح هو أن التوجّه نحو المصالحة وإنهاء الانقسام قرار اتُخذ ويريد أصحابه السير به حتى النهاية. لكن الواضح كذلك هو أن من اتخذ هذا القرار لم يتكبد عناء تهيئة ساحته وجماهيره ومناصريه لقبوله، بدليل أنه شكل مفاجأة لكثيرين داخل صفوف الحركة وبين محبيها.

مواقف المسؤولين في السلطة الفلسطينية وحركة فتح تحرص في كل مناسبة على التصريح والتلميح بأن التقدم الحاصل في ملف المصالحة يعود إلى رضوخ حماس لشروطهم، ووصلت العنجهية بمحمود عباس حد المفاخرة بأن التضييق المالي الذي فرضه على غزة هو الذي دفع حماس للتنازل. 

وبما أننا نتحدث عن عباس، من المناسب بما يكرره في كل مناسبة، من أنه لن يكون في غزة إلا سلطة واحدة وسلاح واحد هو سلاح حكومة الوفاق. هنا نتساءل: هل هذا يعني أن حركة حماس مستعدة لتسليم سلاحها وحلّ كتائب عزالدين القسام بما أنها مستعدة لتقديم "أي ثمن"؟!.

قناعة قيادة حماس بأهمية المصالحة والسعي لتحقيقها جعلها تهمل شكليات ربما لم يكن من الحكمة تجاوزها. فسِمة التواضع التي يتحلى بها قادة الحركة ربما تُفهم من الآخرين على غير محملها. فلماذا يكون قائد الحركة الأول هو من يستقبل رئيس حكومة السلطة رامي الحمد الله عند وصوله إلى غزة، ويجلس إلى جانبه في اجتماع الفصائل الفلسطينية؟ 

إسماعيل هنية هو رئيس المكتب السياسي لأكبر حركة مقاومة شعبية، ومن يناظره هو رئيس السلطة فقط. بل إننا إذا رجعنا لأرقام آخر انتخابات تشريعية شهدتها الأراضي الفلسطينية فإن حماس التي يقودها هنية حازت على ثلثي أصوات الشعب الفلسطيني، وهي شكّلت أكبر كتلة في المجلس التشريعي، وهي بالتالي الأوسع تمثيلاً للفلسطينيين من أي حركة أو سلطة أخرى. وعليه فإن تمثيل هنية للشعب الفلسطيني أوسع من تمثيل محمود عباس نفسه، فكيف برامي الحمد الله الذي عيّنه عباس(؟!).

أمر آخر لابد من الإشارة إليه، وهو الودّ المستجد بين حماس ومصر. فمن المعروف أن مصر مارست حصاراً على قطاع غزة زاد قسوة من حصار "إسرائيل". فهي دمرت الأنفاق التي كانت تشكل رئة القطاع، وأغلقت معبر رفح، وتعتقل أفراداً من حماس. رغم كل ذلك حرصت حماس على عدم قطع العلاقة مع النظام المصري الذي يرعى المصالحة الفلسطينية حالياً. لكن فارق كبير بين الحرص على العلاقة جلباً للمصلحة ودرءاً للمفسدة، وبين أن يُكال المديح للنظام المصري.

أنا هنا لا أتحدث من زاوية أن هذا النظام قتل المئات من أفراد الإخوان المسلمين ويعتقل الآلاف ويحاكم العشرات بتهمة التخابر مع حركة حماس (الإرهابية في القاموس المصري). ولا أتحدث كذلك عن أن النظام المصري هو أحد المشاركين في حصار دولة قطر التي تعد الداعم الأول لأبناء قطاع غزة، التي ساعدت الفلسطينيين في الوقت الذي تخلى عنهم الجميع. بل أتحدث من زاوية المصلحة الفلسطينية، فرعاية المخابرات المصرية بعد طول عداء يجب أن يتم التعامل معه بحكمة وحرص، فلا يتم تقديم شيكات على بياض، كأن تُرفع صورة عبد الفتاح السيسي في شوارع غزة، أو يتم الترحيب والتهليل بإعلاميي النظام الذين طالما جاهروا بعدائهم لحماس وللشعب الفلسطيني. 

ربما تكون التنازلات التي قدمتها حماس للوصول إلى المصالحة وإنهاء الانقسام الداخلي هو الخيار السليم والأصلح للشعب الفلسطيني. لكن في العمل السياسي والشعبي لا يكفي أن يكون الخيار صحيحاً، المهم إقناع القاعدة بهذه الخيارات، فتساندك وتؤيدك وتمشي إلى جانبك وتدافع معك عن خياراتك.

0
التعليقات (0)

خبر عاجل