قضايا وآراء

هل تُفعِّلُ مدريد المادةَ 155 من الدستور؟

امحمد مالكي
1300x600
1300x600
تنتهي يومه الاثنين 16 أكتوبر/ تشرين الأول 2017 المُهلةُ التي منحتها الحكومة المركزية في مدريد لمنطقة كتالونيا للتراجع عن مشروع الانفصال والإعلان النهائي عن الاستقلال، وغير ذلك ستكون أمام المملكة الإسبانية خيارات كثيرة، لعل أولها ما تسمح به أحكام الدستور الديمقراطي لعام 1978، وفي صدارتها المادة 155، التي تُعطي للدولة المركزية صلاحية اللجوء إلى بعض الإجراءات التي من شأنها ثني إرادة مناطق الحكم المستقلة على الانفصال، والخروج عن الإطار الدستوري والمؤسساتي المتوافق عليه في نص الوثيقة الدستورية.

تُجمع مجمل الأدبيات الدستورية والسياسية التي واكبت سيرورةَ الانتقال الديمقراطي في شبه الجزيرة الأيبيرية، وبعدها في الكثير من مناطق العالم، على فُرادة التجربة الإسبانية، وإستراتيجية التوافقات التي قادت نخبَها وفاعليها السياسيين والاجتماعيين إلى إعادة المؤسسة الملكية، وطي صفحة الماضي، والنظر إلى مستقبل بناء إسبانيا ما بعد موت  الجنرال فرانكو" (1975). والواقع أن ما ميّزَ الدستور الديمقراطي الإسباني لعام 1978، تكريسه مبدأ "الحكم الذاتي" الموسع، بإعطاء مناطق الحكم المستقلة السبعة عشرة اختصاصات واسعة لتدبير شؤونها المحلية، وفي الآن معاً شدد على الوحدة الوطنية لإسبانيا، وأحاطها بضمانات دستورية وقانونية للاستمرار قوية ومتماسكة، والأكثر من ذلك تضمنت أحكامه صيغا وتعابير عميقة الدلالة من زاوية التوفيق بين الجهوية الموسعة والوحدة الوطنية الإسبانية، من قبيل إشارته الصريحة إلى "الوحدة الأبدية للأمة الإسبانية"، و"الوطن المشترك الذي لا يتجزأ لكافة الأسبان". لذلك، أقرت المحكمة الدستورية بعدم شرعية الاستفتاء على الانفصال، وشددت على ضرورة احترام أحكام الدستور ذات العلاقة.

لننظر في ما قضت به المادة 155 من الدستور الإسباني لعام 1978، ونتساءل بعدها عن الخطوات الممكن الإقدام عليها، والبدائل المتاحة أمام السلطة المركزية في مدريد، وإقليم كاتالونيا على حد سواء.

نصت الفقرة الأولى من المادة أعلاه، على الآتي: "إذا لم تمتثل أية مقاطعة من المقاطعات التي تتمتع بحكم ذاتي للدستور أو القوانين، أوانتهكت بشكل خطير المصلحة العليا للدولة الإسبانية، فإن على الحكومة المركزية استدعاء حاكم المقاطعة، وإذا لم يحضر، ومع الحصول على أغلبية من مجلس الشيوخ، يمكن اتخاذ الإجراءات اللازمة، من أجل إجبار المقاطعة على احترام التزاماتها، حمايةً المصلحة العامة للبلاد". 

يُفهم من منطوق المادة 155 أعلاه، أن للسلطة المركزية حقّاً دستورياً لفرض احترام الالتزامات المتضمنة في نص الوثيقة الدستورية، وفي مقدمتها  الالتزام بـ"الوحدة الوطنية"، أي بقاء إسبانيا أمة واحدة، وقد أشارت المادة إلى ما يجب القيام به في حالة عدم وفاء المناطق المستقلة بالالتزامات التي يفرضها الدستور والقوانين، أو في حالة ما إذا صدرت عنها ممارسات من شأنها الإضرار بالصالح العام لإسبانيا. بيد أن المادة 155 وإن خولت الحكومة المركزية حق التدخل لإرجاع الأمور إلى وضعها الطبيعي، والحالة هنا إيقاف قرار الانفصال بعدم الاعتراف بنتائج استفتاء فاتح أكتوبر/ تشرين الأول 2017، والدفع بقادة حكومة إقليم كتالونيا بإلغائه، فإنها لم تحدد على سبيل التدقيق في نوعية "الإجراءات اللازمة"، المنصوص عليها، الأمر الذي دفع بالكثير من الباحثين والمهتمين إلى تصور العديد من الآليات الممكن إدراجها ضمن الإجراءات المشار إليها في المادة 155، كما حفّز آخرين، تجاوزاً للغموض الناجم عن عدم تدقيق المادة المذكورة المقصود بـ"الإجراءات اللازمة".

يمكن على سبيل المثال، قراءة هذه المادة، وتأويل ما قضت به بشكل يسمح للحكومة المركزية بوضع يدها كليا أو جزئيا على إقليم كتالونيا. فهكذا، قد تتولى حكومة مدريد "تسلم إدارة الهيئات السياسية والإدارية للإقليم أو المنطقة الراغبة في الانفصال والحالة هنا كتالونيا"، وهو ما يُفضي بالنتيجة إلى تعليق الاستقلال المستفتى حوله في الأول من هذا الشهر. كما يمكن للسلطة المركزية "استبدال أو إقالة موظفين حكوميين ونواب، أو حتى استبدال رئيس كتالونيا، بممثل الحكومة الاسبانية في الإقليم"، وفي مستوى ثالث، يمكن أن "تتولى الحكومة المركزية مهاما موكلة إلى إقليم كتالونيا، من قبيل النظام العام والخدمات العامة"، وفي أقل الإجراءات يمكن إعلان "حال الطوارئ"، أو "حالة الاستثناء"، أو حتى "حالة الحصار" على الإقليم.. والواقع قائمة ما يمكن ادراجه ضمن ما أسمتها المادة 155 "الإجراءات اللازمة" طويلة.. لكن السؤال الكبير هل تستطيع إسبانيا الأقدام على هذه الإجراءات؟ وما هو ميزان الربح والخسارة في مثل هذه المعادلة؟

لا نظن أن إسبانيا مقبلة على مثل هذه الإجراءات تفعيلاً للمادة 155 من دستورها التوافقي، وإن أقدمت على ذلك، وهو ما نستبعده، فستقوم بقفزة في المجهول، وستساهم في تعقيد المشكل أكثر من المساهمة في حله. لذلك، هناك بالمقابل، صيغ مرنة وناجعة لتطبيق هذه المادة في حال اللجوء لى تفعيلها. ويمكننا أن نتصور في هذا الصدد أن يقع تمديد المهلة المعطاة  لإقليم  كتالونيا، مما يُيسِّر شروطَ الحوار وينضج  إمكانياته. كما يمكن أن تقوي مدريد ضغطها الاقتصادي على الإقليم الراغب في الانفصال، لاسيما إذا عرفنا أن عددا مهما من الشركات ووحدات الإنتاج أوقفت نشاطها في الإقليم، وأن مجموعات بنكية بالغة الأهمية بصدد الإقدام على الإجراءات نفسها، دون نسيان الضغط الأوروبي المباشر وغير المباشر، لأن نجاح الانفصال في كتالونيا سيفتح أبواب التفكك في العديد من الدول الأوروبية المجاورة. ففي الخلاصة ليس أمام الحكومة المركزية في مدريد سوى التشجيع على الحوار ثم الحوار، هو طريق سالك، بُغية معالجة أعقد وأخطر مشكل في تاريخها الحديث.
التعليقات (0)