صحافة دولية

تسايت: ما الثمن الذي دفعته "الرقة" لطرد تنظيم الدولة؟

الأمم المتحدة أعلنت أنها تعتزم التمركز داخل المدينة في أقرب وقت، بغية توفير الدعم لنحو 300 ألف مدني- جيتي
الأمم المتحدة أعلنت أنها تعتزم التمركز داخل المدينة في أقرب وقت، بغية توفير الدعم لنحو 300 ألف مدني- جيتي
نشرت صحيفة "تسايت" الألمانية تقريرا، تطرقت من خلاله إلى الأوضاع في مدينة الرقة، عقب طرد مقاتلي تنظيم الدولة منها، معتبرة أن قوات التحالف التي ترفع شعار مكافحة الإرهاب؛ تسبب في أضرار كبيرة في المدينة.

وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن تنظيم الدولة خسر مدينة الرقة التي كان يتخذها عاصمة له في سوريا. وقد بات مقاتلو قوات سوريا الديمقراطية، المدعومة من قبل الولايات المتحدة، متمركزين في ساحة النعيم، المكان الذي كان تنظيم الدولة يستعرض فيه رؤوس ضحاياه الذين تم إعدامهم.

أما المواطنون الذين كان من المفترض أن يكونوا في المدينة في هذه اللحظة التاريخية من أجل الاحتفال بتحريرها، فقد هربوا من هول المعارك الدائرة، ولا أحد يعلم متى سيتمكنون من العودة في ظل الدمار الكبير الذي لحق منازلهم.

واعتبرت الصحيفة أن هذه المفارقة تلخص المعضلة التي تعيشها مدينة الرقة. فمن جهة، تتواتر مشاعر الارتياح والترحيب بطرد مقاتلي تنظيم الدولة، الذين كانوا يعتمدون استراتيجية إرهابية تجمع بين عنف عصابات المخدرات المكسيكية، ورعب أفلام هوليود. ومن جهة أخرى، ينتاب الجميع قلق كبير بشأن ثمن تحرير مدينة الرقة، في ظل صعوبة إعادة إعمارها نظرا للدمار الهائل الذي لحق بمختلف أجزائها، وسقوط عدد كبير من المدنيين في خضم هذه العمليات.

ورجحت الصحيفة أنه في أفضل الحالات، ينبغي ضخ الأموال والموارد نفسها التي تم اعتمادها في إطار هذه الحرب ضد الإرهاب، واستثمارها مجددا من أجل إعادة مدينة الرقة إلى سالف عهدها.

 ولا بد أن يتم توجيه هذا الدعم لهياكل حكم محلية، على غرار تلك التي ثارت في السابق ضد نظام بشار الأسد، ثم تعرضت للابتزاز وسوء التصرف من قبل بعض الفصائل المعارضة، قبل أن تقع في النهاية في قبضة تنظيم الدولة.

وقالت إن هناك بالفعل موارد عديدة متوفرة لإصلاح ما أفسدته الحرب، حيث تتمتع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بالقدرة على تأمين التمويل الكافي لإعادة إعمار المدينة.

وقد أعلنت الأمم المتحدة أنها تعتزم التمركز داخل مدينة الرقة في أقرب وقت، بغية توفير الدعم لنحو 300 ألف مدني يعيشون في ظروف مزرية في مخيمات على مشارف المدينة، منذ أشهر أو سنوات.

اقرأ أيضا : فورين بوليسي: لماذا تبقي أمريكا قواتها بعد هزيمة "الدولة"؟

وأشارت الصحيفة إلى أن قوات سوريا الديمقراطية التي تسيطر الآن على الرقة وضواحيها، تهيمن عليها مليشيا كردية تعرف باسم وحدات حماية الشعب الكردي، الذراع السوري لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني. وخلال الحرب السورية، وضعت الوحدات الكردية هدف توسيع المناطق الكردية وإقامة حكم ذاتي نصب عينيها، واعتبرت ذلك أكثر أهمية من تغيير النظام الحاكم. ونتيجة لذلك، فقد المواطنون السوريون العرب ثقتهم بها، حيث باتوا ينظرون إليها بعين الريبة.

وذكرت الصحيفة أنه على غرار مقاتلي البيشمركة الأكراد في شمال العراق، لم تكتف وحدات حماية الشعب الكردي في سوريا بالمشاركة في الحرب ضد تنظيم الدولة، بل انتهزت الفرصة لضم مناطق جديدة تحت سيطرتها. من جهتهم، اتخذ الأكراد في شمال العراق خطوة متهورة لإقامة حدود وإعلان دولة مستقلة، إلا أن هذه المحاولة باءت بفشل ذريع. فقد قامت قوات الجيش العراقي والمليشيات الشيعية المساندة لها بطرد مقاتلي البيشمركة من المناطق الغنية بالنفط، بعد أيام قليلة من إجراء استفتاء على الانفصال، ويبدو أن حلم أكراد العراق بشأن الاستقلال قد تحول إلى سراب.

وقالت الصحيفة إن واشنطن تراقب تطورات الوضع في سوريا بكل حذر. في الأثناء، قد تنظر الولايات المتحدة في إمكانية استخدام قوات سوريا الديمقراطية على اعتبارها حاجزا من أجل التصدي للتوسع الإيراني. وعلى الرغم من أن وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس كان قد نفى هذا الأمر في مؤتمر صحفي منذ أيام، إلا أنه لم يفته أن يشير إلى قلقه إزاء "الأنشطة الإيرانية التي تقوض الاستقرار في المنطقة".

وأوردت الصحيفة أن الموقف الأمريكي يعتبر غامضا، حيث لم يتم إلى حد الآن وضع استراتيجية طويلة المدى بشأن الشرق الأوسط. فعلى الأرجح لا يملك ماتيس أي فكرة على نوايا رئيسه دونالد ترامب، أو ما يعتزم فعله حيال سوريا أو العراق بعد سقوط تنظيم الدولة. من جهة أخرى، تبدو استراتيجية بشار الأسد واضحة وثابتة، كما أنها لم تتغير منذ بداية الحرب الأهلية. وترتكز مخططات الأسد على استخدام كل الوسائل المتاحة من أجل جعل حياة المدنيين خارج مناطق سيطرته بمثابة جحيم.

وتساءلت الصحيفة بشأن قدرة المجلس المدني في الرقة على الشروع في العمل؛ من أجل إعادة النظام وإصلاح ما يمكن إصلاحه في ظل هذه الظروف الصعبة والمعقدة. ففي الواقع، تنتظر المجلس المدني مهام عديدة، من بينها التخلص من كميات ضخمة من الأنقاض والقمامة، وتفكيك القنابل والألغام، ودفن جثث الموتى، فضلا عن توفير مواد الإغاثة والكهرباء والماء، وإعادة فتح المدارس والمخابز، ناهيك عن وضع برامج دراسية كردية وعربية. والأهم من ذلك كله، إنشاء مؤسسات أمنية لحماية المدينة من هجمات تنظيم الدولة والنظام السوري على حد سواء.
التعليقات (0)

خبر عاجل