كتاب عربي 21

حادث الواحات.. مزيد من الأسئلة!

سليم عزوز
1300x600
1300x600

لم تجب عملية تحرير الضابط المختطف في حادث الواحات؛ عن الأسئلة المطروحة، لكنها طرحت المزيد من الأسئلة التي تحتاج إلى إجابات، إن شئت فقل إنها لم تفك طلاسم هذا الحادث، بل أصبح أكثر غموضا بعملية التحرير هذه!

لقد اعتقد "أهل الحكم" أنه بالإفراح البلدي يمكن إغلاق الملف؛ ليخرجوا منتصرين مما جرى. فها هي طائرات الجيش تحلق في الفضاء وتهبط على الأرض، وتضرب أهدافها بكل قوة، ثم تتمكن من تحرير الضابط المختطف، وتذهب به إلى المستشفى. وقد تم إسباغ صفات البطولة عليه، مع إعفائه من ذكر ما حدث، فقد ظهر في حالة مرضية صعبة للغاية، إلى درجة أن عبد الفتاح السيسي يزوره، ويطلب منه بلغة الإشارة ألا يتعب نفسه بالحديث، وظهر فمه مغلقا لضرورات طبية، تمنعه من الكلام أصلا، مع أنهم أعلنوا في البداية أنه أصيب بطلق في قدمه (وليس في فمه)، وأنه كان يخضع للعلاج على أيدي الإرهابيين!

 

 

لم تجب عملية تحرير الضابط المختطف في حادث الواحات؛ عن الأسئلة المطروحة، لكنها طرحت المزيد من الأسئلة التي تحتاج إلى إجابات

 


اللافت، أن والد الضابط، وهو ضابط شرطة متقاعد، لم يكف منذ عملية التحرير عن الكلام لوسائل الإعلام، وعن المواجهة التي تمت بين ابنه "البطل" والتنظيم المسلح، وقد ذكر الابن بطولاته لأبيه، وكيف أنه أشبع عناصر التنظيم شتما، وتحداهم إن كانوا رجالا فعلا أن يضربوه. ولا نعرف ماذا كان يمسك عليهم من زلات كانت تحول دون قتله، وقد قتلوا قبل قليل أكثر من خمسة عشر ضابطا من زملائه، من بينهم من هو أعلى منه رتبة وأكبر سنا؟

لا تثريب على الأب، الذي يريد أن يرتقي بابنه إلى مرتبة "البطل"، فبالغ في المواجهة التي تمت بين نجله والمسلحين. لكن الغريب أنه ينقل الراوية عن نجله "البطل"، والذي ظهر عندما حضر السيسي في وضع من لا يستطيع الكلام أو حتى أن يعتدل في جلسته، ولو من باب المحاولة الفاشلة، تقديرا لشخص القادم لعيادته وفي وجود وزير الداخلية.

 

حضور السيسي هو جزء من استكمال مشهد الفرح؛ الذي يمكن به طي الملف وغلقه بهذا الانتصار


حضور السيسي هو جزء من استكمال مشهد الفرح؛ الذي يمكن به طي الملف وغلقه بهذا الانتصار. فالسيسي يحتفل بانتصاره، في شكل عيادة الضابط المريض، وهو الذي لم يكترث بمن قتلوا، وسافر للعلمين ليحتفل بانتصار قوات الحلفاء على قوات المحور في الحرب العالمية الثانية، في تصرف أكد افتقاده للوعي الوطني. فالمصريون يعلمون أنها ليست حربهم، وعبّر عنهم شيخ الأزهر في أيام هذه الحرب؛ بإعلانه أنه لا ناقة لمصر فيها ولا جمل، فلم تكن تشارك مصر فيها إلا لكونها بلدا واقعة تحت الاحتلال الإنجليزي. ثم، وهذا هو المفيد، فإن الحرب امتدت في الفترة من 23 تشرين الأول/ أكتوبر إلى 11 تشرين الثاني/ نوفمبر 1942، وإذا رأى السيسي أنه جزء من الانتصار الذي حدث على قوات المحور بقيادة روميل، فقد كان أمامه فترة ممتدة للاحتفال لم تنته إلى الآن، فلم يكن هناك مبرر للاحتفال في صبيحة يوم مذبحة مجموعة من أكفأ ضباط الشرطة!

والذي "زاد وغطى"، أنه لم يشأ أن يؤجل زيارته إلى فرنسا، والمذبحة لم تتضح معالمها، والقلق يلف بيوت ضباط الشرطة، فسافر في اليوم التالي إلى باريس في موكب من طائرات الرافال!

وعندما يتعامل بهذا "البرود" مع ضباط قتلى، ثم ينفر ليلا للمستشفى لعيادة الضابط المختطف، فالأمر لا يمكن قبوله إلا في إطار فرح العمدة المنصوب ليتجاوز، بالصخب، الإجابة عن الأسئلة الجديدة والقديمة، قبل معركة التحرير وبعدها!

 

لم نسمع الرواية رسمية عن هذا الحادث، فقد ترك الأمر للجانه الإلكترونية لتعزف على الربابة عن الموقعة العظيمة؛ التي انتهت بتحرير الضابط "البطل" وقتل جميع الإرهابيين


والغريب، أننا إلى الآن لم نسمع الرواية رسمية عن هذا الحادث، فقد ترك الأمر للجانه الإلكترونية لتعزف على الربابة عن الموقعة العظيمة؛ التي انتهت بتحرير الضابط "البطل" وقتل جميع الإرهابيين، وقد اختزلوا المعركة في اختطاف الضابط، أما وقد تم تحريره، فقد انتهى الأمر بسلام. وإذ دعوت أحد عناصر اللجان الإلكترونية لأن يطلب من المسؤولين، وقد أعلن أنهم يستجيبوا له، أن يتحفونا بالرواية الرسمية، فتحدث عن الإخوان الذين هم في حزن مقيم لهذا الانتصار المؤزر لقوات الجيش.. حسنا فأنا المرشد!

وكما اختفت الرواية الرسمية لحادث الواحات، اختفت الرواية الرسمية لعملية التحرير. وقد دخلت على صفحة المتحدث العسكري، فلم أجد على النار هدى. لكن اللجان الإلكترونية تتحدث عن تفاصيل العملية وتعقيداتها، واللحظة التاريخية التي تمثلت في الهجوم على أفراد التنظيم؛ فتم قتلهم جميعا!

لقد راعني في فيديوهات الهجوم أن أرض المعركة مستوية وعلى "مدد الشوف"، وتملكني سؤالان: الأول، لماذا لم يتم تسكينها، أو زراعتها، ما دامت صحراء مصر صارت مأوى للإرهابيين؟ ولماذا الإصرار على وضع الجيش يده عليها، انتظارا للمشتري الخليجي الذي قد لا يأتي؛ لعدم الاستقرار السياسي الذي تعيشه مصر؟ أما السؤال الثاني، فكان عن الجبال والكهوف التي يختبئ فيها الإرهابيون، والتي جعلت من الوقوف على وجودهم في السابق عملية صعبة للغاية، وأن الجبال الوعرة كانت وراء قيامهم بمذبحتهم ضد قوة الشرطة، وحالت دون الدفع السريع بقوات للمواجهة ونقل المصابين والشهداء! وهذه الجبال وتلك الكهوف لم تظهرها فيديوهات النصر!

ونحن نتابع هذه العملية العسكرية (المعقدة)، لا يمكننا أن ننسى أن 12 مواطنا قامت الشرطة قبل ذلك بتصفيتهم، وأعلنت أنهم من ارتكبوا حادث الواحات، وما جرى يؤكد أن تصفيتهم جريمة قامت بها سلطة أوغلت في الدماء، ولم يعد يرويها كل الدماء التي سالت منذ انقلاب العسكر في حزيران/ يونيو المشؤوم!

 

السؤال المهم هو: لماذا يتم الإقدام على الأسلوب السهل، وهو قتل المشتبه فيهم جميعا، ونحن نعلم أن الاحتراف ليس في القتل، ولكن في القبض على الجاني حيا


وفي كل عملية تصفية، فإن السؤال المهم هو: لماذا يتم الإقدام على الأسلوب السهل، وهو قتل المشتبه فيهم جميعا، ونحن نعلم أن الاحتراف ليس في القتل، ولكن في القبض على الجاني حيا، ولو عن طريق إصابته لكي تتمكن منه القوات، وليستخدم الأحياء منهم في سبر أغوار هذا التنظيم، ومعرفة التفاصيل اللازمة لمواجهته، والوقوف على عناصره وقياداته وأفكاره؟

أفليس غريبا - يا قراء - أن التنظيم الإرهابي عندما واجه قوة الشرطة؛ فإنه تعامل معها باحترافية، وبعد أن أربكها بالمواجهة المفاجئة، انطلق يتعامل معهم بدم بارد، وحرص على اختطاف أحد أفراد هذه الفرقة، مع أنه يواجه قوة أمنية محترفة، وهو الاحتراف الذي تفتقده القوة النظامية، فقتلت كل المجموعة بدلا من أن تسيطر عليها؟!

اللجان الإلكترونية، فقهاء استراتيجات الحرب الذين توصلوا إلى أن التحرير كان عملية عسكرية معقدة للغاية، قالوا إن قوات الجيش استطاعت أن تميز السيارة التي يوجد فيها الضابط "الحايس"، ومن ثم فقد أبادوا السيارات الأخرى التي يرابط فيها المسلحون. وهذا يطرح سؤالا: وهل كان الضابط في السيارة بمفرده؟.. ولماذا تم تدمير السيارات الأخرى والإبقاء على سيارة منها للفوز بغنيمة يمكن من خلالها الوصول إلى حقيقة هذا التنظيم!

 

المقلق للغاية أنه إلى الآن لم يعلن أي تنظيم مسؤوليته عن الحادث


المقلق للغاية أنه إلى الآن لم يعلن أي تنظيم مسؤوليته عن الحادث، وإذا استبعدنا بالتالي أن يكون تنظيم داعش هو من فعلها، فهل يعقل أن التنظيمات الأخرى لم تعلن؟.. والعمليات المسلحة تستكمل أهدافها لدى هذه التنظيمات بعملية الإعلان، وقد قرأنا عن عمليات سابقة أعلن أكثر من تنظيم عن ارتكابه لها.. فلماذا هنا صمتت التنظيمات الإرهابية؟

"داعش" قد تحضر الكاميرا في عملياتها وتنسى السلاح، لكن التنظيمات الأخرى وإن لم تكن مشغولة بالدعاية مثل "داعش"، فإن الإعلان هو جزء من الأداء، لا سيما إذا كانت العملية كبيرة، وتعد أكبر عملية إرهابية منذ حادث الأقصر في منتصف التسعينيات!

وإذا كان الحادث طرح سؤالا عن أسباب قيام الشرطة وحدها بالعملية الأولى، والصحراء هي المجال الحيوي للجيش، فإن حرب التحرير طرحت سؤالا آخر، وهو: لماذا كانت عملية التحرير خاصة بالجيش فقط، والشرطة بحاجة إلى أن ترد اعتبارها ولو في المشاركة في تحرير ضابطها؟

وهناك ملاحظة، تبدو لا لزوم لها، فقد ذهبوا بالضابط المختطف للعلاج في أحد مستشفيات القوات المسلحة، في حين أن الشرطة لها مستشفياتها، ومستشفى العجوزة بالذات مجهز على أعلى مستوى، ويعالج فيه الوزير وكبار قيادات وزارة الداخلية!

تستطيع سلطة الانقلاب العسكري أن تتجاوز هذه الأسئلة؛ بدفع أحد غلمانها ليعلن أنني اخوان، ويمكن أن أتعالى على الأمر برمته بالقول: إنني المرشد.. لكن تظل هذه الأسئلة بدون إجابات مقلقة للضمير الوطني.

التعليقات (2)
عبيد الله
السبت، 04-11-2017 10:50 ص
حتى أنت يا سيد عزوز سلمت دون مناقشة بأن عدد قتلى الشرطة هم 16 وليس نيف وخمسين أو أكثر كما ذكرت بي بي سي وغيرها بل ذكرت بعض المصادر أسماءهم ورتبهم وصورهم ولم يصدر نفي لفقدان أحد من هؤلاء بالاسم. فضلاً عن أن ما يُسمى بتحرير الضابط المفقود لم يكن سوى تمثيلية. ولماذا لا تقيمون الدنيا ولا تقعدونها لقتل 19 مواطناً بدم بارد بذريعة أنهم من الخاطفين، في حين أنهم من الذين تخفيهم الشرطة الدموية قسرياً ثم تقتلهم عند الحاجة متذرعة بكذبة أنهم ماتوا في اشتباك معها ولا يصاب فرد واحد من أفرادها! كذب في كذب. أرجو الحذر مما ينشره هؤلاء الانقلابيون فهم سفاحون كذابون مضللون أدنى من مرتبة الحيوانات
أبوبكر إمام
الجمعة، 03-11-2017 11:14 م
لقد راودني شك كبير حول تحرير هذا الضابط للوهلة الأولى إذ يستحيل استحواذ الإرهابيين ، كما أسموهم ، على فريسة ثمينة ثم التفريط فيها بهذه السهولة وتعود حية معافاة ، يهلك جميع الإرهابيين ويسلم الضابط فكيف تم ذلك ..؟ فإما أن يكون الجيش قصف جميع سيارات الإرهابيين وهنا لا يسلم الضابط أبدا ، وإما يسلم الضابط ومعه أفراد من الإرهابيين فأين هم ؟ وإذا كانوا قد سلموا من القصف مع الضابط فلماذا لم يقوموا بتصفيته ؟ إن الضابط كان في وضعية يصعب تخليصه منها إلا إذا كان أفراد الجيش جِنّ فاختطفوه من بين الإرهابيين ، وفي مقال الأستاذ سليم ما يثلج الصدر ويجيب عن كثير من الأسئلة ، وإذا قصدنا الهدف دون ازورار قلنا إن فبركة الخبر من طرف الجيش تفتقر إلى نباهة الجيش وفطنته ، إن الجيش الذي لا يعرف كيف يكذب لا يعرف كيف يحارب ، ويشاء الله العليم الحكيم أنه كلما نسج الطاغوت خبرا مفبركا سلط عليه كاشفا محنكا ، ولعل من بين المحنكين سليم عزوز ..