كتاب عربي 21

السَبهان ينتفِض، والحَريري.. هَلا بِالخميس

نزيه الأحدب
1300x600
1300x600
تعب اللبنانيون من حروبهم على أرضهم ومن حروب الآخرين على أرضهم، ومؤخراً من حروبهم على أرض الآخرين. لكن الآخرين لم يتعبوا من استثمار التنوع اللبناني في ملفاتهم الإقليمية، فتارة يكون لبنان ساحة وتارة يكون ملفاً وتارة ورقة، بحسب اختلاف حاجات المتدخلين من إيران إلى سوريا والسعودية، فضلاً عن عواصم القرار الدولي، وقبلهم جميعاً الإحتلال الإسرائيلي الغارق في جرائم ارتكبها وسيرتكبها على الأرجح على ارض لبنان.

ليس من الإنصاف مقارنة تدخل محور الممانعة بقيادة إيران في الشأن اللبناني بالتدخل السعودي، فإيران بنت بإمكانياتها المادية والجيوسياسية جيشاً لحزب الله تحول إلى قوة إقليمية عابرة للحدود وقابضة على قرار السلم والحرب في لبنان، بينما تكتفي السعودية بولاء كتلة المستقبل النيابية (السنية) لها وبتفاهمها ودعمها لبعض القوى المسيحية والدرزية، بدون وجود أي مشروع سياسي خاص بالسعودية في لبنان وهنا تكمن المشكلة.

 فخصوم السعودية في محور إيران لديهم مشروع واضح بإحكام السيطرة على عدد من العواصم العربية، وقد خططوا لذلك عشرات السنين وبذلوا أموالاً طائلة في سبيله، وقدموا الأرواح في حروب مع "إسرائيل" وفي الداخل العربي، وقد بلغ مشروعهم اليوم مرحلة متقدمة وبات يشكل تهديداً لمنطقة الخليج العربي.

في المقابل أنفقت السعودية أضعاف ما بذلته إيران على لبنان لكنه ضاع سُدى مع بضعة أمتار من القماش الأسود يلبسها مقاتلو حزب الله وينزلون بها إلى شوارع بيروت فيغيرون أي معادلة سياسية مضادة لهم، فيما تقف مؤسسات الدولة اللبنانية موقف المتفرج، الذي تعتبره أفضل الخيارات من أجل منع الإنفجار الداخلي الذي لا تريده إيران صلاً في العاصمة اللبنانية التي باتت تشكل بالنسبة لها منطلق قوات النخبة العربية إلى حروب المنطقة، وحديقة خلفية هادئة للصراع الدائر في سوريا، ومنصة إعلامية للقوى الشيعية العربية المهجّرة، ومختبر تفاوضٍ عند الضرورة مع أطراف المنطقة.

فكما أن تيار المستقبل في لبنان يباهي بأنه لا يملك مشروعاً خاصاً للبلد بل يتبنى مشروع قيام الدولة الجامعة، فصار خارج القرار الفعلي لهذه الدولة، كذلك فإن السعودية تعلن ولاءها للنظام الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، علماً أنه نظام بات يعج بالطامحين والمشاريع الكبرى والمصالح المتناقضة.

لقد تسببت المواقف الأخيرة لحزب الله وأمينه العام السيد حسن نصرالله المناهضة للمملكة العربية السعودية بإحراج كبير لحلفاء الأخيرة وفي طليعتهم رئيس الحكومة الإئتلافية التي تضم وزراء من حزب الله سعد الحريري، علماً أن الحريري لم يكن ليقبل بترؤس حكومة شراكة مع حزب الله وآخرين لولا موافقة الرياض، التي تبدو مع بداية عهد ولي العهد الأمير محمد بن سلمان أكثر صلابةً في التعامل مع الملف الإيراني.

من خارج التقاليد الدبلوماسية السعودية المتحفظة، خرج مؤخراً وزير الدولة لشؤون الخليج العربي ثامر السبهان بتغريدات تصعيدية، كان أغربها ما طالب فيه الشعب اللبناني بالتحرك ضد حزب الله مستغرباً ما وصفه بـ "صمت الحكومة اللبنانية والشعب اللبناني تجاه ممارسات مليشيا حزب الله اللبناني" وأضاف في تغريدة أخرى على موقع تويتر "ليس غريباً أن يعلن ويشارك حزب الميليشيا الإرهابي حربه على المملكة بتوجيهات من أرباب الإرهاب العالمي، ولكن الغريب صمت الحكومة والشعب في ذلك".

والسؤال العقلاني يُطرح من بيروت على السبهان، هل عندما كتب تغريداته التي أصر في حديثٍ إعلامي على أنها تمثل السياسة الرسمية للمملكة، هل كان يتذكر كيف سيطر حزب الله على مفاصل الدولة اللبنانية بدءاً من الإمساك بقرار المقاومة وصولاً إلى حيازته الفعلية على حق الفيتو ضد أي مرشح لرئاسات الجمهورية والبرلمان والحكومة؟. وهل كان يتذكر أن المحكمة الدولية تتهم خمسة أعضاء من حزب الله بالمشاركة في اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري وتطلب محاكمتهم فيما أعلن حزب الله منذ اللحظة الأولى عن حمايته لهم؟. وهل يتذكر السبهان أن أكبر تجاوز في مسيرة حزب الله هو مشاركته في الحرب السورية؟ ومع ذلك رضخت بقية الأطراف اللبنانية بمن فيهم أولياء دم الحريري ومناصرو "الثورة السورية" إلى منطق التسوية وجلسوا جميعاً على طاولة واحدة من أجل حقن الدماء وحفظ الاستقرار كما يعلنون.

فلماذا ينتظر الوزير السبهان من اللبنانيين أن يعبثوا باستقرارهم رفضاً لتطاول حزب الله على السعودية، فيما لم يعبثوا به رفضاً لهيمنة حزب الله على كثير من مفاصل السيادة في بلادهم؟.

لو أن إيران طلبت من حزب الله ما يلمّح السبهان إلى أن السعودية ستطلبه دون توضيحه حتى الآن، لنفّذ الحزب رغبات طهران بكل سرور وذلك لسبب جوهري وهو أن التركيبة العقائدية لحزب الله جعلته جزءاً لا يتجزأ من المشروع الإيراني، فيما لا تتبنى السعودية مشروعاً إيديولوجياً يناصره عقائديون، وبالتالي تتحكم المصالح في علاقاتها الخارجية وفي علاقات الخارج بها. 

لذلك ليس من المتوقع أن يستجيب أحد من اللبنانيين لدعوات السبهان بمن فيهم رؤساء الأحزاب المسيحية الحليفة الذين زاروا الرياض مؤخراً، أما الحريري فهو في وضع لا يحسد عليه وفي لحظة لا تجعل منه مواجِهاً بل مدافِعاً في أحسن الأحوال، فهو في شبه إفلاس مالي وفي تراجعٍ ملحوظ بالشعبية داخل خزاناته الإنتخابية. علماً أنه لم يُسجل عليه منذ وراثته خط أبيه السياسي أي جنوح نحو التوتير، بل كان دائماً يميل إلى التهدئة والإستقرار. وما الفيديو الذي انتشر له مؤخراً مع طاقم المضيفين والمضيفات يسألهم ما هو يوم غد فيجيبون بالخميس ويغنّون معاً هلا بالخميس، إلا واحد من أساليب الحريري في التعبير عن حبه للحياة.  

1
التعليقات (1)
أيمن عصمان ليبيا
الأحد، 05-11-2017 02:22 ص
جانبك الصواب أستاذ نزيه هذه المرة ، فالحريري انتفض أيضا وأعلن إستقالته من رئاسة الحكومة