قضايا وآراء

المصالحة الفلسطينية.. حب من طرف واحد!

ماجد أبو دياك
1300x600
1300x600

إذا أردنا تقييم ما جرى في المصالحة الفلسطينية حتى الآن، فيمكن القول إنها لا تزال تراوح مكانها، وأن الآمال المعلقة على نجاحها لا تستند في الواقع إلى معطيات حقيقية، لا سيما أنها تضمنت استلام السلطة الفلسطينية المعابر دون اقتران ذلك بأي تقدم فيما يتعلق باستيعاب الموظفين ورفع العقوبات التي فرضها الرئيس الفلسطيني على قطاع غزة؛ متذرعا بتشكيل حماس للجنة إدارية لتسيير أمور القطاع في ضوء استنكار حكومة عباس عن استلام قطاع غزة من حماس.

 

 

كانت بدايات التطبيق محبطة ومخيبة لآمال الكثيرين، في ضوء إصرار الحكومة على خروج آخر موظف من موظفي حماس من المعابر قبل تسلمها

وقد كانت بدايات التطبيق محبطة ومخيبة لآمال الكثيرين، في ضوء إصرار الحكومة على خروج آخر موظف من موظفي حماس من المعابر قبل تسلمها. وقد أدى هذا المشهد الذي اضطر موظفي المعابر إلى إخراج مكاتبهم وأثاثهم من المعبر؛ إلى حالة من الامتعاض والإحباط في صفوف كوادر حماس الذين فهموا من ذلك أنه لا توجد مصالحة حقيقية، وأن السلطة مصرة على أن تظهر وكأنها انتصرت على حماس واضطرتها للتسليم الكامل بمطالب عباس، فضلا عن التخوف من نية السلطة عدم الإيفاء بما يليها من مطالب في إطار المصالحة، بعد أن تكون حماس تخلت عن إدارة قطاع غزة بدون أن تقبض ثمن ذلك من خلال إطلاق قطار المصالحة.

فرحة لم تكتمل

 لقد سعت حماس للمصالحة بكل قوتها، إلى حد أن قيادة حماس في غزة أطلقت مصطلحات غريبة عن قاموسها في التعامل مع الجماهير وحتى كوادرها، وذلك حينما صرح يحيى السنوار بأنه سيكسر يد كل من يفكر بتعطيل المصالحة!

وقد أحدث هذا التصريح لغطا ورفضا لدى كوادر حماس؛ ضجت به وسائل التواصل الاجتماعي، ولكنه بالفعل عبّر عن توجه استراتيجي للحركة باتجاه المصالحة التي تمثل البيئة الخصبة لحماس للتأثير في الجماهير الفلسطينية، سواء من ناحية التسويق الإعلامي أو النتائج التي ستترتب عليها بالانتخابات التشريعية والرئاسية وانتخابات المجلس الوطني الفلسطيني، حيث تعتقد الحركة أنها قادرة على تحصيل مواقع متقدمة في مؤسسات "م.ت.ف" أو السلطة الفلسطينية.

 

 

لقد سعت حماس للمصالحة بكل قوتها، إلى حد أن قيادة حماس في غزة أطلقت مصطلحات غريبة عن قاموسها في التعامل مع الجماهير وحتى كوادرها

وقد كانت عين قيادة حماس على التخلص من العبء المالي والإداري للسلطة، في ضوء انتكاسة الربيع العربي وتراجع إيران عن الدعم الضخم الذي كانت تزود به المقاومة الفلسطينية؛ لخلافات حول الملف السوري، فيما بقي العرب مستنكفون عن تقديم دعم للمقاومة الفلسطينية، بل وحتى التآمر عليها.

كما سعت حماس إلى الهروب للأمام، لإحباط مخططات السلطة المدعومة من الرباعية العربية (السعودية والإمارات ومصر والأردن) لتثوير الجماهير الغزية على الحركة، واعتبارها سبب الأزمة الاقتصادية الخانقة في غزة.

 

 

سعت حماس إلى الهروب للأمام، لإحباط مخططات السلطة المدعومة من الرباعية العربية (السعودية والإمارات ومصر والأردن) لتثوير الجماهير الغزية على الحركة


ورأت قيادة حماس أن المصالحة يفترض بها أن تشكل درع حماية للمقاومة الفلسطينية ومكاسبها، في ضوء اتفاق مستقبلي على الحقوق الوطنية، وعلى رأسها حق مقاومة الاحتلال وتجريم التنسيق الأمني مع الاحتلال الغاشم.

وخاضت فتح وحماس حوارات صعبة في القاهرة؛ دون التمكن من إنجاز برنامج وطني فلسطيني، مع تأجيل الكثير من القضايا العالقة، والبدء من نقطة استلام حكومة رامي الحمد الله للمعابر الحدودية في غزة مع البدء في فك الحصار على غزة من قبل عباس ومصر، والذي أوصل القطاع لمعدلات غير مسبوقة من البطالة.

جاءت فتح إلى الحوار معتقدة أن حماس أصبحت مطواعة أكثر للواقع، فنجحت (فتح) في تجنب القضايا الحساسة، ورفضت التوافق على برنامج وطني فلسطيني جامع، الأمر الذي جعلها لا تباشر بالمتطلبات التي تخصها في المصالحة.

 

جاءت فتح إلى الحوار معتقدة أن حماس أصبحت مطواعة أكثر للواقع، فنجحت (فتح) في تجنب القضايا الحساسة، ورفضت التوافق على برنامج وطني فلسطيني جامع


مفاوضات التسوية.. والتطبيع

أما الدور المصري، فمن الواضح أنه منحاز للسلطة وفتح، حتى وإن امتدح موقف حماس في مفاوضات المصالحة، إلا أن الأخطر في هذا الموقف هو محاولته تجيير المصالحة لصالح توجهات إقليمية وعربية لاستئناف عملية المفاوضات مع العدو الإسرائيلي، وفق تصور حكومة نتنياهو المتحالفة مع اليمين المتشدد ببدء تطبيع العرب لعلاقاتهم مع إسرائيل، بصرف النظر عن تحقيق التسوية في إطارها الفلسطيني، بما يشكل في النهاية إضعافا للموقف الفلسطيني وتجاوزا لكل المحرمات السابقة للعرب.

ولا شك أن حماس تدرك جيدا هذا المخطط، ولكنها تسعى لحماية برنامجها في المقاومة، والذي لا تتنازل عنه باعتباره ملبيا لتطلعات الفلسطينيين، وحاميا لحقوقهم وثوابتهم.

ومن هذه النقطة، نستطيع أن نتكهن بعدم نجاح المصالحة، وأن مصيرها سيكون كمصير الاتفاقات السابقة.

ففتح تريد أن تتحقق لها السيطرة الكاملة في غزة كما في الضفة، لذلك فهي تردد دائما أنه لا سلاح إلا سلاح السلطة الشرعية، وأنها لن تسمح بتحول حالة حماس في القطاع إلى حالة شبيهة لحزب الله في لبنان!!

 

فتح تريد أن تتحقق لها السيطرة الكاملة في غزة كما في الضفة، لذلك فهي تردد دائما أنه لا سلاح إلا سلاح السلطة الشرعية


وترى حماس أن المقاومة هي شرفها، وسلاحها غير قابل للتفاوض أو أن تمس به السلطة، وأنها وإن أسرعت (أو تسرعت) بالمصالحة، فستبقي يدها على الزناد في فلسطين وستتصدى لأي محاولات لنزع هذا السلاح.

وسمعنا الكثير من التصريحات لمسؤولي حماس تؤكد على هذه النقطة؛ لأن المقاومة هي التي قدمت حماس لقيادة الشعب الفلسطيني.

مصير المصالحة

وفي ضوء ما تم حتى الآن، فلا زالت هناك عقبات كبيرة أمام المصالحة حتى يمكن أن نقول عنها إنها ناجزة.


أولى هذه العقبات، عدم جدية السلطة في التعامل معها. فعباس ضُغط عليه من السيسي لأسباب تحدثنا عنها، وضمن مخطط معلوم قد يفضي أيضا إلى تغيير قيادة السلطة وإدخال محمد دحلان على خطها، أو إلزام عباس بمصالحته، ليعمل بالتالي بديلا عنه في حالة وفاته، وربما قبل ذلك؛ باعتباره مطواعا أكثر للمطالب الإسرائيلية.

وترى السلطة أن حماس لا يمكن أن تستجيب لمطالب الرباعية الدولية (أمريكا - روسيا - الاتحاد الأوروبي - الأمم المتحدة)، والتي تتلخص بالاعتراف بإسرائيل والاتفاقيات الموقعة معها، ونبذ العنف والإرهاب.

كما لا يريد عباس أن تنافسه في الانتخابات حركة قوية ومنظمة ومتمكنة، ولا أن تشاركه في المجلس الوطني بتمثيل قوي، وهذا الموقف الأخير يشترك فيه مع مصر والرباعية العربية.

وقد ظهرت المشاكل في الخطوة الأولى لاستلام المعابر. ففضلا عن إهانة موظفي حماس خلال الاستلام والتسليم، فإن قيادات السلطة بدأت تتحدث عن اتفاقية المعابر المهينة والمذلة، والتي وقعها محمد دحلان مع الإسرائيليين عام 1985، والتي تنص على مرابطة قوة من الاتحاد الأوروبي في معبر رفح، والتنسيق مع إسرائيل في دخول وخروج الناس من المعبر، وإعطاء إسرائيل حق الاعتراض على الدخول والخروج، فضلا عن نصب كاميرات مراقبة يرى الإسرائيليون من خلالها كل ما يجري فيه..

 

العقبات والمشاكل الكبيرة، ستظهر في الخطوات المقبلة، وأهمها نزع سلاح حماس، وإدماج موظفي حماس في المؤسسات، وتشكيل حكومة الوحدة وإجراء الانتخابات

أما العقبات والمشاكل الكبيرة، فستظهر في الخطوات المقبلة، وأهمها نزع سلاح حماس، وهو الأمر المرفوض بشدة من قياداتها وكوادرها، وإدماج موظفي حماس في المؤسسات والوزارات، فضلا عن تشكيل حكومة الوحدة وإجراء الانتخابات في الداخل والخارج.

قد ينظر البعض من حماس بأن القيادة تسرعت وأخطأت بتسليم المعابر دون ربطها بالاستحقاقات لدى السلطة، وهم محقون في ذلك، إلا أن الحركة سعت لحماية نفسها وبرنامجها في ضوء التغييرات المتسارعة في الإقليم، وتحاول فك الحصار عن الغزيين، وتعتمد على ضغط الشارع لإلزام فتح باستكمال المصالحة، وهو أمر قد لا تلتفت له فتح أو تقدره.

وبصرف النظر عن نتيجة المصالحة وإمكانيات نجاحها وفشلها، فإن أعين الفلسطينيين يجب أن تتوجه دائما نحو العدو ومخططاته في الاستيطان والتهويد، وتجاوز أطر التنظيم في الحراك الشعبي المقاوم، كما حصل في هبة الأقصى الأخيرة.

إذا نجحت المصالحة، فإنها ستعزز الاتجاه للبرنامج الوطني ضد الاحتلال، وإذا لم تنجح - وهذا ما أرجحه - فإن البيت الفلسطيني سيبقى متصدعا، ولكنه لن يمنع من الحراك الشعبي للتصدي لمخططات لاحتلال، وهذا هو العنصر الأهم للتفاؤل بأن القضية ستبقى حية ومحركا أساسيا للجوار العربي والمسلم؛ باتجاه سعيه للحرية والديمقراطية التي تشكل البيئة الحاضنة للمقاومة الفلسطينية.

التعليقات (0)

خبر عاجل