صحافة دولية

فورين بوليسي: وسط عملية التطهير السعوديات يواجهن اختبارا صعبا

فورين بوليسي: حصلت النساء على فوائد بتكلفة سياسية واجتماعية عالية- أ ف ب
فورين بوليسي: حصلت النساء على فوائد بتكلفة سياسية واجتماعية عالية- أ ف ب

نشرت مجلة "فورين بوليسي" مقالا للصحافية إليزابيث ديكنسون، تتحدث فيه عن العبء الكبير الذي تواجهه المرأة السعودية؛ بسبب التغيرات الكبيرة المتوقعة لوضع المرأة في المجتمع السعودي.

 

وتقول الكاتبة في مقالها، الذي ترجمته "عربي21"، إن النساء لا يزلن يحتفلن بقرار الملك، الذي سمح للنساء بقيادة السيارات بعد حوالي شهر من القرار، حيث تذكر احتفالا في فندق نسائي في الرياض حضرته أمل الحزاني وصديقاتها، وقالت إنه ربما كان الاحتفال رقم 15 بتلك المناسبة.   

 

وتشير ديكنسون إلى أن الحزاني، وهي أستاذة كيمياء حيوية في جامعة الملك سعود، تشهد مثل هذا الاحتفال كل يوم، فالنساء يجلبن الحلويات كل يوم إلى مكتبها؛ احتفاء بذلك، وجاءت إحدى طالباتها تلبس قميصا كتب عليه "سأقود سيارة". 

 

وتنقل المجلة عن الحزاني، قولها: "لا نزال نعيش ذلك الشعور -وكأن الخبر لا يزال جديدا.. أنا أظن أن هذه هي البداية وليست النهاية، وليست الوسط- لكن بداية المزيد من حقوق المرأة".

 

وتلفت الكاتبة إلى أن السعودية شهدت على مدى الأشهر القليلة الماضية ثورة اجتماعية وسياسية واقتصادية بسرعة لم يسبق لها مثيل في العصر الحديث، فبالإضافة إلى دعم إصلاحات تسمح للنساء باستخدام الخدمات الحكومية دون إذن من ولي الأمر، وحتى الدخول في ميادين الرياضة، فإن الأمير محمد بن سلمان أطلق صندوقا سياديا، وغير هيكلية الحكومة، واقترح مشاريع عملاقة بمليارات الدولارات. 

 

وتبين ديكنسون أنه لتمهيد الطريق أمام تلك التغييرات، فإن ولي العهد قام بعدة حملات في المملكة، الأولى استهدفت الأعداء الأيديولوجيين للإصلاحات، بمن فيهم رجال الدين المحافظون والإعلام الاجتماعي المعارض لحقوق المرأة، بالإضافة إلى الشخصيات العامة التي انتقدت الإصلاحات الاقتصادية، وقام في حملة ثانية نهاية الاسبوع الماضي بإطلاق مؤسسة لمكافحة الفساد، وتم اعتقال وزراء وأمراء ورجال أعمال، ممهدا الطريق أمام تغييرات شاملة في الحكومة، بحسب ما تقتضيه خططه، حيث تم توجيه التهم لأولئك الذين اعتقلوا بارتكاب جرائم، مثل الاختلاس، والاحتيال، وتشغيل موظفين أشباح، أو منح عقود حكومية لشركات تعود ملكيتها للمسؤولين.

 

وتجد ديكنسون أنه "مع أن هذه التحركات تمهد الطريق أمام طيف من الإصلاحات، إلى الآن، حصلت النساء على فوائد ملموسة، حيث حصلن على حقوق كثيرة وبسرعة -لكن بتكلفة سياسية واجتماعية عالية- وتشعر بعض النساء السعوديات في هذه اللحظات بالأكثر هشاشة، فما يقلقهن هو أنه إن لم يتحركن بسرعة للحصول على حقوقهن فإن هناك احتمالا بأن يؤدي الضغط الاجتماعي إلى دفع تلك الحقوق للخلف".

 

وتورد المجلة نقلا عن المستشارة والباحثة السابقة في مركز الملك فيصل للأبحاث والدراسات الإسلامية سمية فتاني، قولها: "يمكن أن نثبت أنفسنا الآن أو نخسر للأبد .. إنها مسؤولية اجتماعية كبيرة".  

 

وتقول الكاتبة إن "النساء في السعودية كن على مدى نصف القرن الماضي حبيسات  المحيط المنزلي، ولا يستطعن العمل إلا في عدد محدود من الوظائف، ولم تستطع النساء قيادة السيارات، ولا الخروج دون محرم, وكان من يتأكد من تطبيق تلك القواعد الشرطة الدينية، وأيضا العائلات الكثيرة التي علمت بناتها العادات الاجتماعية الصارمة".

 

وتنوه ديكنسون إلى أن "التغير الاجتماعي تحرك ببطء شديد، يجعل من الصعب القول متى بدأ ومتى انتهى، لكن الإصلاحات التي تجذرت عملت على أفضل وجه عندما كانت غير مرئية، فمثلا بدأ تعليم البنات الممول حكوميا في ستينيات القرن الماضي، لكنه لم يكن أبدا إلزاميا، فلم تفرض السلطات السعودية على العائلات أن ترسل بناتها للمدارس، وارتفعت نسبة تعليم الإناث من 2% عام 1970 إلى 91% عام 2015، كما تبع فتح المدارس فتح جامعات خاصة للإناث، ففي عام 2014 بلغت نسبة الإناث من خريجي الجامعات 57%".

 

وتفيد الكاتبة بأنه قبل أقل من عقد قام الملك عبدالله بعدة تغييرات تسمح للنساء بمارسة المحاماة والعمل في المتاجر، وعين عددا منهن لمجلس الشورى بالإضافة إلى بعض الوزيرات، مستدركة بأنه منذ صعود محمد بن سلمان للسلطة فإنه قام بتغيير النغمة والسرعة، فبحسب خطته الاقتصادية للمملكة 2030، فإنه يهدف لرفع مشاركة الإناث في القوة العاملة من 22% إلى 30%.

 

وتنقل المجلة عن أمل الشامان، وهي إحدى أوائل النساء اللواتي تم تعينهن في مجلس الشورى، قولها: "عندما تقرئي المخطط فإنك تستطيعين القراءة عن مشاركة النساء والاندماج والمزيد من الوظائف للنساء .. لكن قبل فعل هذه الأمور كلها يجب اتخاذ خطوات عديدة".

 

وتورد ديكنسون نقلا عن سارة التي تدرس للماجستير في علم النفس، قولها إنها ستتعلم القيادة لكن القوانين هي نصف الحكاية، حيث ترى أن التحدي هو ليس تعليم النساء كيف يقدن السيارة، بل تغيير عقلية المجتمع ليتقبل قيادة المرأة للسيارة في الشارع.

 

وتذكر الكاتبة أن تغيير دور النساء في السعودية يتم اليوم من الأعلى، حيث منحته الحكومة للشعب، فتقول الحزاني، التي تكتب أيضا في صحيفة الشرق الأوسط: "تكمن أهمية التغيير في أنها تأتي من الحكومة.. فهذه قرارات سياسية، وهذا ما يجعلها قوية".

 

وتشير ديكنسون إلى أن بعض المحللين يرون أن الحملات، وبالذات ضد رجال الدين، قصد بها جزئيا على الأقل أن تعطي فرصة للتغير الاجتماعي أن يتجذر، وتعود هذه الاستراتيجية إلى نيسان/ أبريل 2016 عندما قام الملك سلمان بتجريد الشرطة الدينية "المطوعين" من حق الاعتقال، وتقول الحزاني: "إن هذا كان تغييرا كبيرا؛ لأنه طال أقوى رجال في السعودية.. وكانت هذه أول مرة في تاريخ السعودية يجرؤ أحد أن يلمس هؤلاء".

 

وتذهب الكاتبة إلى أنه "مع غياب الجهود الشعبية لدفع الإصلاحات قدما، فإن العبء يقع على كاهل النساء لإقناع المجتمع بها، وسيساعد الاقتصاد في كسب بعض المتشككين، فبعد أن بدأت العديد من النساء بالعمل منذ خمس سنوات، بدأت العائلات تشعر بالفائدة، وأحيانا الضرورة لعمل المرأة، وتغير سوق الزواج من البحث عن المرأة التي تجلس في البيت إلى المرأة التي تحصل على راتب".

 

وتستدرك ديكنسون بأنه "في هذه التغييرات كلها أبقت السياسات بابا خلفيا يمكن للمحافظين الدخول منه، للحفاظ على الوضع الحالي، ففي حزيران/ يونيو 2018 سيسمح للمرأة بقيادة السيارة، لكن الأب أو الزوج المحافظ لن يأخذ زوجته أو ابنته لتتعلم القيادة، وقد تعرض الشركات التوظيف على النساء، لكن قد تمتنع العائلات عندما ترى بيئة عمل مختلطة، وهذا ما ذكرته مستشارة إدارية سعودية، رفضت ذكر اسمها، حيث قالت إن العائلات ستكون أكبر عقبة أمام توظيف النساء، وأضافت: "القوانين مهمة في الخطوات الأولى لضمان حقوق المرأة والمساواة مع الرجل أمام القانون، لكن العادات الاجتماعية ستؤدي الدور الأكبر، حيث أنها لا تتغير مع تغير القانون".

 

وتختم الكاتبة مقالها بالقول إن "ما يزيد من الإشكالية بالنسبة للمرأة هو غياب البنية الداعمة لها، وترتيبات العمل المرنة التي تناسب المرأة، كما هو موجود في الدول الغربية".

التعليقات (0)