كتاب عربي 21

عن كلام "ناطق" الجيش وردود الفعل النخبوية

السنوسي بسيكري
1300x600
1300x600

ما أدري هل أسميها صحوة، أو اعتبرها مجرد انتقادات حادة لأخطاء النخبة العسكرية ومحاولة للاستدراك على انحراف المسار الأمني العام، وذلك فيما يتعلق بتدوينات لنخبويين من أنصار الجيش التابع للبرلمان خلال اليومين الماضيين.


الموضوع حول العاصفة القوية التي واجهها الناطق باسم الجيش، أحمد المسماري،هذا الذي ظل منذ اليوم الأول من تعيينه يأتي بما لا يقبله عقل دون أن نسمع للمحتجين اليوم احتجاجا أو استدراكا.


الناطق العسكري طالب المواطنين الدفاع عن أنفسهم باستخدام ما يتاح لهم من وسائل القوة أمام ظاهرة الإجرام التي استفحلت في بنغازي خلال الأسابيع القليلة الماضية، والتي هي نتيجة متوقعة جدا لمقاربة عملية الكرامة لأزمة الاغتيالات والتفجيرات التي شهدتها المدينة منذ عام 2012، فقد أعطت الكرامة شرعية لأعداد كثيرة من المدنيين بينهم أصحاب سوابق، وقامت بتسليحهم، واليوم بعد أن صار خطرهم كخطر "الإهارب"، كما يقول الكثير من أنصار الكرامة، تعتبرهم السلطات النافذة خارجين عن القانون.


من السهل القول أن تصريحات، ناطق الجيش، احمد المسماري، دليل قاطع يقدمه قادة الكرامة على فشلها، فالكرامة التي جاءت من أجل فرض الأمن وحماية المواطنين تطالبهم اليوم بحماية أنفسهم. 


الدعوة بلا أدنى شك لا مسؤولة وتتلائم مع تفكير واختيارات قادة الكرامة ومنطقهم الأمني الفوضوي العنيف البعيد عن جوهر دولة المؤسسات وفلسفة سيادة القانون، لكن بيت القصيد عندي هو الانتقائية والازدواجية والمعايير المرتبكة عند النخبة المثقفة والنشطة تجاه تصريحات الرسميين وممارساتهم، والتي كان عنوانها البارز خلال الأعوام 2014، 2015، 2016 التأييد أو السكوت عن كثير من التصرفات اللامسؤولة والكلام الهدام. 


لن أتردد في القول أن من أسباب السكوت عن تصريحات الناطق غير المقبولة في السابق أنها كانت محببة عند بعض هؤلاء لأنها تشبع غرورا وتغذي شعورا سلبيا مسيطرا على أصحابه تجاه الخصوم، فيكون كلام الناطق كالبرد على القلوب، فعادة ما تطيش عقول وقلوب بعض النخب في أوقات النزاع واشتداد الخصومة لتنزل إلى مستوى وضيع في التفكير والإحساس.  


الملفت أن ردود الفعل على تصريحات ناطق الجيش كانت قوية في مفرداتها بما لا يتفق مع مضمون التصريح، وكأنها وجدت في كلامه سانحة للتعبير عن تراكم وقع منذ شهور بعد أن ظهرت انحرافات عملية الكرامة وتداعياتها سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا.


بعض من ناقشتهم بهذا الخصوص وبالتحديد حول سكوتهم عن أفعال وأقوال غير مسؤولة صدرت مرات ومرات عن الناطق وعن مرؤوسيه، كانت حجتهم هي خطورة الوضع وحساسية المرحلة، وهو ما لا أقبله من مثقف أو ناشط سياسي أو حقوقي أو إعلامي من أهم أدواره مراقبة المسار وإدانة السلوك الهدام.


ولا يفوتني أن أشدد  على مسألة مهمة حول المواقف من تجاوزات أصحاب القرار والنفوذ، فقط علق أحدهم بأن صحوة النخبة أو احتجاجها بعد فترة صمت ينفع، فهي توسع دائرة الاحتجاج وتعمق من الشرخ داخل معسكر الكرامة، الذي لم تكن منطلقاته صحيحة ولا دوافع حربه صادقة، لأقول أن هذا تفسير أو توجه يهم السياسي أو يطمئن إليه المتخندق في الجبهة المضادة. أما المنطلق القيمي والإنساني والأخلاقي فله رأي مختلف واقتراب مغاير، يقوم على تثمين الصواب وإدانة الخطأ خاصة المسكوت عنه.


وأخلص إلى القول بأن التأسيس لمرحلة ما بعد الثورة شابته أخطاء جسيمة بسبب منطق واتجاه النخبة المثقفة، والتي جنح قطاع واسع منها إلى الهوى والتعصب الفكري والسياسي بمختلف ألوانه ولا أستثني منها أحد وذلك على حساب القيم العليا والمبادئ السامية والأخلاق والإنسانية، ولأن مواقف شريحة كبيرة فاعلة ماتزال على ما هي عليه مما ذكرت مازلنا نغرق في انحرافنا ونتجه إلى مسارات بعيدة عن آمال دولة القانون والحريات والمواطنة والمسؤولية والكفاءة، ونجدد الصراعات ونبدع فقط في تفجير الخلافات وإذكاء النزاعات، وإذا أردنا التصحيح فإن البداية تكون بمراجعة النخبة نفسها ولجم هواها وعصبيتها الفكرية أو الجهوية أو القبلية .

التعليقات (0)