قضايا وآراء

لماذا تراجعت السعودية في قضية الحريري؟

عبد الناصر عيسى
1300x600
1300x600

إن قراءة معمقة في لقاء السيد سعد الدين الحريري رئيس وزراء لبنان، والذى أجبر على الاستقالة وفق ما تواتر في وسائل الإعلام ، تشير إلى تراجع سعودي واضح، ويحمل في طياته أيضا تراجعا لاحتمالات التصعيد العسكري في لبنان ، والتي كانت قد ارتفعت بعد الاستقالة والتهديدات السعودية لحزب الله ولبنان، وذلك لمصلحة المساومات والضغوط السياسية من أجل فرض قواعد لعبة جديدة تحد من نفوذ إيران وحزب الله في لبنان .وتعمل على تقوية الدولة اللبنانية وتحملها كافة المسؤوليات بما فيها ضبط الحدود مع فلسطين المحتلة بصورة أكبر من ذي قبل .

لقد أكد السيد الحريري في لقاء صحفي في السعودية 12-11-2017 أنه سيعود الى لبنان،  ليس خلال أشهر أو أسابيع بل خلال أيام ليتفاوض مع الاطراف السياسية، وذلك على أساس ضرورة تطبيق مبدأ النأي بالنفس وهو أمر متفق عليه نظريا في لبنان،  ويتهم حزب الله بأنه قام باختراقه من خلال تدخله في سوريا.

لا بد من القول إن المتابع للقرارات السعودية في الآونة الاخيرة، ومنذ بدأ حصار قطر وانتهاء بالتراجع في قضية الحريري أي قضية لبنان يلحظ وبوضوح الانتقالات السريعة والمفاجئة والمتناقضة في بعض الأحيان والمتراجعة في أحيان أخرى، فإعلان الحريري نيته العودة للبنان من أجل فتح الحوار لإعادة ترتيب الأوراق ، ودون أن تتغير موازين القوى في لبنان، بل وعلى العكس بعد تزايد قوة حزب الله وعودته الى لبنان منجزاً مهمته في سوريا ملتزماً "وإن متأخرا" بسياسة النأي بالنفس هو أمر مطلوب ولا بد منه  ولكنه يدل على الارتباك والتخبط السعودي، لأن هذه الخطوة أي الاستقالة ثم العودة لن تحقق وعلى الارجح الاهداف الاقليمية منها .وقد تحقق تغييراً شكلياً لحفظ ماء الوجه وذلك باتجاه التأكيد والالتزام بسياسة النأي بالنفس وتعزيز سلطات الدولة ، وهو أمر كان من الممكن تحقيقه دون" ضجة الحريري "إلا إذا كان أحد أهداف الخطوة هو مجرد إحداث بلبلة معينة في الساحة الاقليمية واللبنانية على وجه التحديد.


ويمكن القول وبشكل عام أن أسباب تراجع متخذ القرار السعودي في قضية الحريري هو إدراكه -أو إبلاغه من حلفائه- أن هذه الخطوة لن ولم تؤتي الثمار المرجوة من إعادة التوازنات في لبنان ، خاصة وأنها قد تمت بطريقة تفتقد الى الحنكة والذكاء السياسي ، بل وعلى العكس من ذلك بل قد تكون أدت الى نتائج غير مرغوبة ومنها المس بصورة السعودية التي كان يعتقد أنها تتميز بالحكمة وطول النفس.

وبنوع من التفصيل فلقد كانت ردود فعل الداخل اللبناني رسميا وشعبياً متوازنة ، الى حد كبير ، حيث تم استيعاب صدمة الاستقالة بسرعة نسبية ، واستمر التماسك والتضامن بين معظم ألوان الطيف اللبناني ، واتخذت إجراءات داخلية وخارجية لحفظ أمن واستقرار لبنان ، أدت الى تدخلات دولية ايجابية كان لها وعلى الارجح وزنا مهما في التراجع السعودي .

أما على صعيد الاقليم فقد زادت المخاوف وتحديدا الاسرائيلية من أن المنطقة تتجه للتصعيد ، بل وذهب مراقبون ومحللون إلى اعتبار الخطوة السعودية محاولةً لتوريط اسرائيل ودفعها لضرب حزب الله في لبنان، الامر الذى لا تريده اسرائيل بأي حال من الأحوال، تجدر الاشارة في هذا الصدد الى أن السعودية رغبت وعملت -ووفق مصادر إسرائيلية- على دفع اسرائيل بتوجيه ضربة عسكرية لمواقع النووي الايراني، وأيضا لتدخل عسكري إسرائيلي أقوى ضد نظام الأسد، ولكن إسرائيل رفضت وامتنعت عن ذلك، فلماذا ستقوم الآن بضرب لبنان؟؟ لقد أكد هذا الامر المحلل العسكري في صحيفة هآرتس 12-11-2017 عندما كتب قائلاً إن اسرائيل لا ترغب بالقيام بالمهام القذرة للسعودية في لبنان.

تظهر المؤشرات القادمة من إسرائيل أنها فوجئت من خطوة إقالة الحريري ، مما يثير التساؤلات حول دورها في إعادة ترتيب الامور من خلال الضغط باتجاه التراجع السعودي، ويؤكد هذا الامر ما صرح به وزير الخارجية تيلرسون حول عدم جعل لبنان ساحة للصراع الاقليمي ، وذلك بعكس حماسة واندفاع معلمه ترامب، والتي تشبه الى حد كبير حماسة متخذ القرار في السعودية،  وقد ذهبت وزارة الخارجية الامريكية لاتخاذ موقف واضح وصريح عندما طلبت ضرورة إعادة الحريري الى منصبه، وحذرت دول أجنبية من التدخل في شؤون لبنان وكأنه بيان صادر عن كل اللبنانيين، مع اختلاف المنطلقات، وهكذا تراجعت السعودية بعد ردود الفعل اللبنانية والدولية وحتى من أقرب حلفائها الرافضة لهذا التهور السعودي.

0
التعليقات (0)