ملفات وتقارير

ابن لادن وعلاقته مع إيران.. هل كان عقائديا أم براغماتيا؟

ابن لادن كان حذرا مع الإيرانيين ولكنه حافظ على المصالح معهم- أرشيفية
ابن لادن كان حذرا مع الإيرانيين ولكنه حافظ على المصالح معهم- أرشيفية

تضمنت وثائق "أبوت أباد" التي نشرتها وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA) مطلع الشهر الجاري، دراسة من 19 صفحة أعدها عضو بارز في تنظيم القاعدة، أبرزت بعض الجوانب الكاشفة عن طبيعة العلاقة بين تنظيم القاعدة وإيران إبان زعامة أسامة بن لادن له.

ووفقا لتلك الوثائق، فإن "أجهزة المخابرات الإيرانية، سهلت في بعض الحالات إصدار تأشيرات لعناصر القاعدة المكلفين بتنفيذ عمليات، كما قامت في الوقت نفسه بإيواء مجاميع أخرى".

وذكر العضو البارز في القاعدة الذي أعد تلك الدراسة، أن "إيران مستعدة لتوفير كل ما يحتاجه التنظيم، بما في ذلك الأموال والأسلحة، وتدريب عناصر من التنظيم في معسكرات حزب الله في لبنان، مقابل ضرب التنظيم للمصالح الأمريكية في السعودية والخليج".

وتأتي تلك المعلومات بحسب الوثائق المنشورة، لتثير الجدل من جديد حول طبيعة علاقة تنظيم القاعدة بإيران، في ما إذا كان ابن لادن قد اختار تجميد الخلافات العقدية بين تنظيمه السني وإيران الشيعية، لالتقائهما على مواجهة العدو البعيد (أمريكا)، وهل كان يدير علاقاته مع الفاعلين الإقليميين وفقا للمصالح وليس لاعتبارات عقائدية محضة؟

ومجيبا عن تلك الأسئلة، أوضح الباحث في شؤون الحركات الإسلامية، حسن أبو هنية، أن أسامة بن لادن أقرب ما يكون إلى الفضاء الصحوي، والفكر الإخواني، ما يعني أنه كان يتحلى بمرونة سياسية على خلاف ما عليه بعض رموز السلفية الجهادية بتوجهاتهم الراديكالية.

وأضاف أبو هنية لـ"عربي21": "كذلك، فإن ابن لادن لم يكن يرى تكفير الشيعة، ولم يحكم عليهم بالردة، وهو ما يتوافق فيه مع غالب قادة ورموز السلفية الجهادية باستثناء أبي مصعب الزرقاوي وعبد الله المهاجر".


وعن طبيعة العلاقة بين القاعدة وإيران، أشار الخبير في شؤون الحركات الجهادية أبو هنية، إلى أن "الظروف هي التي ساهمت في تقريب القاعدة من إيران على ما بينهما من اختلاف عقدي عميق وجذري، إضافة لارتباطه وتنظيمه بولاية الملا محمد عمر الذي كان لا يرى إحداث قطيعة مع إيران إبان حكم طالبان لأفغانستان". 

وأرجع أبو هنية مرونة ابن لادن في علاقته مع إيران إلى جذر عقدي تمثل في "عدم تكفيره للشيعة من جهة، إضافة إلى البعد البراغماتي المصلحي الذي كان حاضرا في إدارته لعلاقاته مع إيران وغيرها من الفاعلين الإقليميين".

وتابع أبو هنية: "ومما يدلل على حضور البعد البراغماتي في سلوك ابن لادن السياسي، أنه كان يوصي أتباعه بالحرص الشديد على الحاضنة الاجتماعية، مع عدم توسيع دائرة العمليات التفجيرية، وتجنب الدخول في صدامات ومواجهات مسلحة مع الشيعة، من أجل التفرغ التام للعدو الأول والأخطر ألا وهو أمريكا". 

من جهته، رأى الباحث المصري في الفكر الإسلامي وشؤون الحركات الإسلامية، هاني نسيرة، أن تلك الوثائق "تؤكد علاقة تنظيم القاعدة المتينة بإيران، وتأثر ابن لادن في هذه العلاقة وغيرها بأفكار جماعة الإخوان المسلمين، بتجاوز الخلافات العقدية لصالح المصلحة السياسية، والتقدير الشديد المتبادل بينها وبين قادة إيران الذين يشاركونها الهدف في الحرب على العدو القريب (الدول العربية)، أو البعيد (أمريكا والغرب)".

 

ولفت نسيرة في مقال له إلى أن "التأثير الإخواني المنهجي الأكبر على ابن لادن يتضح في عدم اعتنائه بالخلافات المذهبية والفقهية، سواء في علاقته بإيران أم بحركة طالبان ذات التوجه الحنفي، والميل الصوفي وبعض الممارسات البدعية بحسب السائد في العرف السلفي، وهو ما يكشف عن تأثر ابن لادن بالإخوان ومنهجهم منذ البداية".

 

وأشار نسيرة إلى أن ابن لادن رأى في إحدى الوثائق المنشورة أن نظام إيران أفضل مما سواه من نظم الحكم في العالم العربي والإسلامي، كونه يعادي أمريكا والغرب ويرفع شعارات المقاومة لهما، بينما ظل يصف السعودية ومصر وغيرها بالمرتدة. 

وطالب ابن لادن أنصاره وأتباعه في العراق بتجنب استهداف إيران، حرصا على مصالح مشتركة عدة.


وخلص نسيرة إلى القول: "إن الوثائق الجديدة تؤكد هذه العلاقة، وتؤكد ما كشفته الوثائق السابقة، وأن ابن لادن إخواني براغماتي أكثر منه متشددا فقهيا أو عقديا، وأنه من مدرسة الإخوان السياسية البراغماتية عبر الإعجاب والتحالف مع إيران الخمينية". 

بدوره، أبدى الإعلامي السوري، أحمد موفق زيدان، مخالفته لكل ما قيل عن وجود تنسيق بين تنظيم القاعدة وبين إيران، في ما يتعلق بالحرب على أمريكا، موضحا أن القاعدة بقيادة ابن لادن كانت ترى أن فتح الجبهات مع الأنظمة لن يكون موضع اتفاق من الشرائح المجتمعية المختلفة، ما دفعه لتكريس جهوده لمحاربة أمريكا، لأن من السهل كسب تأييد القواعد الشعبية ضد أمريكا، حتى ربما كسب تعاطف بعض الناقمين على القاعدة. 

وأضاف لـ"عربي21": "بالتالي، فإن ضرب ما يصفونه برأس الأفعى يسهّل التخلص من الأذناب، وما يدلل على ذلك أنه حينما بدأ الربيع العربي برز موقف ابن لادن الداعم للثورات، ما يعزز أن الهدف كان حشد الشعوب والقاعدة الشعبية ضد عدو، سواء كان قريبا مثل الأنظمة أم بعيدا ممثلا في أمريكا".

وعن مدى تأثير الربيع العربي على توجهات ابن لادن، أشار زيدان إلى أن "زعيم القاعدة وجد ضالته في الربيع العربي، وكان يأمل أن تتم عملية التغيير من خلاله، ما جعله يعود إلى الاشتغال بالعدو القريب، والتخلي عن العدو البعيد، لكن للأسف نجحت الأنظمة العربية المستبدة في دفع أمريكا لخوض حروبها هذه المرة بمقاتلة القاعدة وجميع التنظيمات التابعة لها".  

وجوابا عن سؤال "عربي21" حول طبيعة العلاقة بين إيران والقاعدة، أوضح زيدان الذي كان مديرا لمكتب قناة "الجزيرة" القطرية في العاصمة الباكستانية، إسلام أباد، والتقى ابن لادن حينها:  "كان ابن لادن على عداء عقدي جذري مع إيران والخميني، وهذا ما لمسته خلال لقاءاتي معه، لكنه بالمقابل لم يكن جامدا سياسيا، وما حصل أنه بعد خسارة طالبان للأرض التي كان يقيم عليها، ألجأه ذلك كتنظيم (القاعدة) للذهاب إلى إيران". 

أما عن ابن لادن نفسه، فقد تغلب أسامة السلفي المعادي لإيران، على أسامة السياسي البراغماتي، وظل يقيم على الأرض الباكستانية والأفغانية، ما يعزز أن مخاوفه من إيران كانت طاغية على ما سواها، بحسب زيدان.

التعليقات (0)