حقوق وحريات

مصر: ما مصير أحكام إعدام المعارضين بعد مجزرة مسجد الروضة؟

مصر قضاء دار القضاء العالي
مصر قضاء دار القضاء العالي

يواصل القضاء المصري بشقيه المدني والعسكري إصدار أحكام الإعدام بحق مناهضي الانقلاب العسكري، التي كان آخرها يوم السبت الماضي، بعدما قضت محكمة جنايات القاهرة بالإعدام شنقا بحق 7 أشخاص اتهموا بالمشاركة في ذبح 21 مصريا من الأقباط في ليبيا عام 2015.. وفي ظل صدور أحكام نهائية وباتة بحق 28 مصريا في 7 قضايا مختلفة تطرح "عربي21" تساؤلا: هل يمكن أن تُقدم سلطة الانقلاب على تنفيذ أحكام الإعدام قريبا، خاصة قبل انتخابات الرئاسة التي لم يتبق عليها سوى ما يقرب من أربعة أشهر فقط؟

أكد المتحدث باسم هيئة الدفاع عن المعتقلين، محمد الدماطي، أن "أحكام الإعدام التي صدرت خلال الفترة الماضية معظمها مبني على تحريات من قبل جهاز الأمن الوطني، التي لا يمكن التعويل عليها مطلقا في إصدار مثل هذه الأحكام"، مضيفا: "رغم أن بعضها أصبحت باتة ونهائية بعد تأييد محكمة النقض (أعلى محكمة لمراقبة تطبيق القانون فقط) لها، إلا أنني أتصور أنها لن تُنفذ على المستوى القريب أو البعيد".

وقال – في تصريح لـ"عربي21"- إن "تنفيذ هذه الأحكام بهذه الأعداد الكبيرة يؤرق الضمير العالمي والمنظمات الدولية التي تطالب بإلغاء عقوبة الإعدام من الأساس، والنظام الذي يحكم الآن لا يرغب في إثارة قلاقل جديدة تثير القلق والاشمئزاز، خاصة أنه استقر في يقين الكثيرين داخل مصر وخارجها أنها قضايا سياسية بالأساس، وغُلفت بقانون العقوبات والإجراءات الجنائية".

وذكر "الدماطي" أن أحكام الإعدام التي تم تنفيذها بالفعل كانت في 3 قضايا فقط، وتم إعدام 8 مواطنين فيها، مضيفا بأن هذه القضايا لم تكن واضحة للجميع أنها قضايا مسيسة من الدرجة الأولى، وبالتالي لم تؤرق الضمير العالمي بالقدر الملموس، ولهذا لم تكن هناك ضجة كبيرة أو ردود فعل قوية بشأنها، وهو الأمر الذي أكد أنها تختلف تماما بشأن باقي قضايا الإعدام الحالية.

وبسؤاله عن مدى قانونية طول الفترة بين إصدار الأحكام النهائية وتنفيذها، أضاف: "القانون يتيح ذلك، حتى لو استغرق الأمر سنوات طويلة، لأنه طالما لم يُصدق رئيس الجمهورية على أحكام الإعدام فلا يمكن تنفيذها، وهو الأمر الذي لم يحدث حتى الآن، لأن النظام يراعي مبدأ المُواءمة السياسية، فإذا ما رأى أن التنفيذ سيثير ضجة وقلقا لا يُقدم على ذلك، أما إذا ما وجد تأييدا شعبيا لهذا الأمر فسيفعله".

وشدّد "الدماطي" أنه "لن يتم تنفيذ أحكام الإعدام قبل إجراء انتخابات الرئاسية المقرر لها منتصف عام 2018، وذلك حتى لا تتأزم الأوضاع أكثر مما هي عليه"، متوقعا إلغاء هذه الأحكام أو على الأقل تخفيفها عقب الانتهاء من الانتخابات الرئاسية، لافتا إلى أن الدستور والقانون يعطيان رئيس الجمهورية هذا الحق.

وحال إقدام النظام على تنفيذ أحكام الإعدام قبل إجراء انتخابات الرئاسية، قال: "سيكون هذا الأمر كالقشة التي ستقصم ظهر البعير، لأن المجتمع لا يقبل ولا يتحمل على الإطلاق تنفيذ مثل هذه الخطوة، فهذا سيكون إضرار بالمجتمع ككل وليس الشخص الذي سيتم تنفيذ حكم الإعدام بحقه، لأنه استقر في ضمير الشعب أننا بصدد أحكام سياسية وليست جنائية".

من جهته، ذكر نائب رئيس المجلس الثوري المصري، المستشار وليد شرابي، أن "أغلب الدول الغربية تدرك جيدا الآن أن نسبة كبيرة من أحكام الإعدام التي تصدر في مصر، مسيسة والغرض منها تنفيذ سياسة محددة من قبل السيسي ضد خصومه السياسيين، وهذا الأمر يمثل حرجا سياسيا كبيرا في علاقة قائد الانقلاب بالدول الغربية - بالرغم من استمرار الدعم السياسي له- خاصة أن هذا الأمر تم توثيقه ونشره من قبل الكثير من المنظمات الحقوقية الدولية".

وأوضح لـ"عربي21"، أن "السيسي أمامه أحد أمرين؛ إما الاستمرار في تنفيذ أحكام الإعدام بحق رافضي الانقلاب، وهو ما يضعه في تصنيف عسكري فاشي لدى الدول الغربية ويزيد من درجة الحرج الواقع على هذه الدول في التعامل معه، أو تأجيل تنفيذ هذه الأحكام من أجل إرضاء دول ومنظمات حقوقية معنية بالشأن المصري".

وقال: "بلا أدنى شك؛ وجود عدد من المحكوم عليهم بالإعدام تحت قبضة السيسي، يشكل ورقة ضغط في أي مفاوضات قد تُطرح من أجل حل سياسي ما، يُرضي السلطة العسكرية في مصر، وبالتالي فالإفراط في تنفيذ هذه الأحكام بالرغم من أنه يشكل ألما كبيرا لعموم الشعب المصري وخاصة أهالي الضحايا، إلا أنه أيضا يفقد السيسي ورقة ضغط مهمة في حال إذا اتجه إلى المصالحة يوما ما".

وأكد "شرابي" أن سبل مواجهة أحكام الإعدام بالطرق القانونية في مصر معروفة للجميع، لكنها للأسف لم تكن كافية لتحقيق العدالة للمحكوم عليهم، خاصة أن أحكام الإعدام تصدر إما من قضاء عسكري أو من قضاء مدني ما يعرف بدوائر الإرهاب، وهم قضاة اختارتهم الجهات الأمنية لمحاكمة هؤلاء المتهمين، لكن ما يتحسب له الحكم العسكري هو المجتمع الدولي والخوف من تصنيفه حكم عسكري فاشي لدى العديد من الدول، خاصة الغربية، وهنا يأتي الدور الإعلامي والحقوقي لتفعيل قضية المحكوم عليهم بالإعدام على الأصعدة كافة".

وقال عضو مجلس الشورى السابق والمرشح المحتمل لانتخابات الرئاسة، محمد محيي الدين: "أعتقد أن الدولة تدرك أن الأغلبية العظمى من هذه الأحكام، جاءت في إطار محاكمات وأدلة وتحريات قائمة على أسباب سياسية أكثر منها جنائية، ومن ثم فعينها على الخارج والغرب تحديدا".

وأردف لـ"عربي21": "لذلك، يصعب تنفيذ أحكام الإعدام بحق شخصيات كالرئيس السابق محمد مرسي ومرشد الإخوان محمد بديع ليس فقط خوفا من الغرب، ولكن خوفا من تفجر الوضع الداخلي بما لا يمكن السيطرة عليه، خاصة مع كون الدولة بالفعل تخوض حربا ضد الخوارج والدواعش ولا ينقصها فتح جبهة أخرى، خاصة وقد أظهر جزء كبير من المعارضة تنديدا واسعا بفض رابعة قبل 4 سنوات، رغم خلافاتهم الفكرية العميقة مع أفكار الجماعة".

بدوره، شدّد مدير مركز الشهاب لحقوق الإنسان، خلف بيومي، أن "أشد أنواع القتل خارج نطاق القانون، هو القتل باسم القانون وتحت مظلة القانون، وذلك هو ما يحدث من بعض دوائر الإرهاب والمحاكم العسكرية في مصر، حيث تُصدر آلاف الأحكام بالإعدام على معارضين ضد النظام".

ونوه إلى أن "أحكام الإعدام تصدر من دوائر قضائية استثنائية لا تتوافر فيها أدنى ضمانات المحاكمات العادلة، بداية من المحاكمة أمام القاضي الطبيعي للمتهم إلي اطمئنان المتهم لقاضيه، مرورا بالإخلال بحق الدفاع وعدم تحقيق دفوعه والاستجابة لطلباته، ثم تصدر أحكام بالقتل لاعلاقة لها بالقانون من قريب أو بعيد".

وطالب "بيومي" بضرورة وقف تنفيذ أحكام الإعدام كافة، الصادرة منذ انقلاب 3 تموز/ يوليو 2013 وحتى الآن، نظرا لغياب الاستقلال القضائي بشكل جلي، ولانعدام المناخ الذي يسمح بمحاكمات عادلة".

وقال: "هناك 28 حكم إعدام نهائيا وباتا، بالإضافة لـ 10 أحكام خاصة ببورسعيد، تنتظر تحركا دوليا ضاغط على النظام من أجل الاستجابة لتوصيات اللجنة الإفريقية، الصادرة بوقف تنفيذ هذه الأحكام، كذلك التعاطي مع النداءات الدولية كافة من المنظمات الحقوقية ومقرري الخواص لوقف تنفيذ الأحكام".

وبسؤاله عن احتمالية تنفيذ الأحكام النهائية، أضاف: "بالطبع نتمنى وقف تنفيذ هذه الأحكام، ولكن للأسف في ظل نظام لا يحترم دستورا ولا قانونا، لا يستطيع أحد التنبوء بتعامله مع هذا الملف تحديدا"، لافتا إلى أن "هناك طلبات قُدمت للنائب العام من أجل وقف تنفيذ هذه الأحكام، وتضمنت أمورا جدية استوجبت فتح تحقيق فيها، ونتمنى أن يوفق الله هيئة الدفاع للوصول لنتائج مرضية في هذا الجانب".

وأشار "بيومي" إلى أن بعض قضايا الإعدام ظهرت فيها أدلة وشهادات تثبت براءة المتهمين، مثلما هو الحال في القضية المعروفة إعلاميا باستاد كفر الشيخ، وهو الأمر الذي يستوجب إعادة المحاكمة، مستدركا بقوله: "إلا أن المنظومة القضائية التي تخضع لسيطرة النظام المصري لا تتفاعل مع الأدلة والشهادات الجديدة، بل تتعنت بشكل واضح في فتح تحقيق مع هذه المستجدات".

وأضاف أن المنظمات الحقوقية تعمل على "عرض هذه الأحكام على منظمات دولية وإفريقية، وبعض المنظمات الإفريقية كاللجنة الإفريقية تحدثت مع النظام المصري، بعد عرض أوراق القضية عليها وتبين لها أن هذه الأحكام غير صحيحة وظالمة، وطالبت بوقف أحكام الإعدام"، لافتا إلى أنه "إذا ما حدثت ضغوط خارجية من عدّة هيئات دولية محددة كالأمم المتحدة، لكانت هناك إرادة دولية لوقف تلك الأحكام المسيسة، ولخضع نظام السيسي لها".

وأصدرت اللجنة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب قرارا فى الدورة الاستثنائية التي عُقدت  في العاصمة السنغالية " داكار"، في الفترة من 29 تموز/ يوليو إلى 7 آب/ أغسطس 2017، بإحالة سلسلة بلاغات قُدمت ضد النظام المصري بشأن الانتهاكات القضائية والحقوقية إلى مؤتمر رؤساء دول وحكومات الاتحاد الإفريقي القادم، لعدم تعاون مصر في تنفيذ قرارات اللجنة.

وطرح القيادي البارز بجماعة الإخوان المسلمين، عصام العريان، وهو معتقل بسجن العقرب، وصدر بحقه حكما بالإعدام (تم إلغاؤه لاحقا)، الكثير من التساؤلات بشأن أحكام الإعدام، قائلا:"أين المصريون؟ ألم يأْن الوقت لاستفاقة مصرية شعبية وقضائية وحقوقية وسياسية وإعلامية لوقف نزيف الدم المراق؟ وأين الشعوب والمنظمات الحقوقية العربية؟ وأين اتحاد المحامين العرب؟ وأين المنظمة العربية لحقوق الإنسان؟ وأين انتفاضة الإعلام الغربي في الدول الحرة التي تتمتع بمقدار معقول من الحرية؟".

كما تساءل في مقال له بعنوان "أحكام جديدة بالإعدام في مصر! ثم ماذا بعد؟"، انفردت "عربي21" بنشره: "أين المحامون البارزون الذين كانوا يوما ما ملء السمع والبصر بصولاتهم وجولاتهم في الندوات والمؤتمرات والملتقيات السياسية؟ ألم يأتهم نبأ انقلاب مصر؟ ما بال أصواتهم حبست فلا يسمع لهم صوت؟ لماذا لا يشكلون وفودا قانونية وحقوقية تصل إلى مصر لتراجع الأحكام وتقوي عزائم نظرائهم المصريين وتتعرف على خلفيات القضايا وظروفها؟ ولديهم من الوسائل والإمكانات في حال منعهم ما يمكنهم من التحرك دوليا من أجل هؤلاء الأبطال الذين ينتظرون أحكام الإعدام.. فهل يفعلونها؟".


وصدر بحق 2005 مواطنين قرارات بإحالتهم إلى المفتي تمهيدا للحكم عليهم بالإعدام خلال الأربع سنوات الماضية، وبلغ عدد المحكوم عليهم بالإعدام 981 مواطنا في 58 قضية سياسية، تم تنفيذ الحكم في 3 قضايا مختلفة على 8 مواطنين. ويُنتظر تنفيذ حكم الإعدام بحق 28 مصريا بعد صدور أحكام نهائية وباتة بحقهم في 7 قضايا مختلفة، وهناك 25 قضية أمام محكمة النقض لم يتم الفصل فيها حتى الآن، وعددهم 124 مواطنا، محكوم عليهم بالإعدام.

التعليقات (0)