قضايا وآراء

"الإسلاميون" المغاربة ينتصرون للديمقراطية الداخلية

امحمد مالكي
1300x600
1300x600

ربما لم يكن مفاجئا لدى مناضلي حزب "العدالة والتنمية" في المغرب، وممن يتابعون مساره السياسي، رفض المجلس الوطني، أي برلمان الحزب، تعديل المادة 16 من قانونه الأساسي؛ التي تقضي بعدم تولي الأمين العام مسؤولية القيادة أكثر من ولايتين متتاليتين.

فمنذ شهور والحزب يعيش على وقع نقاش حادّ حول هذه المادة، وحول المادة السابعة والثلاثين التي تسمح لوزراء الحزب بالعضوية عن طريق الصفة الحكومية في الأمانة العامة للحزب. بيد أن الاجتماع الأخير للمجلس الوطني (26 تشرين الثاني/ نوفمبر 2017)، حَسَم المشكلة بالاحتكام إلى آلية التصويت، فكانت النتيجة راجحة لصالح رفض التعديل (126 صوتا)، مقابل 101 صوتوا لصالحه، أي دعموا خيار الولاية الثالثة.

كيف يمكن قراءة ما حصل داخل حزب العدالة التنمية، وهو على أبواب مؤتمره القادم، المزمع تنظيمه يومي 9 و10 كانون الأول/ ديسمبر 2017؟ وهل يمكن اعتبار الامتناع عن تعديل المادة 16 انتصارا فعليا للديمقراطية الداخلية؟ وإلى أي حد شكل نقاش "الإسلاميين" حول المساطر والإجراءات واحترام دستور الحزب، أي نظامه الأساسي، نوعا من الممارسة المؤسِّسة لثقافة سياسية ديمقراطية داخل جسم الحزب؟

 

سيكون من غير السليم اعتبار ما يجري داخل حزب العدالة والتنمية، من تفاعلات وتوترات أحيانا، طفرات سياسية وتنظيمية تُؤسِّس لثقافة ديمقراطية أصيلة


سيكون من غير السليم اعتبار ما يجري داخل حزب العدالة والتنمية، من تفاعلات وتوترات أحيانا، طفرات سياسية وتنظيمية تُؤسِّس لثقافة ديمقراطية أصيلة، لكن من غير الموضوعية التقليل من أهمية الحرارة السياسية التي يعيشها الحزب منذ انتقاله إلى قيادة العمل الحكومي في أعقاب انتخابات تشرين الثاني/ نوفمبر 2011. لذلك، ثمة محطتان نوعيتان تتحكمان، وستظلان متحكمتين في مسار الحزب، على الأقل في المدى القريب والمتوسط، وهما: محطة مؤتمر العام 2008، التي نصبت "عبد الإله بن كيران" أمينا عاما للحزب، بكل ما يرمز إليه هذا التنصيب، وما يحمل من دلالات لم تعد غير معروفة في المجال السياسي المغربي؛ لعل أهمها الحسم النهائي في اختيار الاندماج في المؤسسات والمشاركة فيها وفق رؤية متعاونة مع السلطة ومتكاملة معها، مهما كانت الظروف والأكلاف. أما المحطة الثانية، فهي المشاركة من موقع القيادة والمسؤولية الحكومية، والراجح أن حصيلة هذه المرحلة الثانية كانت فاصلة في تعميق رؤية الحزب للمشاركة مهما كان الثمن. وحيث أن السلطة، وممارسة السلطة تحديدا، تفعل فعلها في ممارسيها وعقولهم وتطلعاتهم، فقد كان طبيعيا أن تتعدد دروب المناضلين داخل الحزب، وتتباعد تطلعاتهم، وتتوسع الهوة بين قياداتهم، بين من هم في موقع السلطة ومن هم خارجها ويتطلعون إليها.. ولعمري هذا أمر طبيعي؛ لأن السلطة، أية سلطة، هي مَفسدة بطبيعتها.

ثمة قاعدة معروفة، مفادها أن الاعتداد بالقانون واحترام الشرعية حين يكون الوعاء الثقافي واطئا؛ لا يُقصَد منه فرض احترام القانون أو الشرعية، بقدر ما يُراد منه الاختباء وراءه من أجل أغراض أخرى هي بالتأكيد غير احترامه في ذاته. لذلك، أستبعد الإقرار بأن رفضَ تعديل المادة 16 من النظام الأساسي لحزب العدالة والتنمية كان القصد منه جوهريا الانتصار للديمقراطية الداخلية للحزب، وإن بدا لبعض قيادييه ومناضليه والمتابعين لشأنه؛ تعزيزا للممارسة الديمقراطية داخل الحزب، وسعيا لتجنيبه مخاطر الإضعاف، وربما الانشقاق والتفكك.

 

لم يتردد "عبد الإله بن كيران" في الاعتراف بأن برلمان حزبه أخرجه من الأمانة العامة، بعدما أُخرِجَ من قيادة العمل الحكومي في أعقاب الانتخابات

لم يتردد "عبد الإله بن كيران" في الاعتراف - بالصراحة الزائدة المميزة له - بأن برلمان حزبه أخرجه من الأمانة العامة، بعدما أُخرِجَ من قيادة العمل الحكومي في أعقاب انتخابات 07 تشرين الأول/ أكتوبر 2016، وكأن لسان حاله يقول: "ها أنا أصبحت متقاعدا وعلى هامش السياسة".. وماذا بعد؟ كيف سيدير الحزب المرحلة القادمة؟ وهل سيكون المؤتمر لحظة تفكير جدي في النظر إلى مسار الحزب، ونقد حصيلته؟ وإذا كانت الأمور ستسير في هذا الاتجاه، هل للحزب رؤية وأفكار خلاقة وجذابة من شأنها نقل النقاش داخل هيئاته ومناضليه وأنصاره من تنازعات حول الأشخاص والمواقع، وتوزيع الفرص والامتيازات، إلى رؤى وتصورات بناءة، تحافظ للحزب على قاعدته الاجتماعية، وتفتح له أفاق للتطور نحو الأفضل؟ ليس لكاتب هذه المقالة جرأة الإجابة بوثوقية، ولا النظر بلغة الجزم إلى ما سيُقدِم عليه حزب العدالة والتنمية مستقبلا، وتحديدا منذ المؤتمر القادم الذي أصبح على الأبواب.. غير أن في المستطاع القول، دون تردد، أن "الإسلاميين" المغاربة أمام محك حقيقي، وعليهم أن يختاروا، بين ترجيح منطق الاستمرار في المساهمة في بناء ثقافة جديدة للممارسة السياسية، تُعيد للسياسة اعتبارها، ووظائفها النبيلة، وتفتح للشرائح التي ساندتهم ودعمت تعاظم قوتهم؛ لأنها قدرت فيهم إرادة انجاز ما عزّ على أحزاب كثيرة إنجازه، أو الانحياز لمنطق البحث عن الامتيازات، والتنكر لمقاصد ظهورهم كحزب، وفي هذه الحالة، لن يكون مصيرهم أفضل من مصير من سبقتهم من الأحزاب التي ضَعفت وتراجعت، وذهبت ريحُها. وفي كل الأحوال، الزمن كفيل وحده بإثبات أي منطق من المنطقين سيقود سفينة حزب العدالة والتنمية.. إنه التحدي الأكبر لـ"الإسلاميين المغاربة".

التعليقات (1)
مصري جدا
الإثنين، 27-11-2017 03:58 م
كم كنت قلقا على حزب العدالة والتنمية خوفا من فشل جديد للاحزاب ذات التوجه الاسلامي ،،، لكن بحمد الله وبنضج ويقظة ووطنية اعضاء الحزب جميعا دون استثناء ،، الموافق والرافض سواء بسواء ،،، نجح الحزب في الاختبار الصعب وعليه ان يواصل في تقوية مؤسساته الديمقراطية الضمانة الوحيدة لوجوده واستمراره ،، خرج بن كيران شامخا كعادته ،، والقرار ملزم للجميع ،، لتصل الرسالة واضحة ،، ان الحزب الذي يقوم على شخص واحد فقط لا يستحق ان يبقى ،،، وبناء القيادات الشابة القوية هي اهم وظيفة لقيادات الاحزاب والكيانات بل والدول ،،، هنيئا للحزب برجاله ونسائه جميعا ،، وهنيئا للمغرب بحزبها الديمقراطي ،،، وهنيئا لنا بنموذج ناجح مازال موجودا بعد كم الاخفاقات في عالمنا العربي وحركتنا الاسلامية الجريحة

خبر عاجل