قضايا وآراء

العرب.. ثورة القرن أم صفقة القرن؟ (1)

إبراهيم يسري
1300x600
1300x600

لم يخف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ميوله المعادية للإسلام وعزمه على إنهاء النزاع العربي الإسرائيلي لصالح الأخيرة بما في ذلك وعده في حملته الانتخابية بنقل سفارة أمريكا للقدس واعتبارها عاصمة موحدة لإسرائيل بما فيها من مقدسات المسلمين والمسيحيين.

ولا ننسي أن زيارته الأولى بعد تولي منصبه كانت لدولة عربية نعتبرها حامية للمقدسات الإسلامية والعربية، اعترفت فيها بصدقية اتهام الإسلام بأنه أساس الإرهاب بل وإنشاء ما يسمى بمركز الاعتدال في عاصمتها.

 

وساد الغموض والتعتيم على المحادثات التي جرت أثناء الزيارة، بل وسمحت هذه الدولة لأول مرة منذ 1948 بأن تمر طائرته فوق سمائها متجهة لإسرائيل مباشرة وننتظر بعد ساعات بعد كتابة هذا المقال أن يمضي ترامب في قتل كل الحقوق العربية الفلسطينية وضرب عرض الحائط بجميع القرارات الدولية المتعلقة بها.

وهنا لابد أن يتطرق في الضمير العربي بأن حقوقهم ضاعت وتاريخهم محي وهويتهم انتهكت. والسؤال الذي يطرح نفسه هو هل يقبل العرب هذا الإذلال والاستخفاف ويصفقون لصفقة القرن، أم أن الحمية والعزة العربية قد ذهبت ولم يبق منا غير الذل والهوان وطاعة العبيد للأسياد.

هذا السؤال مطروح الآن لحكامنا ولكبار العلماء والنخب والشخصيات السياسية البارزة وأساتذة العلوم السياسية والممارسين لشؤون العلاقات الدولية وقواعد القانون الدولي والمنظمات الدولية، اسوقه في صيحة ربما بدت للبعض خروجا عن المألوف في عالمنا العربي والإسلامي منذ فجر الإسلام وحتى إلىوم.

 

وذلك حتى يكثفوا عملهم في توعية الجماهير العربية إلى الأخطار الكارثية التي تواجهها الأمة العربية في المستقبل القريب ويرسمون لهم طريق الرفض و الثورة ضد المؤامرات التي تنقض على الأمة العربية هادفة هذه المرة إلى محو هويتها والمساس بأصول دينها وتحويلهم إلى طائفة من الأتباع المطيعين واستئصال أي ميول للثورة من قلوبهم على هذا الظلم والاستعباد.

والمشاهد الآن ربما تمهيدا لصفقة القرن اندلاع معارك دموية خبيثة وقاضية في الوطن العربي، يُقتل فيها مئات الألوف ويُشرد فيها الملايين من اليمن إلى العراق إلى سوريا إلى لبنان إلى فلسطين إلى مصر إلى ليبيا إلى تونس في أعقاب ما استبشرنا به في سذاجة وأسميناه الربيع العربي.

 

واعتبرت النخب السياسية والشعب العربي أنه واقع يأتينا على طبق من ذهب دون التنبه إلى أنه ينذر بتغيير كبير ويُهدد كافة نظم الحكم وما يسمي بقوى الدولة العميقة التي ما لبثت أن أثبتت قدرتها على كبت ثورة الجماهير التي قامت دون قيارات فاعلة وفاهمة.

والحديث هنا سيتناول بإيجاز ما تناوله كتابنا ومنظرينا من تقييم أولي للصراع الدائر منذ زمن طويل، والذي عادت لتديره دول سايكس بيكو بريطانيا وفرنسا وتنضم لها روسيا هذه المرة بعد أن كشفتها الثورة البلشفية، وذلك إلى جانب أمريكا ومن ورائها الغرب كله.

مشروع القرن

فقد عاد الحديث إلى النظرية والمشروع الذي أرسى أسسه إيغال آلون القائد العسكري الفظ والوزير صاحب النفوذ في مناصب وزارية متلاحقة ويشار إليه بمشروع "آلون" أو الترانسفير، وقد تطور الآن إلى ما يسمي مشروع القرن، وأحدث ما سمعناه من مصادر أمريكية علاوة على تصريحات وتغريدات متناثرة من الرئيس الأمريكي هو ما جاء في حوار مع برنامج  Talk موقع «والا» الإسرائيلي حيث قال ديفيد فريدمان، السفير الأمريكي لدى تل أبيب، إن الإدارة الأمريكية تُعدّ الآن خطة سلام ستُعرض ملامحها فى غضون أشهر قليلة، وإن حل الدولتين الفلسطينية والإسرائيلية لا يتضمنها، بعد أن أصبح بلا معنى.

 

كما سيتم نقل مقر السفارة الأمريكية من تل أبيب للقدس، حسب وعد الرئيس دونالد ترامب كما سيتم اعتبار القدس عاصمة أبدية لإسرائيل كما أكد فريدمان أن المستوطنات جزء لا يتجزأ من دولة إسرائيل. في ظل التحركات التي تشرف عليها الإدارة الأميركية برئاسة ترامب، للتوصل إلى حل إقليمي يتواءم مع المصالح الأميركية في المنطقة، وحلفتيها المقربتين، السعودية بقيادة محمد بن سلمان، وإسرائيل بقيادة نتنياهو.

ويصاحب هذا المشروع تخوفا إسرائيليا أمريكيا من النفوذ الإيراني، وهكذا سيكون الطرف الفلسطيني هو الخاسر الأكبر في حلقة ضغط تمثلها الولايات المتحدة والسعودية ومصر وتجري اتصالات جدية في هذا الشأن بين تل أبيب وواشنطن رون ديرمر سفير إسرائيل، ومن الجانب الأميركي "فريق السلام في الشرق الأوسط"، الذي يرأسه كبير مستشاري البيت الأبيض، وصهر الرئيس جاريد كوشنر، والمبعوث الأميركي الخاص إلى الشرق الأوسط، جيسون جرينبلات.

ويرى ترامب أن "هناك مصالح مشتركة بين الأطراف الأكثر برجماتية في المنطقة بقيادة مصر والسعودية (ونفوذ ولي العهد الأمير محمد بن سلمان) بقصد إضعاف الطموحات التوسعية الإيرانية في المنطقة ومكافحة ما يسمونه الإرهاب المتطرف". مما قد يضغط باتجاه مفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين نحو تحقيق المشروع.

ويوصف المخطط  بأنه"سلام أميركي" بصياغة ترامب، تكون فيه إيران "العدو المشترك" في المنطقة، في حين تكون الولايات المتحدة "الصديق المشترك".

ووفقا لهآرتس الإسرائيلية، تتوقع الإدارة الأمريكية أن تلعب مصر والأردن دورا أكبر في تشجيع الجانب الفلسطيني على العودة لمفاوضات السلام.

وأضافت التقارير عن مصادر بالبيت الأبيض: "إن حل الدولتين الذي لا يحقق السلام ليس هدفا يطمح إليه أي طرف".

والأمر الخطير الذي يمس مصر ظهر في تقارير البيت الأبيض متزامنة مع تصريح أثار الجدل للوزير الإسرائيلي أيوب قرا زعم فيه أنه بحث مع الرئيس ترامب مقترح إقامة دولة فلسطينية في سيناء، وهو ما نفته جميع الأطراف.

ومن جوانب المخطط التي يتهامس بها أصحاب المشروع أنه سيهتم بإنعاش الحالة الاقتصادية للفلسطينيين، إضافة إلى توسيع حدود قطاع غزة جغرافيا بإعطائه عشرات، بل مئات من الكيلومترات المربعة من أرض سيناء، لإقامة دولة فلسطينية فيها، إضافة إلى القطاع بالطبع.

فوفقا لصحيفة "هآرتس"، تأتي هذه التصورات في وضع يشهد فيه العالم العربي استقطابات جديدة، لا سيما على خلفية التمزق أو الانهيار على مستوى الدولة والمجتمع في المشرق العربي، ووجود تطلعات إقليمية تستفيد من الحالة العربية الراهنة، بتوسيع نفوذها إلى حد احتلال أراض عربية جديدة، إضافة إلى ما احتلته سابقا، خاصة بعد انحسار المقاومة بعد التحولات العربية ومعاهدات السلام، وتوريط الجيشين العربيين العراقي والسوري في محاربة الإرهاب.

 

ومشروعات التسوية المتعاقبة من اتفاقيات أوسلو 1993 ومفاوضات كامب ديفيد 2 في عهد الرئيس بيل كلينتون، و"خريطة الطريق" (2003) وبعدها اتفاق الإطار في "مسار أنا بوليس" (2007) كل تلك المفاوضات لم تزد إسرائيل إلا تعنتا وإنكارا لحقوق شعبنا الفلسطيني، ولم يمنع إسرائيل من التوسع في الضفة وبناء مستعمرات جديدة.

وبديهي أن تؤكد وثائق الصراع في المنطقة، أن واحدا من أبرز مهدّدات الأمن القومى المصرى بعد ثورة 25 يناير 2011 وما سمي بثورة 30 يونيو سنة 2013، هو المخطّط الإسرائيلى لتوطين الفلسطينيين في سيناء بالتآمر كما أن هذا المخطّط له تاريخ طويل منذ الخمسينات بدأ منذ 1953، وهو منشور في كتاب اسمه "خنجر إسرائيل" والكتاب عبارة عن تصريحات موشيه ديان وزير الحرب الإسرائيلي وقتها عن خطته لتقسيم العرب واحتلالهم. 

ويتصل بذلك ما نشر بالمجلة الدورية لوزارة الدفاع الأميركية سنة 2003 بنشر خرائط تقسيم الدول العربية التي وضعها إلىهودي برنارد لويس وبها إشارة لهذا المخطط، وفي سنة 2005 نفّذت الحكومة الإسرائيلية انسحابا من قطاع غزّة كبداية كما أعلن لبدء تنفيذه.

ويشار هنا إلى وثيقة إسرائيلية خطيرة نشرت في عام 2010 وفي 38 صفحة وهي وثيقة مستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق اللواء احتياط، جيورا إيلاند، ويطرح فيها أن مملكة الأردن هي دولة الفلسطينيين، وبوضعها الجديد ستكون من ثلاثة أقالىم تضمّ الضفّتين الغربية والشرقية وغزّة الكبرى التي تأخذ جزءاً من مصر تنقل مصر إلى غزّة مناطق مساحتها نحو 720 كيلومترا. وتشمل هذه المنطقة جزءا من الشريط المبني الممتد على طول 24 كيلومتراً على طول شاطىء البحر المتوسط من رفح غرباً حتي العريش. بالإضافة إلى شريط يقع غرب كرم سالم جنوباً، ويمتد على طول الحدود بين إسرائيل ومصر.

هذا ولقد رفض الفلسطينيون والمصريون على مرّ تجارب الحُكم منذ عبدالناصر وحتى السيسي، هذا المخطّط وإن كانت الضغوط مستمرة لتنفيذه، من قبل أميركا وإسرائيل والاتحاد الأوروبي وبعض الدول الإقليمية ذات العلاقة الاستراتيجية النفطية والعسكرية مع إسرائيل ونقصد تحديدا والىوم يتجدّد الحديث إسرائيلياً، ضمن شروط "صفقة القرن القادمة" وبعد لقاء نتنياهو ومصافحته الشهيرة للرئيس المصري السيسي في الأمم المتحدة قبل أيام وبعد توصّل مصر إلى اتفاق مصالحة من الفصائل الفلسطينية وتلويح بعض مسؤوليها بإمكانية أن يلعبوا دور الوسيط بين الكيان الصهيوني والفلسطينيين.

وهنا نحذر ونلوم حكامنا العرب ونحملهم مسؤولية إحباط هذا المشروع بكل قوة وعزم أو التنحى حتي يلتحم الشعب العربي مع حكام قادرين وثوريين لاستعادة حقوقنا وعزتنا وكرامتنا.

0
التعليقات (0)