كتاب عربي 21

أخلاق العبيد (2)

طارق أوشن
1300x600
1300x600

تحاول مجموعة الدول الغربية التي وحدت قواها، على غير العادة، للتدخل عسكريا بليبيا، قبل سنوات ست، "انتصارا" لما اتفق على تسميته بثورة 17 فبراير الإيهام بصدمتها من تقرير تلفزيوني عرضته شبكة أمريكية يوثق لما اسمته "مزادات العبيد" بليبيا. واقع الحال يقول أن ليبيا تحولت منذ التدخل "المظفر" للقوى الغربية إلى مجرد محميات "عبودية" تتوزعها مليشيات عسكرية وشخصيات مرتبطة بالخارج أكثر من تجدرها بالداخل الليبي. لقد انتقل الليبيون من "عبودية" الفاتح إلى عبودية الأسياد الجدد المدعومين غربيا وإقليميا. ولتأكيد هذا المنحى، لم يتورع عديدون من الخروج في مسيرات تفويض لخليفة حفتر صكا دامغا على السعي للاستعباد في مواجهة أي سعي مقابل للانعتاق والتحرر والعيش بشرا أحرارا.


في المزرعة حيث يعيش سولمان وآخرون عبيدا مملوكين للسيد فورد، تبكي أليزا فراق ولديها في فيلم (12 سنة من العبودية – 2013) للمخرج ستيف ماكوين.

 

سولمان: أليزا! أليزا! توقفي! توقفي عن النواح! لو سمحت للأحزان أن تهزمك ستغرقين فيها. 

 

أليزا: هل أزعج سيدي وسيدتي؟ هل تكترث أقل منهم لخسارتي؟

 

سولمان: السيد فورد رجل محترم.

 

أليزا: إنه نخاس.

 

سولمان: في ظل الظروف الحالية...

 

أليزا: في ظل الظروف الحالية هو نخاس. ولكنك تلعق حذاءه.

 

سولمان: لا..

 

أليزا: إنك تتمرغ في نعمته.

 

سولمان (صارخا): أنا أنجو بنفسي. لن أقع فريسة لليأس. سأعرض مواهبي على السيد فورد. سأبقي على قلبي نابضا حتى أجد فرصة للحرية.

 

أليزا: فورد هو فرصتك الآن؟  أتظنه لا يعرف أنك أكبر مما أنت عليه الآن لكنه لا يفعل شيئا من أجلك؟ لا شيء.. لست أكثر من حيوان ثمين.. هل استقريت في دور بلات إذن؟ (بلات هو الإسم الذي أطلقه النخاسون على سولمان وقت بيعه).

 

سولمان: ظهري كله ندوب بسب مطالبتي بحريتي.. لا توجهي الاتهامات لي.

 

سولمان الذي صار أقصى ما يصبو إليه النجاة بنفسه كان قبلها مسنكرا الأمر على ظهر الباخرة التي أقلته من الشمال إلى الجنوب الأمريكي عبدا مكبلا بجانب أقرانه الزنوج.

 

رجل 1: أرى أن نقاتل..

 

سولمان: الطاقم عدده قليل نسبيا. لكنهم قد يكونون مسلحين؟

 

رجل 2: ثلاثة لا يمكنهم الصمود أمام طاقم بأكمله. البقية هنا زنوج ولدوا وتربوا عبيد. العبيد لا يملكون الجرأة للقتال.

 

رجل 1: كل ما أعرفه أننا سنتمنى لو أننا متنا نحاول لو وصلنا إلى نحن مرحلون.

 

رجل 2: النجاة لا تتعلق بالموت المحقق بل بأن تبقي رأسك منخفضا.

 

سلومان: منذ أيام فقط كنت بين عائلتي في منزلي. والآن تخبرني أني فقدت كل شيء وعلي ألا أخبر أحدا بهويتي كي أنجو. أنا لا أرغب النجاة بل أريد أن أحيا.

 

بين الاكتفاء بالنجاة بالنفس والسعي إلى الحياة تتقلب مصائر "العبيد" وتتحدد العقبى. في واقعنا العربي تبقى مقولة "ليس بالإمكان أفضل مما كان" سيدة نفسها وتذكرة السفر الأرخص إلى عالم "العبودية" الحديث منه والقديم. انتظار الآخر لتحريرنا من ربقة الاستعباد والاستبداد دليل "دونية" ورُخْص في "مزادات الأحرار".

 

في ليبيا لا تزال مأساة سكان مدينة تورغاء الزنوج، التي تحولت لمدينة أشباح، بعد أن توزع من بقي من أبنائها على قيد الحياة على مخيمات اللجوء داخل "الدولة الليبية الجديدة". وفي موريتانيا لا يزال الحراطين يعانون من استعباد "البيضان" لهم كموروث اجتماعي يأبى مواكبة العصر بالرغم من بعض قوانين إلغاء الرق التي وصلت في العام 2015 إلى اعتبارها جرائم ضد الانسانية لا تسقط بالتقادم. قوانين لم تضمن للرقيق الحديث أية بدائل تقيهم الحاجة وتدفعهم للعودة إلى أحضان النخاسين والمالكين لرقابهم. أما بقية البلدان العربية فأسماؤها دائمة الحضور في مؤشر العبودية العالمي الذي يتزين ترتيبه بست دول عربية من بين العشرين التي تشهد الانتشار الأوسع للاستعباد في العالم سنة بعد أخرى.

 

تحاول الدول الغربية، وعلى رأسها فرنسا ماكرون تأسيا بفرنسا ساركوزي، الدفع باتجاه اتخاذ قرارات عملية لـ"تحرير" العبيد من العصابات الليبية التي تعرضهم في مزادات في وقت تعد فيه نفس الدول العدة لإعادة طالبي اللجوء، الهاربون من استعباد الأنظمة لهم، إلى أوطانها التي صارت بلدانا آمنة وليبيا واحدة منها في خرق واضح لكل الاتفاقيات الكفيلة للجوء. لقد صار اللاجئون عبئا ماليا "ثقيلا" يستخدم وقودا لحملات اليمين المتطرف عند كل اقتراع.

 

 ليس الأمر إذن إلا مقدمة مفضوحة لتبرير تدخل عسكري بديل عن الفشل الذي منيت به كل المخططات الدولية والإقليمية لتسليم ليبيا ل"عبد" طيع يقود البلاد وفق الأجندات المرسومة سلفا. الغريب في الأمر أن الجيران والأقران يعتقدون أنهم بمنأى عن المخططات تلك بمجرد تهليلهم للرغبة الفرنسية التي تحاول التخفي وراء قرار افريقي أو أممي. ينسى هؤلاء أنهم من جنس ليبيا وغيرها من دول التخلف من منظور غربي.

 

في فيلم (12 سنة من العبودية)، يصل براون وهاملتون إلى حيث يوجد سولمان نورثوب ليعرضا عليه العمل معهما في السيرك.

 

سولمان: السيرك؟

 

هاملتون: هذا هو مجال عملنا المعتاد. الشركة مقرها الحالي مدينة واشنطن.

 

براون: السيرك كلمة محدودة جدا لنصف بها الفرقة الموهوبة التي نسافر معها. إنه عرض لا يشبه أي شيء سبق ورأيته. مخلوقات من عمق افريقيا لم يسبق ورآها رجل عصري. بهلوانات من أعظم المتحكمين بأجسادهم في أغرب الحركات.


هاملتون: لو تمكنا من إقناعك بمرافقتنا إلى واشنطن.. سنمنحك دولارا عن كل يوم عمل وثلاث دولارات عن كل ليلة عزف بالعرض...

 

وتواصل مسلسل إقناع السيد سولمان نورثوب، البارع موسيقيا والأسود بشرة في أمريكا القرن الثامن عشر.. نسي سولمان أنه سليل تلك "المخلوقات الافريقية" الغريبة التي تحدث عنها السيدان الأبيضان دون أن يحرك فيه ذلك ساكنا. لقد ارتضى بما يوفره له الرجل الأبيض من "حرية" ما لبثوا أن سلبوها منه بعد أن باعاه لنخاسين متخصصين في الاختطاف والاستعباد. 

 

مكبل اليدين والرجلين وفي مواجهة النخاس في محبسه في انتظار تسفيره للجنوب الأمريكي حيث العبودية لا تزال قانونية، يواجه سولمان مصيره الجديد.

 

النخاس: حسنا يا فتي.. كيف حالك الآن؟

 

سولمان: اسمي سولمان نورثوب.. أنا رجل حر.. أقيم بساراتوجا حيث تقيم زوجتي وأطفالي وهم أحرار بدورهم، ولا تملك أدنى حق لتقييدي

 

النخاس: لست رجلا حرا..

 

سولمان: وأعدك في حال تحريري أن أثبت لك خطأ ما تقول.

 

النخاس: هيا! أثبت ذلك.. أرني وثائقك.. لست رجلا حرا ولست من ساراتوجا بل من جورجيا.. لست رجلا حرا.. أنت مجرد زنجي هارب من جورجيا.

 

يركعه مساعد النخاس الذي يبدأ في ضربه على ظهره بقوة.

 

النخاس: أنت عبد.. أنت عبد من جورجيا.. (يتوقف عن الضرب) أأنت عبد؟ 

 

سولمان: لا..

 

تستأنف عملية التعذيب قبل أن ينتهى المطاف بسولمان عبدا مملوكا لاثني عشرة سنة، في قصة واقعية، يحاول الأمريكان وغيرهم من دول الاستعمار تناسيها وتقديم نفسهم مخلصا للأمم المتخلفة من الاستعباد، والغاية ما هي إلا رغبة في تركيع الخارجين عن السرب وتسليمهم لمملوك يعينون قائدا فاتحا ثوريا.

 

ليبيا لن تكون إلا رقما افتتاحيا، ومن يظن أنه في مأمن فليراجع لائحة ما يعتبر اليوم أشكالا جديدة للعبودية الحديثة.

0
التعليقات (0)