قضايا وآراء

مشاريع التصفية

خلدون رفيق فحماوي
1300x600
1300x600

منذ مائة عام والقضية الفلسطينية تمر بمشاريع تصفوية عدة، حيث بدأ أول مشروع عملي عام 1917 عندما صدر وعد بلفور الذي لاقى رفضا عربيا وفلسطينيا، إلا أن القرار بقي قائما وبقيت الدعوة لإقامة وطن قومي لليهود قائمة، ويتم العمل عليها على قدم وساق رغم ما يثار في الشارع من مخاوف من هذا المشروع، حتى اعتاد الشعب الفلسطيني على عبارة " اليهود بدهم يعملوا وطن إلهم في فلسطين".


ترسخت هذه الفكرة بأذهان الناس، وبعدما كانت فكرة مرفوضا الحديث فيها والسماع بها، أصبحت أمرا واقعا ننتظر قيامه، مرت السنون وشعبنا ينتظر هذا المشروع ويقاومه، واحد وثلاثون عاما تخللها أكثر من 3 انتفاضات وثورتان وكلها كانت تنتهي بتخاذل عربي، وبعد 31 عاما تم الانتهاء من هذا المشروع، وأصبح أمرا واقعا وتم طرد الشعب الفلسطيني من أرضه وإعلان قيام دولة الكيان الإسرائيلي.


وبعد أن اتفق العرب على اللاءات الثلاث "لا صلح لا تفاوض لا اعتراف"، جاء موعد انعقاد المجلس الوطني الفلسطيني عام 1974 الذي طرح برنامج النقاط العشر، الذي يقضي بقبول قيام دولة فلسطينية على أي جزء يتحرر من فلسطين، وكان هذا البرنامج هو نقطة بداية التسوية السلمية التي قوبلت برفض واسع، وانشقاق فلسطيني فلسطيني عن منظمة التحرير حينها، وبعد أن كانت التسوية السلمية تعني خيانة أصبحت وجهة نظر، هذا القرار عاش 19 عاما تخللها 3 حروب؛ الحرب الأهلية اللبنانية، حرب اجتياح الليطاني عام 1978 وحرب اجتياح بيروت عام 1982، وانتفاضة واحدة وهي انتفاضة الحجارة التي استمرت ما يقارب 6 سنوات وانتهت باغتيال، حيث يعد أوسلو المشؤوم رصاصة اغتالت الانتفاضة، وليكون اتفاق اوسلو هو الصورة النهائية لبرنامج النقاط العشر، فتكرار الحديث عن التسوية جعلها مسألة خاضعة لنقاش.


ولنأت إلى القدس ووعد ترامب الذي يقضي بنقل السفارة الأمريكية لدى كيان الاحتلال إلى القدس، واعتبارها العاصمة الرسمية للكيان الإسرائيلي، فإذا ما تتبعنا هذا القرار نجد جذوره ممتدة منذ عام 1984 عندما وصل الرئيس الأمريكي ريجان سدة الحكم، حيث أقر الكونغرس بمشروع نقل السفارة الأمريكية من "تل أبيب" إلى القدس، ويقول الصحفي عبد الكريم يعقوب في مقالة كتبها عن تتبع تاريخ نقل السفارة الأمريكية إلى القدس: "في عام 1985 أضاف مجلس الشيوخ مشروع تعديلٍ على لائحة الأمن الديبلوماسي، ينصّ على أن بناء سفارة جديدة في "إسرائيل" يجب أن يكون في القدس فقط، لكنه لم يتم أيضا؛ وكانت لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس قد نظرت بالقرار رقم 352 الذي يوصي بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، غير أن اللائحة جُمّدت؛ وبعد تعديل قانون "هيلمز" في 1988 كان من شأن الكونغرس أن يفتح الطريق أمام إقرار بناء منشأتيْن دبلوماسيتيْن يتم بناؤهما بصورة متزامنة في تل أبيب والقدس، ويمكن لأي منهما أن تستخدم سفارة لأمريكا، وتترك للرئيس الأمريكي حرية القرار في هذا الشأن، وقد وقّع ريجان بعد عام اتفاقية مع "إسرائيل" بشأن شراء أراض في القدس لبناء ونقل السفارة عام 1996"، وفي عام 1995 تم في الكونغرس اقرار مشروع نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، إلى أن جاء ترامب اليوم وأخذ قرار التنفيذ، وحتى قرار التنفيذ سيأخذ وق، فقد أصدر أوامره بالبدء ببناء السفارة في القدس وهذا سيأخذ وقتا، من هنا نخلص إلى أن القضية الفلسطينية مرت بمشاريع تصفوية كثيرة -كما أسلفنا-، وتنتهي هذه المشاريع بالتنفيذ التام ولو بعد حين، ومن هنا نجد أن العدو يعتمد على أسلوب المراوغة ويراهن على عامل الزمن وعلى الصلابة، ومن التجربة وجد أن  المواقف العربية تمر بمراحل تبدأ بموقف صلب راسخ، ومن ثم تذهب نحو المرونة وطرح المسألة للنقاش، ومن ثم تذهب إلى الليونة والرضوخ، فالطريقة التي يعتمد عليها العدو هي ترويض الشارع، فالقدس التي كانت خطا أحمر اليوم يريد أن يجعلها مسألة مطروحة للنقاش، من هنا يثار لدينا أسئلة عدة متى سنؤمن، وننتهي من قضية اللدغ من الجحر ذاته عشرات المرات؟ وهل موجة الغضب العارم ستنتهي باغتيال كما تم اغتيال الثورات السابقة، وتكون المرحلة مرحلة ترويض؟ أم سيكون الأمر مخالفا.


قراءة في الواقع:


كلما ألقينا نظرة ودرسنا ميزان القوى بيننا وبين الكيان الإسرائيلي، نجد أن الهوة والفجوة تزداد في ظل تمزق وهوان عربي وإسلامي وتخاذل رسمي وتقاعص شعبي وانحطاط حزبي، وفي ظل هذا الهوان والانحطاط خرج علينا ترامب معلنا نقل سفارته إلى القدس للاعتراف بأنها عاصمة الكيان الإسرائيلي، وهنا ما المطلوب وكيف يمكن التصدي لهذه الإجراءات التهويدية أمام أقوى قوة في العالم الولايات المتحدة الأمريكية، في ظل هذه الظروف الصعبة والعصيبة؟ وللإجابة على هذا السؤال علينا فكفكة المعضلات المتمثلة بالواقع الرسمي العربي وواقع الفصائل الفلسطينية المرهقة والجماهير المروضة المجوعة.


ولنبدأ بالفصائل الفلسطينية التي أنهكها الحصار والانقسام والتنسيق الأمني والتدجين والمنافسة على الزعامة والمكاسب ومحاربة الأنظمة العربية لها، وتجفيف منابع تمويلها ووسمها بالإرهاب، وهذا الواقع المترهل لا يخول هذه الفصائل لأن تكون رأس حربة في حراك وطني يفتح معركة مع الاحتلال، الوحيد المعول عليه اليوم هو الشارع الفلسطيني الذي يمكنه إشعال انتفاضة شعبية كبرى، قادرة على التصدي لمشاريع تصفية القضية الفلسطينية وتهويد القدس، إلا أن هذا الشارع يحتاج لقادة في الميدان، قادرين على التأثير والتحريض ومن بعدها يمكن للفصائل أن تستثمر ذلك وأن تؤطره بشكل يخدم المشروع، هذا بالنسبة للشارع الفلسطيني في الوطن، أما الشتات فقد آن له أن يستفيق وأن يأخذ زمام المبادرة، وأن ينفض عنه غبار الانتكاس وينهض ليكون رافعة حقيقية للانتفاضة الفلسطينية، وأن يكون قادرا على صناعة مقومات الصمود للمنتفضين في داخل الوطن وإمدادهم بالمال والمشاريع الواقعية والحقيقية، التي تساعد في إبقاء جذوة الانتفاضة وفتح المعركة القانونية والسياسية في كل الساحات.


هذا على المستوى الفلسطيني، أما على المستوى العربي، فالنظام العربي منذ العام 1917 لغاية اليوم وهو في انحدار واندحار وانتحار، وهي أنظمة متنوعة أحدها يتسلق على فلسطين ليبقى، ونوع آخر يعيش متسولا على أبواب الأمريكان،ونوع يهرول ويحبو ويركض نحو التطبيع مع الكيان الإسرائيلي، والحل الوحيد مع هذه الأنظمة يحتاج إلى استنهاض الشعوب العربية واسترداد عافيتها، والنزول إلى الشوارع والميادين، وخلق المبادرات الحية والواقعية والقادرة على العيش لتعزيز صمود الشعب الفلسطيني، فعندما نطلب من الفلسطيني أن ينتفض علينا تأمين مقومات الصمود له، وهذا ما حصل في الانتفاضة الأولى التي استمرت سنوات قبل أن يغتالها أوسلو المشؤوم، والمسؤولية أيضا تقع على الأحزاب العربية والشخصيات الوطنية والإسلامية والقومية، فالمطلوب منهم اليوم تعزيز مكانة فلسطين في نفوس الشارع العربي، والتصدي لمحاولات تدجين الشعب العربي وترويضه على القبول بالتطبيع ونسيان فلسطين، وتصديق الادعاء الذي يقول، إن الفلسطيني باع أرضه ولماذا نحن متشبثون بها؟


اليوم وباختصار، القدس تحتاج إلى شعوب مؤمنة بعدالة القضية وتحتاج إلى استراتيجية وبرنامج تصدٍّ منهجي مدروس، واضح المعالم والأهداف، وواضح عمره وموعد قطاف ثماره، تكتمل فيه عناصر الانتصار، كما يتطلب الأمر تسخير المنظومات كافة، التي نمتلكها مهما صغر أو عظم حجمها عسكريا وسياسيا وإعلاميا وجماهيريا، وإلا فوعد ترامب سيصبح أمرا واقعا، والنار تأكل نفسها.




3
التعليقات (3)
فادية ابو سيدو
الأحد، 17-12-2017 11:48 ص
بحبك هي خلدون
عاصف أحمد مهارش الزيناتي
الجمعة، 15-12-2017 11:20 م
لك كل احترام وتقدير. ....
فارس فحماوي
الجمعة، 15-12-2017 03:01 م
المقاومه والجهاد والنضال أولوياتنا وتحرير فلسطين التاريخيه و العودة الطريق إلى النصر والتحرير لكامل فلسطين