مقالات مختارة

النكبة العربية الإسلامية الثانية

حبيب راشدين
1300x600
1300x600

حُقَّ لرئيس وزراء الكيان الصهيوني أن يسخر من البيان الختامي لقمة منظمة التعاون الإسلامي والقول إنه "ليس منبهرا"، كما حُقَّ لصحيفة "اندبندنت" البريطانية القول "إن منظمة التعاون الإسلامي لم تعد قوة عالمية" لأن جبل القمة الاستثنائية التي دعا إليها أردوغان قد تمخَّض عن فأر، في شكل إعلان بلا مخالب، أسَّس مثل بيان الجامعة العربية لمسار خطير اسمه "الدولة الفلسطينية على حدود 1967".

إلى غاية إعلان "مبادرة السلام العربية" سنة 2002 في قمة بيروت، كان مسار أوسلو مقيَّدا بموقف أغلبيةٍ فلسطينية معارِضة ممانعة، وبكتلة إسلامية صامتة، لم تكن قد تورطت بعد في مسار التنازل، كما حصل في القمة الأخيرة لمنظمة التعاون الإسلامي التي تكون قد أعلنت اعترافا إسلاميا واسعا بالكيان الصهيوني، لا تنازعه سوى في نصف المدينة المقدسة.

وكيفما كانت تأويلات المتملقين لعبارات بيان القمة، فإنها تعلن استعدادا إسلاميا للقبول بالمبادرة العربية التي رفضها الكيان، وتريد أن تشغل المسلمين بمسار دبلوماسي طويل وغير آمن لقيام "دويلة فلسطينية" وعاصمتها "القدس الشرقية" ملغمة بألف مستعمَرة صهيونية.

هذه المجموعة التي تشكِّل أكثر من رُبع دول العالم، ومثله من سكانه، وثالث الدخل القومي العالمي، وأول قوة عسكرية يزيد تعداد جيوشها عن 4,5 مليون مجند محترف عاطل، هي اليوم ضحية لنخبها الحاكمة الخائنة التي نراها تنفق المليارات في حرب غربية على الإسلام تحت عنوان كاذب اسمه "الحرب على الإرهاب"، وقد عجزت عن إقناع دولةٍ عربية تمارس الحصار القاتل على غزة منذ عقد.

وإذا كان وعد بلفور (1917) قد مهَّد لقيام الكيان منذ قرن، وقرار مجلس الأمن (1947) قد أسس الكيان وأضفى عليه "الشرعية" الدولية، وقرار 242 (سنة 1967) قد منح "الشرعية" للاستيطان ولتهويد القدس، فإن بيان كل من الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي قد أسَّس لتنازل النخب الإسلامية الحاكمة عن فلسطين التاريخية، ووضع حدودا قصوى لطموحات الأجيال القادمة من الفلسطينيين لا تتجاوز أراضي حدود 1967 مع السكوت عن ملفَّي المستوطنات وحق العودة.

أخطر ما يترتب عن هذه القمة الإسلامية أنها تحمل توقيع أغلبية الدول العربية والإسلامية: "المعتدل" منها والممانِع، المحسوب على المعسكر الأمريكي الصهيوني، كما الذي صنف نفسه في خانة المقاومة والممانعة، وقد توافق الجميع على الرضا بقيام دويلةٍ فلسطينية على ثلاثة أرباع الحصة التي كانت ستعود للفلسطينيين بموجب قرار التقسيم الصادر عن مجلس الأمن سنة 1947، وحاصر طموحات الأجيال القادمة من الفلسطينيين بحدود هي أصلا خط وقف إطلاق النار لما وُصف بـ"النكبة" التي كان جيلها قد حافظ على الأقل على القدس الشرقية والأقصى، مع رفض الاعتراف بالكيان والتطبيع معه.

وحتى صدور هذا البيان، ومن قبل مبادرة الملك عبد الله، كان ما وُصف بـ"النكبة" محض معركة خسرها العرب والمسلمون، كما كانت خسارة القدس سنة 1967 معركة أخرى خسرها العرب والمسلمون، لا تختلف عن سقوط بغداد والشام بأيدي التتار، قبل أن يظهر قائدٌ مسلم اسمه "قطز" حسم الحرب في معركة واحدة في عين جالوت، وقد خسر المسلمون في الجزائر عشرات المعارك مع المحتل الفرنسي، لكنهم كسبوا الحرب في النهاية بعد نضال ومعارك استمرت قرناً وثلث قرن.

 

الشروق الجزائرية

0
التعليقات (0)

خبر عاجل