ملفات وتقارير

هل تنجح شكوى السودان في وقف اتفاقية الحدود المصرية السعودية؟

محلل سياسي فسر شكوى السودان على أنها "محاولة إثبات موقف أمام الداخل السوداني"- جيتي
محلل سياسي فسر شكوى السودان على أنها "محاولة إثبات موقف أمام الداخل السوداني"- جيتي

تقدمت السودان بشكوى للأمم المتحدة تعارض فيها اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية، مؤكدة أن فيها تعد كبير على حقوقها المائية مقابل مثلث حلايب وشلاتين المتنازع عليه مع مصر، وأن الاتفاقية تعني تبعية مثلث حلايب لمصر.


الاتفاقية التي وقعتها مصر والسعودية في 8 نيسان/ أبريل 2016، والتي ترتب عليها تنازل مصري عن جزيرتي تيران وصنافير للمملكة، لاقت رفضا شديدا من المصريين، لينضم السودان مؤخرا إلى قائمة الرافضين للاتفاقية.


وزارة الخارجية السودانية، أكدت بخطاب رسمي للمنظمة الدولية في 5 كانون الأول/ ديسمبر الجاري، كشف عنه إعلاميا الأربعاء، رفضها ما ورد باتفاق تعيين الحدود البحرية المصرية، بما يشمل إحداثيات لنقاط بحرية تعتبر جزءا لا يتجزأ من الحدود البحرية مثلث حلايب، مؤكدة عدم اعتراف الخرطوم بأي أثر قانوني ينتج عن الاتفاق.


الخرطوم، أكدت أن وزير خارجيتها إبراهيم غندور، كان قد طالب، وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، والمصري سامح شكري بخطابين منفصلين رسميا في 21 نسيان/ أبريل 2016، وعقب توقيع الاتفاقية بأيام بموافاة بلاده بنص الاتفاق إلا أن الرياض والقاهرة لم تردان على طلب الخرطوم، حتى الآن.


وتأزمت العلاقات المصرية السودانية على خلفية النزاع بين الجارتين حول أحقية كليهما في مثلث حلايب جنوب شرق مصر وشمال شرق السودان.


كيد مصري سوداني


ويمتلك كلا الطرفين المصري والسوداني أوراق قوة بمواجهة الآخر، حيث تلعب القاهرة بملف جنوب السودان وتقدم الدعم لحكومة جوبا، ومؤخرا تمكنت المخابرات المصرية من التوفيق بين فرقاء الحركة الشعبية لتحرير السودان، كما أن الخرطوم تتهم القاهرة بدعم المعارضة السودانية ضد نظام الرئيس عمر البشير، وهو ما تنفيه القاهرة.


وتواصل مصر الضغط على السودان في منطقة حلايب وشلاتين وتتهم الأخيرة الأولى بعمليات تمصير حلايب، حيث أعلنت مصر الشهر الجاري عن إنشاء سد كبير في منطقة شلاتين، لتخزين 7 ملايين متر مكعب من مياه السيول.


أما السودان فيقوم بالضغط على مصر بملف المياه بالتوافق فيه مع إثيوبيا، حيث أعلنت الخرطوم مرارا أنها مع بناء سد النهضة على خلاف رغبة المصريين، كما أنها نحت جانبا أديس أبابا بشأن الدراسات الفنية للسد ما دفع مصر بعد 17 جولة مباحثات ثلاثية لإعلان فشل المفاوضات.


ولم تنجح الشقيقتان في توفيق مواقفهما بمواجهة إثيوبيا، رغم أنهما دولتا مصب، وتنص الاتفاقيات التاريخية على حقوقهما الثابتة في مياه النيل، والشهر الماضي، طالبت السودان بحصتها كاملة في مياه النيل معلنة رغبتها في طلب التعويض من مصر عما كانت تأخذه من حصة السودان منذ 1959.

 

اقرأ أيضا: وثائقي للجزيرة من "حلايب" رغم حظرها في مصر .. هذا ما سيكشفه


وحول العلاقات السودانية السعودية، فرغم أن السودان يشارك بقوات عسكرية إلى جانب التحالف الذي تقوده السعودية لمحاربة الحوثيين في اليمن؛ إلا أنه بدا مؤخرا تضارب توجهات البلدين إثر التصعيد الأخير بين الرياض وطهران الذي قابله الرئيس السوداني عمر البشير بالدعوة لتغليب الحكمة وحل الخلافات بالحوار.


مع تزايد الخسائر البشرية بالقوات السودانية في اليمن، تواصلت الضغوط الداخلية على الحكومة السودانية لسحب قواتها من هناك، وخاصة أنه في الوقت الذي لم يشارك فيه السيسي بجنود في اليمن حصل على دعم مالي سعودي وإماراتي فيما لم تحصل الخرطوم على أية أموال.


هذا إلى جانب طلب البشير من روسيا إقامة قاعدة عسكرية في ساحل البحر الأحمر من أجل حماية السودان، ما قد يزعج المملكة القريبة جدا من الولايات المتحدة، ومصر التي منحت هي الأخرى روسيا قاعدة عسكرية في شمال غرب البلاد.

 

اقرأ أيضا: الخرطوم ستنقل ملف الحدود بين مصر والسعودية للتحكيم الدولي


ويرى الناشط السوداني أحمد زومبا، أن الرد السوداني على توقيع الرياض والقاهرة تلك الاتفاقية دون الخرطوم، يجب أن يكون بسحب جنودها في اليمن والتوقيع على اتفاقية عنتيبي، وقال زوما عبر صفحته في "فيسبوك": "بدل ما تشتكي السعودية ومصر لأنهم تجاوزوك في رسم حدودهم؛ اسحب جنودك المشغلهم كمرتزقة في اليمن، ووقع على اتفاقية عنتيبي وخلي النيل يقف في عطبرة".


وأشار الصحفي السوداني حسام إبراهيم، إلى أن الأزمة انتقلت إلى الشعبين المصري والسوداني، وقال عبر صفحته في "فيسبوك": "شباب وشابات من السودان ومصر؛ يتبادلون أقذع الشتائم، والكل يتفاخر بما عنده وأن الآخر سيء وحقير ومتكبر ومتخلف وخائن".


وأضاف أن "كل هذا بينما حكوماتنا تمارس الفشل باقتدار وبراعة"، داعيا لوجود "صوت عاقل ينبه شباب البلدين أن تحديات الفقر والجهل والمرض أدعى لمواجهتها بدلا من هذه الشحنات السلبية".

 

هل تُجمد الاتفاقية؟


وفي تعليقه، على شكوى السودان، أكد مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق الدكتور عبدالله الأشعل، أن الأمر "شغل سياسي ومناكفات ومداعبات لا علاقة لها بالخلاف على الحدود بحلايب، وأن الأمر لن يتعدى مجرد ضغط سوداني على مصر بهذا الملف"، مضيفا أن "هناك ملفات أخرى بين النظامين العسكريين بمصر والسودان".


وحول سلوك الخرطوم في المسلك الدولي مع مصر رسميا، وبالتحديد في المياه الإقليمية أمام حلايب، قبل مطالبتها بحصتها كاملة من النيل وبحقها في حلايب نفسها، أوضح السفير الأشعل، أنه "إذا سويت الملفات الأخرى بين النظامين تغلق كل تلك الملفات".


وفي سؤال حول إمكانية قبول الأمم المتحدة شكوى السودان، واعتبار ذلك فرصة للتخلص من الاتفاقية التي انتقلت على إثرها "تيران وصنافير" للمملكة أكد الأشعل أن "السودان من حقه الشكوى وطلب مناقشتها بالأمم المتحدة".


وأوضح أنه "لا توجد فعليا أجهزة تختص بمثل هذه الدعوى بالمنظمة الدولية"، مستدركا قوله: "لكن من حق السودان طلب جلسة طارئة لمجلس الأمن إذا وافقت دوله الأعضاء لعرض الشكوى".

وبين أن الأمم المتحدة بكل الأحوال وحسب الوثائق السودانية المرفقة بالشكوى ليس لديها الإمكانية أن تصدر قرارا بوقف العمل باتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية.


ورأى الأشعل أن "الشكوى ليست فرصة للمعارضة المصرية للتخلص من الاتفاقية"، قائلا: "هذا يصح لو لم يكن النظام نفسه متورطا في صفقة الجزر"، منتقدا تحول الأزمة بين البلدين لتأخذ منحى آخر وهو "التلاسن" الشعبي عبر مواقع التواصل الاجتماعي.


مزايدة على مصر ولفت انتباه للسعودية


أستاذ العلوم السياسية الدكتور بدر شافعي، فسر شكوى السودان على أنها "تحاول إثبات موقف أمام الداخل السوداني؛ وخاصة أن شكواها تأخرت كثيرا عن وقت توقيع الاتفاقية بين مصر والسعودية الذي تم قبل أكثر من سنة ونصف".


وأشار شافعي لـ"عربي21" إلى أن "وزير الخارجية السوداني، هنأ الدوليتن على الاتفاق أثناء تواجدهم بإسطنبول نيسان/ أبريل 2016"، مضيفا أن "إعلان السودان الآن عن شكواه لا يخرج عن كونه حالة من المزايدة وإثبات موقف أمام الرأي العام السوداني".


الخبير بالشؤون الأفريقية، أضاف أن "السودان تعلل بأنه طلب من القاهرة والرياض توضيحا، ولكن بعد تعثر الرد السعودي كان من الممكن أن يقدم هذه الشكوى مبكرا"، معتبرا أن "التأخير يعني أن الأمر لم يكن ملحا رغم أنه مرتبط بالسيادة والحدود".


وفي الجانب الآخر للشكوى، نوه شافعي إلى "الخلافات السعودية السودانية وخاصة فيما يتعلق بـ(حصار قطر) وما يتردد عن رغبة السودان الخروج من مستنقع اليمن بحجة أنه لم يستفيد شيء وحسب ما يتردد فإن أكثر جنود السودان هم من سقطوا باليمن، وفي المقابل حصلت مصر على المليارات دون قتال".


ويعتقد شافعي أن "الموقف السوداني قد يكون احتجاجي ضد السعودية ومحاولة للفت انتباهها"، مضيفا أنه "والغريب أن الرياض وقت وقعت الاتفاقية مع القاهرة كانت علاقاتها وطيدة بالخرطوم".


من جهته، اعتذر موظف الخدمة الخارجية لدى وزارة الخارجية السودانية مدى الفاتح، التعليق لـ "عربي21" حول الموضوع، قائلا إن "بعض الموضوعات لا أخوض فيها حاليا وهذا من بينها".

0
التعليقات (0)