كتاب عربي 21

حصاد عملية الكرامة من "سي فرج" إلى "خريبيش"

السنوسي بسيكري
1300x600
1300x600

ناقشت دوافع عملية الكرامة منذ الأيام الأولى لإطلاقها، وكان التركيز على عنصرين أساسيين في النقاش أولهما أن ظاهرة الاغتيالات التي شهدتها مدينة بنغازي خلال الأعوام 2012-2014 تتطلب جهدا تضامنيا يجمع بين الحكمة والقوة في التصدي لها، وثانيهما أن مقاربة عملية الكرامة لخطر الاغتيالات والتفجيرات مفخخ وستكون نتائجها أخطر، وأنه استغلال للحدث لغرض سياسي بات كثير من أنصار عملية الكرامة مقتنعون به اليوم.

 

تبين بكل جلاء أن الغرض الأساسي لإطلاق عملية الكرامة سياسي من أول هجوم للقوة التابعة لحفتر يوم 14 مايو 2014، والذي استهدف معسكرات لكتائب لم يعرف عنها تطرف ولا تشدد، بل ذاع صيتها من خلال الدور الذي لعبته في فرض الأمن والاستقرار في مناطق عدة خاصة في الجنوب، وعلى رأس تلك الكتائب التي استهدفها هجوم قوات الكرامة الأول سرية مالك التابعة لكتيبة عمر المختار.

 

بالقطع تفاعلت جموع غفيرة مع نداءات حفتر وشعاراته، والأسباب معلومة تتلخص في تراكم الخوف والهلع جراء الأمن المنفلت والذي كان أبرز مظاهره سلسلة الاغتيالات المخيفة، في مقابل شلل تمام وغياب أي مسعى فعال لمواجهة هذا الخطر المرعب.

 

وإذا أضفنا إلى هذا الرعب طريقة تعامل العديد من الثوار مع المستجدات الجديدة بعد إطلاق عملية الكرامة، بداية من الموقف السلبي من الجيش ومرورا بعجزهم عن لعب دور حيوي في مواجهة الانفلات الأمني في المدينة وصولا إلى فسح المجال لعناصر متشددة  لتقاتل تحت راية مجلس شورى بنغازي، لم يكن من العسير إقناع الجموع التي كانت تبحث عن مخرج من الظلام الحالك الذي خيم على بنغازي بأنهم إرهابيون ومتطرفون.

 

حالة الرعب التي استولت على القلوب وشلت العقول، ثم بروز "المخلص" الذي توفر له دعم خارجي عجزت الدولة الليبية ممثلة في مؤسساتها التنفيذية عن توفيره، شكلا وقودا حيويا لعملية الكرامة للانطلاق نحو الغاية السياسية متوسلة الشعارين اللذين سبق الإشارة إليها وهما : الحرب على الإرهاب، وتأسيس الجيش.

 

بانتهاء المعارك في حي "خريبيش" القديم وسط مدينة بنغازي، كما تم الإعلان أول من أمس، وبالنظر إلى نتائج عملية الكرامة اليوم، يتجلى أكثر الهدف الرئيسي من العملية.

 

فالجدل كبير جدا اليوم حول طريقة تأسيس الجيش ومشروعية ممارساته وولائه لقائده، أيضا كشفت الأحداث التي شهدتها مدينة بنغازي منذ أشهر بأن الغالبية العظمى التي انضوت تحت مسمى الجيش هم كتائب ومجموعات غير مسؤولة بل إجرامية وتشكل اليوم أبرز أسباب الوضع الأمني المقلق.

 

أما شعار الحرب على الإرهاب، فقد تبين أنه ورقة سياسية، فإرهابيوا درنة قطعوا نحو 600 كم في الصحراء ولم تعترضهم طائرة، وعناصر تنظيم الدولة في بنغازي خرجوا بطريقة مفضوحة جعلت قادة محاور الجيش أنفسهم يشككون في إدارة حفتر للحرب ويطالبون بالتحقيق في القضية، ناهيك عن شواهد عديدة حول تورط مراكز قوة في الجيش في سلسلة اغتيالات لم تتوقف إلى اليوم.

 

الأهم هو أن حفتر اليوم يتجهز لكرسي الحكم عبر الانتخابات متخطيا كل الشعارات التي أطلقها، بعد أن صرح مرارا في الأيام والأسابيع والأشهر الأولى لعملية الكرامة بأن السلطة ليس من تطلعاته والحكم ليس من غاياته، وهو موقف تستدعيه العملية في بداياتها.

 

الحرب على الإرهاب في بنغازي التي كانت كلفتها كارثية بكل المقاييس استمرت نحو أربع سنوات برغم أن الإرهاب الأكبر المتمثل في تنظيم الدولة في سرت انتهى في 7 أشهر فقط، وفيما كلفت الحرب بنغازي ومدن برقة عشرات الآلاف من القتلى والجرحى، لم يتعد الرقم 700 قتيل وثلاث آلاف جريح في حرب سرت، ولا مقارنة بين الدمار في العمران أو التمزق في النسيج الاجتماعي.

 

ولاحظ معي أن نهاية الحرب في بنغازي تزامنت مع قرار حفتر التخلي عن القوة العسكرية والتعويل على المسار السلمي والانتخابات لتحقيق غايته الأساسية، بمعنى أن الحرب المشتعلة كانت بمثابة وقود لمعركة سياسية يديرها حفتر على الجبهتين المحلية والدولية، وورقة للضغط للاقتراب من الغاية الأساسية لإطلاق عملية الكرامة وهي كرسي الحكم.

 

بدأ حفتر مغامرته السياسية للوصول للحكم في طرابلس بإعلانه الانقلاب على السلطة المنتخبة في فبراير 2014، ولما فشلت خطته انتقل إلى بنغازي وشن حربه للغرض ذاته، وسينشغل حفتر في صراعه السياسي للوصول لغايته وستظل بنغازي تحمل العبئ الكبير والخطير لتلك الحرب إلى أجل غير مسمى.

التعليقات (0)