بورتريه

من سرق "احتجاجات إيران".. ولماذا تبرأ الإصلاحيون منها؟

احتجاجات إيران
احتجاجات إيران
في مقابل الاحتجاجات التي خرجت ضد الفقر والأوضاع الاقتصادية وإنفاق أموال الشعب الإيراني على الحروب بالوكالة في الشرق الأوسط، شهدت المدن الإيرانية مسيرات مؤيدة للنظام وللحكومة، بعد يوم من دعوات وجهها رجال دين ومسؤولون للخروج في مظاهرات مضادة، لتلك التي تحمل " شعارات سياسية"، كما وصفها الموالون.

المظاهرات المضادة انجرفت أيضا نحو السياسة لكنها سياسة شعارات "الموت الثلاث": "الموت لأمريكا"، و"الموت لإسرائيل" و"الموت لمثيري الفتنة"، معتبرين أن ما حصل من احتجاجات "أعمال شغب" و"فتنة" وأن المحتجين "أتباع الشيطان الأكبر"، والشيطان الأكبر في الأدبيات الإيرانية هو الولايات المتحدة.

وذهب رئيس المجلس التنسيقي للإعلام في طهران، محسن محمودي، إلى وصف التظاهرات الموالية للحكومة بأنها "ملحمة ثورية تنهي جميع ممارسات الشغب التي حدثت خلال الأيام الأخيرة".

وتغري الأحداث التي تشهدها إيران حاليا بالمقارنة والمقاربة مع الحركة الأكبر التي شهدتها البلاد ضمن ما عرف ب "الحركة الخضراء" وهي موجة احتجاجات عاشتها إيران على مدى شهور إثر إعلان  فوز الرئيس الإيراني المحافظ محمود أحمدي نجاد في الانتخابات الرئاسية في عام 2009 على حساب مرشح المعارضة مير حسين الموسوي.

وكانت تلك الأحداث، أكبر أزمة داخلية تشهدها البلاد منذ قيام الثورة الإيرانية بقيادة الإمام الخميني عام 1979.

وحشدت المعارضة في شوارع طهران قرابة خمسة ملايين متظاهر رفعوا "الشعارات الخضراء" (ومن هنا جاء وصف حركتهم) من تلوين الكف إلى ربطة العنق وأسورة السواعد والرايات، وهتفوا بشعاريْ: "أين صوتي؟" و"من سرق صوتي أيها الدكتاتور؟"، متهمين السلطات بتزوير الانتخابات لصالح نجاد.

وردت السلطات بنفي تهمة التزوير، ودشنت حملة اعتقالات واسعة شملت في بدايتها قيادات الحركة الإصلاحية، بينهم صحفيون ونشطاء ومحامون وسياسيون مؤيدون للإصلاح زهراء إشراقي حفيدة الخميني.

وإلى جانب موسوي، تصدر صفوف "الحركة الخضراء" مهدي كروبي القادم من صفوف "اليسار الإسلامي"، والذي مثل خط الإصلاح الذي انتهجه الرئيس السابق محمد خاتمي وجر وراءه معظم جماهير الإصلاح، فضلا عن منحه الحركة بُعدا دينية مهما باعتباره رجل دين معمما ومقربا من مؤسس الجمهورية الإسلامية في إيران الخميني، الذي اختاره عام 1989 ضمن لجنة مراجعة الدستور.

ورغم فرض الإقامة الجبرية المنزلية على موسوي ،الذي كان يوما وزيرا للخارجية ثم رئيسا للوزراء إبان الحرب العراقية الإيرانية ما بين عامي 1980و1988، وعلى كروبي، فإنهما لم يقدما للمحاكمة رسميا أو حتى توجه إليهما تهم واضحة ومحددة.

وأعلن المتحدث باسم السلطة القضائية الإيرانية غلام حسين محسني ايجئي في أيلول / سبتمبر الماضي أن الإقامة الجبرية ضد قادة "الحركة الخضراء" مهدي كروبي ومير حسين موسوي وزوجته زهراء رهنورد، ستستمر وفقا لقرار المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني.

ويتهم محللون وسياسيون "الحركة الخضراء" بأنها لم تقدم أفكارا واضحة كما تفعل عادة الحركات السياسية الاحتجاجية "الناضجة"، بل رفعت مطالبها قبل أن تُبلور أفكارها بشكل منظم حيث تلخصت في البداية في مطلبين رئيسيين، هما:إعادة النظر في نتائج الانتخابات الرئاسية لعام 2009،  وضرورة البقاء في الشارع حتى تحقيق هذا المطلب.

ومع مرور الوقت فهم موسوي وكروبي وجمهور "الحركة الخضراء" أن لا فائدة من التمسك بمثل هذه المطالب، فأحمدي نجاد أصبح رئيسا لولاية ثانية بمباركة المرشد الأعلى خامنئي ومؤسسات النظام كافة العسكرية منها والدستورية.

وترك تغييب قادة "الحركة الخضراء" بالاحتجاز آثارا سلبية عميقة على وضعها شعبيا وسياسيا، وخضع الخطاب السياسي ل"الحركة الخضراء" بشقيه الشعبي والنخبوي لما يمكن تسميته بـ"موسمية الأحداث"، فكانت الحركة تنتظر حدثًا ما لتعيد تقديم نفسها وتقييم حجمها في الشارع. وبمرور الزمن فقدت الحركة حيوية الحضور الدائم والقدرة على المبادرة والخروج من مصيدة "ردة الفعل".

ويرى المراقبون أن "الحركة الخضراء" دخلت منذ احتجاز زعيمها موسوي بفرض الإقامة الجبرية عليه في منزله  في حالة أشبه ب"الغيبوبة"، فلم تعد بسبب ذلك قادرة على التواصل مع زعيمها ولا إنتاج قيادة جيدة تتجاوز موسوي وتؤسس لمرحلة جديدة، مما ادى إلى تجريف واضمحلال هذا التيار.

ورغم أن الرئيس الإيراني حسن روحاني من التيار الإصلاحي ويحظى بدعم الإصلاحيين الذين يشاركون في حكومته إلا أنه لا يسير على نهج خاتمي - كروبي - مير موسوي، وإنما هو وسطي معتدل من داخل النظام، ولا يعارضه جذريا، ولا يخرج عليه، ولا يعترض على ثنائية الثورة - الدولة في إيران.

وكما نجحت السلطة مع "الحركة الخضراء" بالدفع بالموالين لها إلى الشارع في مواجهة المعارضين، فهي استنسخت التجربة مع مظاهرات الأيام الماضية، ولم يكن إعلان قائد "الحرس الثوري الإيراني" الجنرال محمد علي جعفري قبل أيام  "انتهاء الفتنة"، في إشارة إلى الاحتجاجات ضد السلطة في إيران، سوى رسائل تقول أن "الحرس الثوري" و" الباسيج" لن تنتظر طويلا للتدخل.

وقال جعفري، في تصريحات نشرها الموقع الإلكتروني لـ"الحرس الثوري": "في الفتنة هذه، لم يتجاوز عدد الذين تجمعوا في مكان واحد 1500 شخص، ولم يتجاوز عدد مثيري الاضطرابات 15 ألف شخص في كل أنحاء البلاد".

وأضاف أن "عددا كبيرا من مثيري الاضطرابات في وسط الفتنة، ممن تلقوا تدريبا من أعداء للثورة... تم اعتقالهم، وستتخذ بحقهم تدابير صارمة".

وحملت هتافات المتظاهرين الأخيرة مطالب ربطت بين الوضع الاقتصادي المتردي والفقر والبطالة وبين الأموال الطائلة التي تنفقها الحكومة الإيرانية في الحروب بالوكالة التي تقودها في الشرق الأوسط.

وبحسب مقاطع الفيديو التي نشرها نشطاء عبر مواقع التواصل الاجتماعي، فقد نادى المتظاهرون بالخروج من سوريا وغزة ولبنان، والاهتمام بمطالب الشعب الإيراني بالنظر إلى تأزم الوضع الاجتماعي وما يعانيه الإيرانيون من تهميش وبطالة وفقر.

وبحسب  صحيفة "لاستامبا" الإيطالية فإن البنوك الإيرانية المملوكة للدولة أقامت خطوط ائتمان لحكومة بشار الأسد  بقيمة 3.6 مليار دولار في عام 2013 ومليار دولار في عام 2015، للسماح  لدمشق بشراء النفط  والغاز والسلع الأخرى من إيران.

وأضافت الصحيفة أن قيمة رواتب المقاتلين الشيعة، خاصة الأفغان والعراقيين، بلغت 180 مليون دولار في العام الواحد، حيث يبلغ مرتب الجندي الواحد 300 دولار في الشهر.

 كما تتكبد الحكومة الإيرانية أيضا نفقات التدريب والشحن والنقل، فضلا عن مصاريف عائلات المقاتلين الذين لقوا حتفهم خلال الحرب في سوريا.

واعتبرت الصحيفة "حزب الله" اللبناني أكثر منظمة حظيت بدعم إيران. فمنذ تأسيسه خلال الثمانينات، قدمت طهران أموالا طائلة ل"حزب الله" لتوحيد صفوف الشيعة في لبنان. وتراوحت قيمة المساعدات المالية التي تقدمها إيران ل"حزب الله "بين 60 مليون دولار ومليار دولار في السنة،  ويأتي هذا الدعم في شكل أسلحة وذخائر يتم إرسالها في نهاية المطاف إلى سوريا والعراق.

وأضافت الصحيفة أن مليشيات الحوثيين تحظى أيضا بدعم إيران و"حزب الله" اللبناني وذلك من خلال تزويدها بالصواريخ والأسلحة والأموال.

وأوردت الصحيفة أن قيمة الإمدادات المالية التي تضخها إيران إلى " حماس" في قطاع غزة بلغت حوالي 100 مليون دولار سنويا، وهو دعم شهد انخفاضا خلال الآونة الأخيرة. أما حركة "الجهاد الإسلامي" في غزة، فتتمتع بمساعدات مالية بقيمة 70 مليون دولار في السنة.

وكانت الخلاصة التي خرجت بها مظاهرات إيران الأخيرة أن الشعب الإيراني يعاني من الفقر والبطالة، في الوقت الذي تُصرف فيه "أموال الشعب على الصراعات الإقليمية التي تمولها طهران من خزينة الدولة".

وكما اندلعت المظاهرات بشكل مفاجئ فقد ركنت إلى الهدوء مجددا دون ضجيج، رغم مطالبها التي بدت للكثيرين بأنها محقة، كما أكد الرئيس روحاني مطالبا بضرورة الالتفات إلى مطالب المواطنين بشأن مشاكل المعيشة، مشيرا إلى أن المتظاهرين ليسوا جميعهم مدعومين من الخارج، وفق قوله.

ورفع بيان الحركة الإصلاحية في إيران بعض الشرعية عن المظاهرات حين ندد الإصلاحيون برئاسة الرئيس الأسبق محمد خاتمي، بالاحتجاجات ووصفوها بأنها "خداع كبير" تمارسه الولايات المتحدة، عبر إعلان تأييدها المظاهرات.

وقال الإصلاحيون في بيان لهم، إن "مثيري الاضطرابات استغلوا التجمعات والاحتجاجات السلمية لتدمير الممتلكات العامة، وإهانة القيم الدينية والوطنية المقدسة".

وأضاف البيان أن "اعداء الشعب الإيراني اللدودين وفي مقدمهم الولايات المتحدة وعملاؤها (...) يدعمون ويشجعون مثيري الاضطرابات والأعمال العنيفة، ما يثبت الخداع الكبير لأولئك الذين يدعون الدفاع عن الديموقراطية والشعب الإيراني".

إذا من سرق وأجهض مظاهرات 2018 ، وحولها إلى حركة شغب وإضطرابات؟! ، ربما تصريحات الرئيس الأمريكي والاندفاع المكشوف لبعض وسائل الإعلام العربية زادت من الشكوك حول الجهة التي تقف خلف المظاهرات التي لا تزال حتى اللحظة دون قيادة او مشروع سياسي واضح.
التعليقات (0)
الأكثر قراءة اليوم