صحافة إسرائيلية

هذه مؤشرات الإحباط الإسرائيلي تجاه المقاومة الفلسطينية

الجيش الإسرائيلي - ا ف ب
الجيش الإسرائيلي - ا ف ب

شكل استمرار المواجهات التي خاضها الجيش الإسرائيلي أمام المقاومة الفلسطينية، وما واكبها من إخفاقات عديدة جرى الحديث عنها، دليلا على فشل ذريع لإستراتيجيته العسكرية في مواجهة "الأعداء".

واعتقد الكثير من الجنرالات أن استمرار هذه المواجهات بين عام وآخر سيضعف قدرات الجيش على مواكبة تطوير نفسه، وساعدت على تهشيم بنية الردع العسكري، وإحباط نظرية الأمن، وإحلال مفهوم المجتمع المذعور محلها، خاصة في ظلّ انتهاج "الأعداء" لأسلوب الضرب لكل هدف وفي كل مكان، ما شكل في النهاية فقدان الأسلحة التقليدية من وسائل الهجوم والردع قيمتها أو تكاد. 

ويرى هؤلاء الجنرالات أن الصاروخ المطور بمعونة أمريكية قد يهدد عاصمة عربية أو تدمير قاعدة عسكرية لجيش نظامي، لكنه لا يستطيع إلقاء القبض على مقاوم يقتحم مستوطنة، أو استشهادي تسلل إلى حافلة، وتجلى الاعتراف الإسرائيلي بفشل القضاء على "الأعداء"، في الداخل والخارج، عبر أقوال الجنرالات والمسؤولين السياسيين، ومنها:

وزير الدفاع السابق موشيه يعلون، الملقب بـ"مهندس سياسة القبضة الحديدية في مواجهة الانتفاضة"، أكد أن الجيش لن يكون بمقدوره وضع حدّ نهائي للمقاومة بوسائل القوة، وإن أفضل سبيل للخروج من المأزق الأمني الذي تتواجد فيه "إسرائيل" هو التوجه بسلسلة من التسهيلات للفلسطينيين، فضلا عن البحث عن سبل آفاق سياسية جديدة، بل إنه لم يكتفِ بإبداء هذه الملاحظات، بل وصف السياسة الأمنية التي كلفته الحكومة بتطبيقها بـ"الكارثية".

تكمن أهمية هذه التصريحات، فضلا عن كونها إقرارا بعجز القوة الإسرائيلية في القضاء على المقاومة، أنها تصدر عن أكبر مرجعية عسكرية، وتحديدا عن الشخص الذي رفع شعار "ما لم يأتِ بالقوة، يأتي بمزيد من القوة" في مواجهة المقاومة.

وزير الدفاع الأسبق، شاؤول موفاز، اعترف خلال اجتماعه بمجموعة من الجنود المنتهية خدمتهم العسكرية بقوة المقاومة، معتبرا أن الحرب معها لا تشبه أي حرب خاضتها "إسرائيل" من قبل، وخاطبهم: خدمتكم العسكرية لا تشبه أي خدمة بأي فترة، ولا تشبه حتى خدمة الجنود والضباط الذين خدموا في حروب "إسرائيل".

إيهود باراك، رئيس الوزراء الأسبق، قال إن الفلسطينيين أضحوا مثل الوسادة، كلما وجهت لهم لكمة ارتدوا بقوة، وكأنهم لم يتلقوا اللكمة. 

الجنرال داني روتشيلد، الرئيس السابق لقسم أبحاث الاستخبارات العسكرية، يقول إنه لأمر يثير اليأس والإحباط، أن تنجح حركة حماس بعد ما تعرضت له من ضربات، في تنفيذ سلسلة من العمليات الفدائية، إن أقل ما يمكن أن يقال هنا إن حديث الأجهزة الأمنية عن تقليص قدرات حماس هو أمر ليس فقط مبالغ فيه، بل ومحض خيال!

ويضيف: بغضّ النظر عن الجهود التي تبذلها أجهزتنا الأمنية، التي يتمّ استثمارها في ضرب المنظمات المسلحة، يتوجب الإقرار مرة واحدة وللأبد أنه لا يمكن القضاء عليها، ومن يندفع من بين قادة جيشنا ليعلن كل يوم انتصارا وهميا على حماس، فإن ما تقوم به هذه الحركة يمثل الردّ الحقيقي والمؤلم على مثل هذه الإعلانات الفارغة من أي مضمون.

وزير الدفاع الأسبق، بنيامين بن إليعازر، علق على تصاعد عمليات المقاومة، قائلا: علينا أن نتخلى عن الكثير من المسلَّمات التي تعلقنا بها في الماضي، وهي أننا لن نمنع مواصلة تقتيل مواطنينا في الشوارع والمقاهي والمنتديات، بإمكان المرء مواصلة الحديث عن إمكانية الحسم الأمني في مواجهة الفلسطينيين، لكن العمليات بعد كل هذه الجهود التي بذلناها تدلّ على أن هذه إمكانية غير واقعية مطلقا، ومن يواصل الحديث عن الحسم العسكري فهو بلا شكّ يوهم نفسه فقط!

مدير مكتب إسحق رابين سابقا، إيتان هابر، قال: الحقيقة التي يتوجب على دوائر صنع القرار الإسرائيلي إدراكها أنه لا يوجد مطلقا حلّ عسكري للمقاومة، ولذلك، إلى أن يتشرب القادة هذه القناعة، فإن مزيدا من خيبات الأمل ستكون من نصيبنا!

في خطوة لم يسبق لها مثيل، وجهت مجموعة "كتلة السلام" الإسرائيلية رسالة لجنرالات الجيش على صفحات الصحف العبرية، جاء فيها: حضرات جنرالات الجيش، تحية وبعد... قصفتم بالطائرات، وبالمدفعية، وقمتم باغتيالات، وعذبتم، ودمرتم بيوتا، واقتلعتم أشجارا، وصادرتم، وسلبتم، وسجنتم، واعتقلتم، وأبعدتم لمناطق أخرى وطردتم، وقمتم باحتلال مدن، وسيطرتم على قرى كاملة، وفرضتم الإقامة الجبرية، وأقمتم الحواجز... جربتم كل شيء، لم يتبقَ أمامكم أي شيء، إنكم مفلسون، حان الوقت لكي تستقيلوا من الجيش!

ويرى مراقبون أن تلك الأقوال والتصريحات عبرت عن تململ في أوساط النخبة السياسية والعسكرية الإسرائيلية، لكن ما طرحه المجتمع كانت تساؤلات جدية ومصيرية عن قدرة الجيش الحقيقية في تحقيق الأمن لـ"إسرائيل"، حيث حفلت وسائل الإعلام بعشرات -بل مئات- المقالات التي شككت بجدوى هذه السياسة، وحذرت من عواقبها، مؤكدة أن من شأن الإمساك بالخيار العسكري وحده تبديد إنجازات الحملات العسكرية من جهة، وزيادة دوافع المقاومة بين الفلسطينيين من جهة أخرى.

أما ما جاء على ألسنة الصحفيين وكتابات المحللين، فكانت على النحو التالي:


المعلق السياسي عوزي بنزيمان يعتقد أنه طالما بقي هناك مسلحون، وتوفر للمنظمات الفلسطينية "انتحاريون" ممن يسارعون بوعي وتصميم نحو حتفهم، وشبان يتطوعون لمهاجمة المواقع العسكرية للجيش، آخذين بالحسبان أنهم لن يعودوا من المعركة؛ طالما بقي كل هؤلاء، فلن تنتصر "إسرائيل" على الفلسطينيين! والتجربة تشير إلى أن المعادلات الإحصائية والمنحنيات التي تشير لانخفاض عدد العمليات، مسألة مؤقتة، ولا تبشر بحسم المعركة بحال من الأحوال، وإن سنوات الانتفاضة برهنت على وجود نمط تكراري في النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، وإن إعلانات النصر تعبِّر عن أمنية إسرائيلية أكثر من كونها تجسيدا للواقع.


تحليل سياسي على صدر الصفحة الأولى لمعاريف، أكد أن ما قامت به المنظمات الفلسطينية لم تقدر عليه سبعة جيوش عربية بأسلحتها الجوية والمدفعية والمدرعات خلال خمس حروب مضت، فخلال أعوام 2000-2005 أصيب إسرائيليون أكثر مما أصيب خلال الـ57 عاما منذ تأسيس "إسرائيل"، هذا العدد مذهل، نجح الفلسطينيون أكثر مما نجحت فيه سبعة جيوش عربية، خلال خمس حروب!


صحيفة هآرتس، رأت أن القوى الفلسطينية المسلحة نجحت نجاحا كبيرا، وسجلت تفوقا نوعيا في توازن الرعب والردع ضدّ الجيش، لا سيّما على صعيد الخسائر البشرية، وأشار جهاز "الشاباك" إلى أن ثمن المواجهة الحالية مع الفلسطينيين كلف "إسرائيل" أكثر مما كلفتها حرب الأيام الستة سنة 1967، حيث قتل حينها 803 إسرائيليين، وحرب الاستنزاف حين قتل 738 إسرائيليا على حدود مصر وسوريا والأردن.

المعلق السياسي أمير أورن، أكد أنه لا يدري أيضحك أم يبكي، عندما أعلنت وسائل الإعلام أن الحكومة الإسرائيلية اجتمعت لدراسة الردّ على تصاعد عمليات المقاومة، ويقول: من يسمع كلام الناطقين بلسان الحكومة يساوره الظنّ أن هناك خيارات أمنية لم يستخدمها الجيش ضدّ الانتفاضة، لكن الحقيقة إنه استنفد كل طاقته في مواجهتها، ومع ذلك عن أي ردود يتحدثون؟ إنه الإفلاس بعينه!

الكاتب يوئيل ماركوس، عقّب على عمليات الجيش ضدّ المقاومة في مقاله "جربوا الجزرة": بعد سنوات من الانسحاب من غزة، يتبين أن بنية المقاومة لم تقوّض، ورغم الدمار الواسع في أعقابها، خرج قادة التنظيمات منها سالمين معافين في معظمهم، ومع انتهاء الحملات وكنتيجة لها، ازدادت دوافع الفلسطينيين للانتقام، وتطورت أساليبهم وتضاعفت جرأتهم، وما زالت العمليات مستمرة.

المعلق السياسي البارز، جدعون سامت، قال إن سلسلة العمليات التي نفذتها حماس باتت تشكل عامل إحراج كبير للجيش وقيادته، ووصل الإحراج والإرباك درجة لا تحتمل، محذرا من النفق الذي وقع فيه قادة الجيش الفرنسي في الجزائر، حين رفعوا شعار: يتوجب قبل كل شيء تحقيق النصر في الحرب، في حين رفعت إسرائيل شعار: دعوا الجيش ينتصر، مؤكدا أن الإسرائيليين سينجحون في حربهم ضدّ المقاومة الفلسطينية، بحجم النجاح الذي حققه الفرنسيون ضدّ المقاومة الجزائرية!

ومع ذلك الإقرار الفاضح بفشل إجراءات الجيش العسكرية ضدّ قوى المقاومة الفلسطينية، وتمكنها من ترميم قدراتها، وإعادة تنظيم خلاياها خلال فترة قياسية، تولدت لدى الإسرائيليين، عسكريين ومحللين، وجهات نظر وقناعات جديدة، فحواها أن ما يسمى "البنية التحتية للإرهاب" ليس بنية مادية يمكن تدميرها بعملية عسكرية، بل بنية معنوية كامنة في وجدان كل فلسطيني. 

ولعل هذا ما قصده ضابط كبير، حين استعراض جهود الأجهزة الأمنية في القضاء على قوى المقاومة، قائلا: نجحنا بتصفية كل الخلايا العسكرية، وبقيت أمامنا خلية واحدة فقط، عدد أفرادها 3.5 مليون فلسطيني! 

وأشار الكاتب الصحفي، فيليكس فريش، إلى أن هذه البنية في المناطق المحتلة هي جميع الرجال الذين تتراوح أعمارهم بين 17-50 عاما، وقد اعتقل الجيش ما نسبته 5% منهم، وهو ما أكده المحلل "بن كسبيت" حين قال إن إحدى نتائج العمليات العسكرية للجيش ستكون إثارة الشعب الفلسطيني ضدنا؛ بحيث يتحول كله إلى انتحاري محتمل، متحمس للموت.

فيما كان أبراهام بورغ رئيس الكنيست ورئيس الوكالة اليهودية السابق، صريحا بالتأكيد على عدم دهشة "إسرائيل" حين يأتي الفلسطينيون مفعمين بالحقد، ويفجرون أنفسهم في مراكز التسوق الإسرائيلية؛ لأنهم "يسلِّمون أنفسهم لله" في أماكن تسليتنا، وباتت حياتهم الخاصة عذابا، يسفكون دماءهم في مطاعمنا ليفسدوا شهيتنا، وعندهم أطفال وأهل يعانون الجوع والإذلال.

ويضيف: بوسعنا أن نقتل ألف رأس من رؤوس "الإرهاب" ومهندسيه في اليوم الواحد، دون أن نحلّ شيئا أبدا؛ لأن الزعماء يأتون من تحت، من البنى التحتية للظلم الذي يعانونه!

التعليقات (0)