قضايا وآراء

بالذكرى السابعة لثورة 25 يناير: الشعب يريد بناء دولة الحق والقانون

نيفين ملك
1300x600
1300x600

تأتي الذكرى السابعة لثورة الكرامة للشعب المصري وسط مشهد درامي لانتخابات صورية؛ في سباق الرجل الواحد، وغياب تام لدور المؤسسات القادرة على ضبط السقوط وتشغيل فرامل الأمان.

والخطر الحقيقي لم يكن وليد اليوم، ولكنه الغياب التاريخي لدور الدولة ومؤسساتها في كفالة الحقوق والحريات، ومنذ عقود، وتغييب تفعيل دولة "الحق والقانون" ومفاهيم المواطنة، مع تنامي الشعبوية المجتمعية والتقسيم المجتمعي، أدى ويؤدي بالطبع إلى مزيد من التقهقر وخطر سيادة منطق القوة لا قوة المنطق. يرى روسو أن "على الدولة أن تحقق صنفين من الحقوق، حقوق الإنسان؛ لأنه لا يتجاوز في أنانيته الطبيعة، وحقوق المواطن، حيث يتمثل الفرد - كمواطن - لسلطة القانون عوض الخضوع لسلطة القوة". وبالطبع، تستفيد السلطة من الهيمنة المطلقة في الدفع بالمسؤوليات والتنصل منها، وإلقاء عبء كبير منها، وخاصة الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، على المؤسسات المهترئة، والتي تعاني من شبه فشل وظيفى، وانهيار ينعكس مباشرة على الإخفاقات في كافة السياسات المطروحة، (أمنية، اقتصادية، وغيرها)، ولذلك يتم اتخاذ إجراءات بعزل البعض وتعيين الآخرين بهدف ظاهر هو معالجة فشل الأجهزة، وهو واقعيا بهدف الاستحواذ المطلق والتمكن من مفاصل أجهزة الدولة الوطنية.

وحين لا تفصل السلطة ذاتها عن مؤسسات الدولة، بل يتم الزج بها في ممارسات سلطوية قمعية، وسياسات اقتصادية منبطحة أمام إملاءات صندوق النقد الدولي، تستعذب تركيع الشعب ورفع الدعم الحكومي عن أغلبية الشعب المصري، وهم الأكثر فقرا وحاجة، مع غياب سلطات الدولة المختلفة ومؤسساتها عن طرح الأسئلة المسكوت عنها!!

هذا الخلط في الأدوار، وتبادلها بين السلطة والمؤسسات، وتصادمها مع الحقوق والحريات العامة، كما في الإشكالية المزمنة حول دور السلطة التشريعية والقضائية، وسياسات إقرار قوانين استثنائية لشرعنة انتهاك الحقوق والحريات الأساسية، في حين أن الأصل في القانون هو ضبط مجال الحقوق، وليس تقييدها. وفي دولة الحق والقانون، يكون القانون بهدف حماية الحقوق، وليس لتأميمها، وعلى هذه المفاهيم تتم إدارة الحقوق الأساسية وتنظيمها، والأصل فيها الإباحة.. تتأسس دولة الحق والقانون على الحقوق الأساسية، ومنها الحق في حرية الرأي والتعبير، والحق في التجمع والحياة الكريمة والتمثيل السياسي.. أيهما يأتي في مقدمة دولة الحق والقانون.. ومسألة مصادرة كل تلك الحقوق والحريات الأساسية بتشريعات معيبة وغير دستورية، وتعارض في معظمها مع منظومة القوانين الوطنية، وعلى رأسها ما ندعوه بالعقد الاجتماعي (الدستور) ذاته.

إذن، لا مصلحة للسلطوية وتحالفتها المؤسساتية في تفعيل مبدأ المواطنة، وما يتطلبه ويترتب عليه من بناء منظومة متكاملة من الحقوق والحريات، وتعزيز المطالبة بعقد اجتماعي ودستوري حقيقي، لا مجرد حبر على ورق أو نصوص تجميلية ديكورية للاستهلاك المحلي والعالمي.

عقد اجتماعي حقيقي يضمن تفعيل الحريات الأساسية، ومنها المشاركة السياسية والحريات الدينية، وحرية ممارسة العبادة ومختلف الحريات الشخصية، وتعزيز تكافؤ الفرص ومنع التمييز، لنظل نتحدث عن الحقوق والحريات المجتزئة، وفي حدود ما تجود به السلطة التي تجنح لتقييد تلك الحقوق والحريات قانونيا وإداريا ومؤسساتيا.

 وفي ظل ممارسات ممنهجة لإحكام السيطرة على المجال العام ومنطق الرعاية لا المواطنة، يظل الحديث التاريخي المجتزأ عن فتات الحقوق كهبة من المانحين، لا في إطار مفهوم أوسع لدولة الحق والقانون.

إقرار تشريعات تجميلية!!

فغياب الإطار القانوني الفعال والعملي لحل مشكلات المصريين، في إطار بناء دولة الحق والقانون، مع تنامي خطاب الكراهية وتدهور الأوضاع الاقتصادية والأمنية، والجو العام الذي يشهد تراجعا حادا للحريات العامة، وفشل مؤسسات الدولة في الإدارة المحايدة للدولاب الإداري، وتفشي انتهاكات حقوق الإنسان، وجرائم التعذيب وإقرار الإفلات من العقاب، فضلا عن الانسداد السياسي وإغلاق المجال العام أمام منظمات المجتمع المدني الفاعلة ومختلف شرائح المجتمع المدني.. كل هذا ليس فقط عائقا أمام الاستحقاق التاريخي لحلم الديمقراطية والتداول السلمي والمشاركة الشعبية لشرائح أبناء الوطن، وأمام الأغلبية الساحقة من الشعب المصري وتعميق الانقسام المجتمعي، والاستمرار في اتباع سياسات فرق تسد ذات الأبعاد التاريخية الخطيرة وتداعياتها على تدمير النسيج الوطني، وربما استخدام الأقلية المسيحية في لعبة شد الحبال وكوقود في معركة تثبيت أركان السلطة والسلطوية المطلقة وحكم الفرد، بغض النظر عن النتائج السلبية.. كل تلك الأمور مآلتها إلى تفكيك مكونات المجتمع المصري، وتراجع الأمل في إقرار المواطنة الكاملة وفي بناء الدولة الديمقراطية، المدنية الحديثة التي ترعى وتضمن في إطار احترام القانون حقوق الأقلية والأغلبية.

- يجب الاعتراف بفشل مؤسسات الدولة في الالتزام بضمانات الحماية الواجبة، ودورها المؤسساتي في تفعيل حقوق المواطنة لعموم المصريين. ويتوجب العمل على وضع قواعد تشريعية حقيقية مفصلة وعملية، يشترك أطراف المجتمع المدني بكافة أطيافه في وضعها، وتتوافق مع المعايير الدولية لتحدد التزامات كافة مؤسسات الدولة العامة والخاصة؛ فيما يتعلق باحترام مبادئ تكافؤ الفرص وحظر التمييز بين المواطنين على أي أساس كان.

- يجب تمسك المجتمع المدني ومواطنيه من الدرجة الثانية؛ في المطالبة بإنشاء آليات مؤسساتية لمراقبة تنفيذ التشريعات، وجهات مخوله لفحص وتلقي الشكاوى وإجراء التحقيقات، والتعامل بشفافية وجاهزية مع المتضررين والشاكين.

- التصدي بمسؤولية لجميع أشكال الشعبوية، ووقف خطاب الكراهية والتحريض في إطار احترام الحقوق والحريات الواردة في المادتين 19 و20 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، وإعداد خطة عمل الرباط بشأن حظر الدعوة إلى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية التي تشكل تحريضا على التمييز أو العداوة أو العنف.

-  وفي ضوء المشهد الحالي، وغياب الحياة السياسية وإغلاق المجال العام، تبدو فرص تعافي الجماعة الوطنية قليلة، ولكنها واجبة ومستحقة تاريخيا للمحافظة على بنية الدولة الوطنية ومكوناتها، ولتعافي المجتمع وإعادة اللحمة الوطنية، ومعالجة الاحتقان المجتمعي، ولجم تنامي الخطاب المتشدد من بعض الجماعات المتشددة، وتشجيع محتلف شرائح المجتمع المصري على الثقة في دور وقدرة الجماعة الوطنية والمجتمع المدني المطارد في التشجيع على التمسك بحلم الثورة المصرية؛ في بناء دولة الحق والقانون، وممارسة المواطنة، ورفع الوعي المجتمعي بالمطالبة بكافة الحقوق الأساسية، والتفاعل، وضرورة تشكيل رأي عام يتعاطى مع إشكالية رفع الوصاية عن مختلف شرائح المجتمع، وخاصة ما يخص النيابة السياسية، ووصاية السلطة ومنهجها، وتعاطيها التمييزي مع المواطن المصري.

- لا بد من التمسك بحق المجتمع المدني في فتح المجال العام أمام كافة أطيافه، وعلى الجماعة الوطنية مواصلة النضال من أجل التواصل، وعلى الجماعة الوطنية والمؤثرين، من مؤسسات ونخب سياسية وفكرية وثقافية، التقارب وتوحيد الصفوف، وتجاوز الانقسامات؛ من أجل مناقشة طرح حلول واقعية عملية، والبحث عن مخرج للمحافظة على الدولة الوطنية، والتصدي لخطر تفكيك عناصر المجتمع، ومواجهة كافة المخاطر الداخلية والخارجية.

التعليقات (0)