مقالات مختارة

ورطة البحث عن "محلل" في الانتخابات الرئاسية!

جمال سلطان
1300x600
1300x600

مثل قائد السيارة عندما يتعامل مع موقف مفاجئ أمامه في الطريق بعصبية وتهور، ممزوجا بالاستهتار وغرور السيطرة، فيلوي مقود السيارة بشدة؛ ليهرب من الموقف، فيفاجأ بالسيارة تتجه إلى صدام أخطر على الجانب المقابل، فيعود ليلوي المقود بعصبية أشد للاتجاه الآخر، فيجد أن السيارة توشك على صدام أسوأ، وهكذا ينتهي الفعل العصبي ورد الفعل عليه إلى أن تفلت "السيارة" من سيطرته.

قريب من هذا ما نحن فيه الآن في أجواء الانتخابات الرئاسية، حيث تم التعامل بعصبية شديدة مع التحدي المفاجئ بإعلان شخصيات "ثقيلة" نية ترشحها بما يمكن أن تضفي على العملية الانتخابية نوعا من الشرعية والقوة والثقة، فتم إبعاد تلك الشخصيات بشكل متوالي، بصورة أو أخرى، حتى فوجئ أصحاب القرار بأنهم هربوا من حفرة فوقعوا في أسوأ منها؛ لأنه لم يعد هناك مرشح الآن أمام الرئيس عبد الفتاح السيسي، وهو الوحيد الذي تقدم بأوراقه إلى الهيئة الوطنية للانتخابات، ولم يبق سوى ثلاثة أيام على غلق الباب، وإذا استمر هذا الوضع فلا يوجد انتخابات سياسية، وستجد "الدولة" المصرية نفسها أمام ورطة حقيقية، وأمام سؤال أكثر خطورة عن الشرعية السياسية لها في تلك الظروف.

الإجراءات الشكلية تسمح بمنح الفوز للمرشح الوحيد إذا حضر 5% من الناخبين، ولكن السياسة ليست مجرد إجراءات والشرعية ليست مجرد ديكورات، والانتخابات السياسية التي تمنح الشرعية المحلية والدولية بشكل حقيقي وجاد ومقنع هي تلك التي تجري بين متنافسين لهم حظوظ ولهم قدرة ولهم مساحات إعلامية وسياسية متساوية أو متقاربة، وفي ظل مناخ سياسي وأمني يسمح لكليهما بالحشد والتأثير ومخاطبة الناخبين، وكل هذا غير موجود الآن بطبيعة الحال، وهناك أصوات دولية بدأت تتزايد حول معنى تلك الانتخابات بالصيغة الحالية بعد إبعاد كل المرشحين الجادين منها، ولعل أخطرها ـ وليست الوحيدة ـ تصريحات جون ماكين القيادي البارز في الكونجرس الأمريكي، هذا فضلا عن الصورة الكئيبة التي ينقلها الإعلام العالمي عن حال "الانتخابات" في مصر.

وفي محاولة لإنقاذ المشهد أشار عدد من الإعلاميين المقربين من رئاسة الجمهورية والمؤسسات المعنية بأن الحوار مكثف الآن مع بعض الشخصيات السياسية لمحاولة استرضائها لكي تترشح أمام الرئيس لتحسين المشهد و"إخراجه" بشكل لائق، وذكر في هذا السياق اسم رئيس حزب الوفد السيد البدوي والمرشح السابق حمدين صباحي، وقد يكون هناك آخرون يجري التفاوض معهم، وهو وضع مزر جدا ومهين للدولة المصرية ذاتها، ولا أظن لذلك سابقة في تاريخ الانتخابات حتى في العالم الثالث، والحقيقة -إن صحت تلك المعلومات- فإنها ستكون محاولة للخروج من ورطة بالدخول في ورطة أسخم منها وأسوأ، وخروج المشهد بما يشبه الاستفتاء أرحم كثيرا للصورة العامة من الدفع "بمحلل" في الساعات الأخيرة، بما يثبت للكافة أننا أمام مسرحية وليس أمام عمل سياسي جدي.


إنها لعنة كل من تآمروا على ثورة يناير، التي نحتفل اليوم بذكراها السابعة، كل من تصور أنه يمكنه أن يختطف الإرادة الشعبية ويركب موجتها لحساباته الخاصة خسر وأفلتت منه القيادة وضاعت منه البوصلة، لم يدركوا أن الثورة لم تكن مجرد تظاهرات احتجاج أسقطت مبارك وأركان نظامه القديم، وإنما كانت عملية تحول هائلة في وعي المصريين وفي إرادتهم وفي سقف طموحهم السياسي والحقوقي والإنساني، كانت عملية إحياء شامل في الضمير الوطني، وتأهل في أتون نارها نورها جيل كامل من الشباب بعشرات الملايين، أكثر وعيا وحماسة وطموحا، لا يمكن استغفاله، ولا يمكن إهدار أشواقه للحرية والكرامة والعدالة والشراكة السياسية الحقيقية، ولا يمكن تجاوز أحلامه في وطن أفضل ودولة تليق بعراقة بلاده وعمقها التاريخي والحضاري وما قدمته للبشرية في العلم والمعرفة والثقافة والفكر والدين، أمام هذا الإحياء الجديد وتلك الأجيال الجديدة لا يمكنك إلا الاستجابة لبناء دولة ديمقراطية حقيقية والانحناء أمام الهتافات التي ما زالت حية، حتى وإن كانت مكبوتة، والتي رددتها حناجر عشرات الملايين من المصريين في ميادينها المختلفة في ثورة يناير، ودفع العشرات في سبيلها ضريبة الدم والحرية.

المجد للشهداء، رحمهم الله ونور قبورهم، والتحية لكل مصري وطني نبيل، أيا كان اتجاهه، ما زال معتصما بمبادئ ثورة 25 يناير العظيمة، أنبل وأشرف ما عرفته مصر في تاريخها الحديث، والتحية لكل مناضل من أجل تحقيق أهدافها وأحلامها في مستقبل مصر.


المصريون المصرية

2
التعليقات (2)
محمد كيموش
الجمعة، 26-01-2018 08:08 م
لقد وقع السيسي في الفخ المنصوب له من عصب ماكرة و داهية ، و هو يتخبط في الفوضى فكل خياراته المتبقية أمر من العلقم و هو سيسعى لحتفه بظلفه . صحيح يفعل الجاهل المستبد بنفسه مالا يفعله العدو بعدوه . ولا يلوم سوى نفسه فيداه أوكتا و فوه نفخ .
ادريس
الجمعة، 26-01-2018 09:34 ص
للاسف ... حتى الآن..يتهرب الأستاذ جمال من قول الحقيقة..وهي بأن التجربة الوحيد التي اتت برئيس مدني..شارك الكاتب ولا يزال..في مساعدة المتآمرين.. على ثورة يناير المجيدة ..

خبر عاجل