مقالات مختارة

سقوط أوهام أوسلو… شكرا ترامب!

علي الصالح
1300x600
1300x600

عديدة تلك النداءات والمناشدات التي تتسع لها المجلدات، نداءات ودعوات يناشد فيها المسؤولون الفلسطينيون، سواء في السلطة أو المعارضة اليسارية والوطنية والإسلامية، «الأشقاء» العرب والمسلمين لتوفير شبكة الأمان السياسي والمالي للفلسطينيين، دعما لهم في مواجهتهم أعتى دولة احتلال، وقرارات أمريكية داعمة لها ظالمة أو مظلومة، وهي طبعا الظالمة دوما، آخرها قرار ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال ونقل سفارته إليها. 


وإمعانا في العنجهية والتحدي، أسقط ملف القدس من طاولة المفاوضات، كما قال متبجحا، وإلى جانبه نتنياهو في المنتدى الاقتصادي في دافوس يوم الخميس الماضي. ولرش الملح فوق الجراح جاء نائبه مايك بنس، بقناعاته اليمينية المسيوصهيونية، غير عابئ بأحد ولا مقدرا لشعور أحد، إلى القدس ليؤكد مجددا أنها عاصمة إسرائيل الأبدية، وليحدد موعد نقل السفارة إليها قبل نهاية عام 2019، وذلك في خطاب من على منبر الكنيست، وُصف إسرائيليا بأنه الخطاب الأكثر صهيونية، والأكثر تعاطفا مع إسرائيل، والأكثر تساوقا وتماهيا مع سياسات حكومتها الاحتلالية العنصرية الدموية. 


مناشدات ونداءات يصر المسؤولون الفلسطينيون من كل الأطياف على تكرارها صباحا ومساء، حتى أصبحت كالإسطوانات المشروخة، لعل وعسى تستجاب إحداها فتجد في غفلة من الزمن آذانا عربية وإسلامية رسمية صاغية، نداءات يعرف أصحابها قبل غيرهم، مسبقا أنها ستنزل على آذان صماء، نداءات يصدق فيها قول الشاعر: «لقد أسمعت لو ناديت حيا، ولكن لا حياة لمن تنادي، ولو نار نفخت بها أضاءت، ولكن أنت تنفخ في رماد».


نداءات مبنية على افتراضات موجودة فقط في مخيلات أصحابها، من قبيل المطالبة بـ«تشكيل موقف عربي وإسلامي». يقول نداء من مئات النداءات، صادر عن مسؤول كبير في تنظيمه: «لا يجوز أن تحصر الخطوات في الموقف الفلسطيني. ولا يجوز للدول العربية والإسلامية أن تتنصل من مسؤوليتها المقدسة في مواجهة مخطط أمريكا، كون قضية القدس ليست قضية الفلسطينيين وحدهم»، داعيا لتضافر الجهود العربية والإسلامية، ووضع «خطة إسناد»، لـ«ردع القرارات الأمريكية التي تتطلب موقفا عربيا وإسلاميا، وخطة إسناد للشعب الفلسطيني لمواجهة هذه القرارات»، ووصف قرارات الرئيس الأمريكي الأخيرة بـ«كلها عدائية تجاه الشعب الفلسطيني».


ويخرج علينا مسؤول فصائلي آخر يحثّ قادة وحكومات العالمين العربي والإسلامي إلى «الوقوف عند مسؤولياتهم اتجاه المسجد الأقصى المبارك، وما يتعرض له من هجمة شرسة من قبل الحكومة الصهيونية والمغتصبين الصهاينة»، ويؤكد ضرورة أن يكون هؤلاء «سند لإخوانهم المقدسيين بالتحشيد والمؤازرة والدعم المادي والمعنوي والإعلامي والقانوني في المحاكم والمحافل الدولية». ويزيد بمطالبة جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي لـ«اتخاذ إجراءات فاعلة» لحماية المسجد الأقصى ومدينة القدس من التهويد المستمر، ودعم صمود سكانها»!


فعلا شر البلية ما يضحك، ألم يستوعب مسؤولونا من كل الأطراف والأطياف أن نداءاتهم «كمن ينفخ في قربة مقطوعة»، ألم يدركوا حتى الآن أن ما قام ويقوم به ترامب وإدارته اليمينية المتشددة يأتي في سياق ما يسمى صفقة القرن؟ وأن اعتراف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل هو في صلب صفقة القرن، وأن هذه الصفقة تتم بالتنسيق مع بعض الدول العربية التي يناشدونها بالوقوف في وجه ترامب دفاعا عن القدس ومقدساتها، يعني بصريح العبارة إن هذه الدول هي جزء من المؤامرة الكبرى، جزء من الشرق الأوسط الجديد، الذي تعمل إدارة ترامب وحكومة نتنياهو من خلاله، على تغيير وقلب الثوابت والمفاهيم والمعادلة القائمة في الشرق الأوسط منذ أكثر من70 عاما، مفادها أن إسرائيل وليس إيران، هي محراك الشر، وسبب كل المشاكل التي عاشتها وتعيشها وستعيشها المنطقة لسنوات مقبلة. 


فمتى كانت آخر مرة تلبي فيها هذه الدول نداءاتكم؟ ألم تتعلموا أن الأيام التي كان يتداعى فيها المسلمون دفاعا عن بعضهم قد ولت بلا رجعة؟ ولن يسمع نداءاتكم واستغاثاتكم معتصم آخر. ولربما يشكل تكرار هذه النداءات تعويضا عن أفعال وواجبات يفترض أن تقوموا بها. آن الأوان لتعترفوا أمام أنفسكم أولا بأن مناشداتكم الدول العربية والإسلامية أصبحت دليلا على قلة الحيلة والضعف والوهن، وضربا من ضروب الاستجداء. وآن الأوان لكي تركزوا على الأفعال وتكفوا عن الأقوال؟


وللذين اكتشفوا مؤخرا عداء امريكا، ويصرحون كل يوم بأن «الإدارة الأمريكية وضعت نفسها في  خندق معاد للشعب الفلسطيني»، نقول كفى ترديدا لهذه اللازمة، خلاص يا أيها المسؤولون عنا والقائمون على حمايتنا، ويا من تقررون سياساتنا، ويا من تضعون استراتيجياتنا، خلاص ارحمونا كفى ترديدا لمثل هذه التصريحات، فهمنا أن الولايات المتحدة خصمنا بل عدونا: بعد 70 سنة على نكبة فلسطين، و50 سنة على نكسة يونيو 1967، وبعد الجسر الجوي لنقل السلاح إلى إسرائيل خلال حرب أكتوبر 1973، وبعد44 استخداما لـ«الفيتو»، ضد قرارات تتعلق بالقضية الفلسطينية في مجلس الأمن الدولي.


بعد نحو 25 عاما على اتفاق أوسلو، شهدت البلاد ازدهارا كبيرا في بناء المستوطنات وتضاعفا في أعداد المستوطنين، تحت بصر وسمع الإدارات المتعاقبة في البيت الأبيض، وبعد 25 من مفاوضات تتوقف لتعود إلى المربع الأول ثم تُستأنف فتعود مجددا إلى المربع الأول وهكذا، وبعد نحو 25 عاما من العلاقات مع واشنطن لم يرفع خلالها اسم منظمة التحرير الفلسطينية عن قائمة الإرهاب.


كل هذه الأدلة لم تكن كافية لإقناعنا في الماضي بأن واشنطن لم تكن راعيا نزيها لرعاية عملية المفاوضات، ومنحازة فحسب، بل ضالعة في الاحتلال من خلال مليارات الدولارات التي تنفقها على دولة الاحتلال، والسلاح الذي تقدمه لجيش الاحتلال والقوة البشرية التي تزود بها الاستيطان، حتى جاءت اللطمة الكبرى باعتراف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل، تلك اللطمة التي كانت الشعرة التي قصمت ظهر بعيرنا فلم يعد قادرا على التحمل. فهمنا أن الإدارة الأمريكية عدو لنا على طول الخط، فلا داعي للتكرار، الذي إن دل على شيء فإنما يدل على مدى العجز الذي نحن فيه، ونعوض الأفعال بالأقوال.


إذا كنا غير قادرين على توحيد صفوفنا، وعاجزين حتى عن الاتفاق حول مسيرة احتجاجية موحدة أو إضراب عام.. كيف تتوقعون أن يرفدكم الآخرون، فلتسكتوا عن الكلام وتركزوا التفكير في الخطوات العملية، التي يمكن الاتفاق حولها، ليس دفاعا عن القدس وحده، بل القضية الفلسطينية برمتها، مستفيدين من عدالة قضيتنا وثبات وصمود شعبنا واستعداده لبذل الغالي والرخيص من أجل قضيته.. لكنه لن يقدم على أي خطوات طالما بقيتم منقسمين مشرذمين متمسكين بمصالحكم الفصائلية التي هي بالتأكيد فردية وشخصية. فلترتقوا فوق هذه المصالح ولتضعوا مصلحة الوطن فوق كل المصالح.


وأخيرا نحمد الله ونشكر دونالد ترامب على إعادة الصواب إلى عقولنا وتعريفنا بمن هو عدونا الحقيقي، وما فعله ترامب عمليا هو ما كان يفعله أسلافه من الرؤساء الأمريكيين تحت غطاء جهود السلام، شكرا لترامب على فسح المجال لنا لإعادة النظر في سياساتنا الخطأ، والسماح لنا دون إحساس بالخوف بالقول لا لأمريكا، ولولا قراره لبقينا على عمانا وبساط فلسطين والقدس يسحب من تحت أرجلنا ونحن راضون.


وأختتم بالقول، إن البحث عن إطار جديد لعملية السلام يعني أننا لا نزال نضيع الوقت. فإسرائيل لن تقبل ببديل لواشنطن راعيا للسلام، ونحن لن نقبل بواشنطن وسيطا بعدما كشرت عن أنيابها، وهذا يعني وصول عملية التسوية إلى نهايتها الحتمية بعد نحو ربع قرن. ولا بد أن نبحث عن بدائل ولسنا بحاجة للبحث طويلا أو بعيدا، علينا أن نبحث عنها في حديقتنا الخلفية، وسنجدها في إعداد شعبنا للمرحلة المقبلة، وسنجدها في تحديث مؤسساته السياسية والشعبية، وسنجدها في تنفيذ قراراتنا، وسنجدها بإنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة، وسنجدها بوحدتنا وبرنامجنا الواحد، وإن كان برنامج حد أدنى، وسنجدها في فتح المجال للمقاومة المحسوبة والمدروسة، بكل أشكالها، فلا يحك جلدك غير ظفرك. 

 

 

القدس العربي
0
التعليقات (0)

خبر عاجل