مقالات مختارة

ديمقراطية التماسيح!

خيري منصور
1300x600
1300x600

قرأنا كثيرا عن دموع التماسيح، وأخيرا عرفنا أن تلك الدموع لا يذرفها التمساح حزنا على الضحية، بل هي نشاط بيولوجي له دور في عملية تسهيل الهضم، لكن ما لم نسمع به من قبل هو ديمقراطية التماسيح، التي تتلخص في مقايضة بين التمساح والطيور الصغيرة، أو ما يسمى في لغتنا بُغاث الطير.

 

فالتمساح بعد ازدراد الفريسة وسحقها بفك منشاري مشحوذ كالسكين يتبقى شيء منها بين أسنانه، وهو أمر يزعجه؛ لهذا يفتح فمه، كي يتيح للطيور الصغيرة الجائعة أن تلتقط ما تيسر من البقايا، لكنها ليست معاهدة بحيث يلتزم كل من الطرفين بحصته من الضحية، وما من ضمانة للطيور المسكينة بأن يبقى التمساح مفتوح الفم كما لو أنه يتثاءب، وقد يطبق فكيه على نحو مفاجئ، فتتحول الطيور إلى ما يشبه الطحين!

والديمقراطية في التاريخ ومنذ منشئها الإغريقي قبل أكثر من ألفي عام، تحولت إلى عجينة رخوة يعاد تشكيلها في كل مرة حسب الطلب، والطلب مرتبط جذريا بأنماط الإنتاج السائدة، لهذا تعددت أشكالها وتعددت ألوانها وحجومها، وهناك من رأوا بها تقسيم الغنائم بينهم وبين أنفسهم على طريقة الإقطاعي، الذي كان يدفع الضريبة لنفسه، فيأخذ من جيبه نقودا ويحشوها في صدر عباءته، وهذا ما عبّرت عنه المقولة الموروثة بشيء من السخرية « من الجيب للعب « أو من الجيب الأيمن للجيب الأيسر!

وقد جرب العرب المعاصرون أو بمعنى أدق المعصورون حتى آخر قطرة ديمقراطيات من طراز غير مسبوق، ومنها ديمقراطية الشقاء وتوزيع البؤس بعدالة، ومنها ما يذكرنا بتلك الحكاية عن قائد منتصر في حرب، طلب من أحد مساعديه توزيع الغنائم بالعدل، وكذلك السبايا، فقام الرجل بالمهمة، وقال لسيده هذه السبية الصبية لك في الصباح، وتلك لك في الظهيرة، والثالثة في المساء، حتى وصل الهزيع الأخير من الليل.

أخيرا، بل أولا، الديمقراطية ليست قبعة أو وجبة سياسية مجانية؛ لأنها كالحرية تماما تؤخذ ولا تُعطى!!


الدستور الأردنية

0
التعليقات (0)