كتاب عربي 21

حين ظهر خائفاً

آيات عـرابي
1300x600
1300x600

كان مذعوراً ترتعد فرائصه حقاً ولم يكن بمقدوره إخفاء هذا. كثيرون رأوا في لهجته المذعورة أملاً. رسائل التهديد المبطنة التي حملتها كلماته المتلعثمة أظهرت كم يعاني من الخوف. مجرد رؤيته وهو يتحدث بهذه الطريقة حملت البعض على الابتسام.

بعد كلماته التي ظهر فيها واضحاً انفلات أعصابه وقنوطه واقترابه من مرحلة الانهيار النفسي، اكتظت مواقع التواصل الاجتماعي بالتعليقات الساخرة التي كان بإمكانك أن تلمح فيها زفرات راحة تبررها طرق امتلأت بجثامين الشهداء في سلسلة من المجازر يستحيل أن تُمحى من الذاكرة وسنوات عجاف ناءت تحتها عظام الشعب الذي بات يئن تحت ثقل الغلاء وهو صنو العجز السياسي وقلة الحيلة والتخبط.

الكثيرون رأوا في عصبيته ورعبه نوعاً من السلوى وهي حالة جديرة بالدراسة، فهذا شخص يكرهه ظله، ولقد نجح في سنوات ما بعد الانقلاب في الفوز بكراهية لم يبلغها المخلوع إلا بعد عشرين سنة من حكمه.

هذه الحالة غير المسبوقة التي ظهر عليها والتي بدت كما لو كانت مشهداً تمثيلياً في نهاية أحد الأفلام الدرامية، احتاجت منه (في رأيي) أن يغطي عليها بزيارة إحدى المناطق الصحراوية (التي يُقام عليها شيء ما لا نعرف كنهه كسائر المشروعات التي يقيمها حكام العسكر) ليطلق بعض التصريحات وليبدو كما لو كان يتفقد مشروع ما لتتناول هذا برامج التوك شو والتقارير الصحفية بينما الحقيقة أن كل هذا هزل.

 

والهدف الحقيقي هو محاولة غسل ذاكرة الناس من أثر تلك المشاهد المرتبكة التي ظهر فيها خائفاً وحالة التشعث النفسي التي بدا عليها والظهور كما لو كان كل شيء على ما يُرام وهي حيلة متكررة ألفها الناس، ولم تعد تنطلي على أحد ولم تفعل هذه الزيارة سوى أن زادت الأمور سوءاً إذ أدرك الجميع أنها ما تمت إلا للتغطية على ظهوره المشوش أول أمس.

ومن المتوقع أن تتبع هذا إجراءات أخرى كرفع أسعار بعض أسعار السلع الأساسية أو افتعال بعض الأزمات الاقتصادية أو أي شيء يمكن أن يصنع ضجيجاً ويضغط على أعصاب الشعب في اتجاه البحث عن لقمة العيش وهذا من أبجديات سياسة العسكر.

وعند العسكر يمكن أن يعمل الغلاء كوسيلة من وسائل المونتاج السياسي إذا جاز التعبير فيضغط بثقله على كاهل الشعب لينسى مشهداً يراه العسكر جديراً بالنسيان، وتُستخدم الأزمات للتغطية على الأزمات السابقة وهكذا تتحول مشاهد الحياة السياسية إلى ما يشبه حلقات مسلسلات "السيتكوم" التي تجعلك الحلقة الجديدة تنسى محتوى الحلقة الماضية، أو كبرامج المقالب التي تستضيف الممثلين ويصبح كل شيء كدوامة من المشاهد السريعة المتتابعة التي تُعرض على شاشة عرض عملاقة.

في شهر مايو السنة الماضية كتبت مقالاً هنا شرحت فيه لماذا ادعو لمقاطعة انتخابات الانقلاب، وكنت قد راهنت في دعوتي هذه على أن عسكري الانقلاب قد جفف الحياة السياسية في مصر تماماً وأنه نتيجة لهذا ولأن الأوضاع الاقتصادية قد بلغت درجة مرعبة من التردي فإنه لابد أن يؤدي هذا الانسداد إلى عزوف الشعب عن المشاركة انتخابات الانقلاب وكان تفكيري أنه من الضروري أن يظهر أمام الجميع كشخص فرض نفسه بالقوة وأنه مرفوض شعبياً وأن أحداً لا يريده وهذا في حد ذاته نصر سياسي يمكن البناء عليه. 

ولا شك أن الإجراءات العنيفة التي اتخذها ضد عنان بعد أن بعث ترشحه بعضاً من الأمل لدى أخلص من دعموا الانقلاب من البداية، قد أضافت إلى هذه الحالة من الانسداد وأعادت كل شيء إلى المربع صفر وزادت العازفين عزوفاً.

 من ناحية أخرى تكشف هذه الحالة التي بعثها ترشح عنان لدى داعمي الانقلاب، عن أن الانقلاب نفسه قد جف سياسياً وانتهى شعبياً ولم يعد يتمتع بأي ظهير.

7
التعليقات (7)
بشير
الأحد، 11-02-2018 11:45 م
المشكلة عندكم تكمن بداية من تناول الجد بكثير من الهزل ، السيسي اعتمد على مثل هذه القابلية التي انخدع بها الإخوان وانطلت عليهم حيلة المشهد الذي كانهزليا إلى أبعد الحدود .
احمد الهباهبة
الأحد، 04-02-2018 06:56 م
مساء الخير جهودكم مباركه
ابو عكرمه بقه
الأحد، 04-02-2018 10:01 ص
سينتصر المسلمون مهما فعل اعداؤهم لان عثرات المسلمين تعلمهم كيف يقفون سويا وكيف يسيرون مليا وكيف يسلكون الدرب حتى يصلون الى مبتغاهم فبالخطإ نتعلم لأنه من لا يخطئ لا يتعلم صحيح قوى الشر تكالبت وتحالفت وتناسلت من كل حدب وصوب لوأد الحرية التي ترنو اليها النفوس ولكن الله صخر لهم عبادا فطنا بذلوا الغالي والنفيس حتى جادوا بالارواح والمهج لنصرة الحق وتحرير الخلق من قيود العبودية المقنعة بتيجان الخداع والمكر ايها المنخدع لا تخدع نفسك وان خدعوك انظر حولك لتعرف بأم عينيك اين هم واين انت وهذا خير دليل لتعرف كم خدعوك استيقض ولا تغط في النوم فتتحول الى مستحمر يسبت لا يستفيق حتى في فصل الربيع الذي تزهو فيه الحياة استفيقوا حتى لا تموتوا كما مات اهل القبور استفيقوا حتى لا ينطبق عليكم قول الشاعر لقد اسمعت حيا لو ناديت ولكن لا حياة لمن تنادي استعينوا بالصبر والصلاة فالفرج بيد الله والاعمار بيد الله فلا تخافوا الا الله لا اله الا الله محمد رسول الله
مُواكب
الأحد، 04-02-2018 05:24 ص
انطلق من مبدأ أن على كل واحد منّا تقديم ما بِوسعه من أجل الخلاص من الكابوس الذي يُمَثله السيسي وجنرالاته اللصوص. وأُقدِّم المُقترح التالي لِأُخوتي وأخواتي في مصر عسى أن يتدارسوه. أن لا نكتفي بِمُقاطعة الانتخابات، وأن نُضيف على ذلك التزامنا في بُيوتنا خلال العملية الانتخابية نَدُقُّ فيه بشكل منتظم على الطناجر لِإحداث ضجيج كالهدير يُفقد الطاغية عقله، فينتحر بعدها أو يلجأ إلى دولة الإمارات الشريرة. بهذا الأُسلوب السلمي استطاع شعب الأرجنتين اسقاط آخر ديكتاتورية عسكرية.
مصري جدا
السبت، 03-02-2018 09:07 م
دائما اتوقع في نهاية المقالات ان يمد القراء يديه للقراء بماذا بعد ،،، لان الوصف التفصيلي للواقع لا يكفي وحده ،،، ولابد من ثم ماذا بعد ،،، هذه الحالة من الخوف والهلع والقلق يجب البناء عليها واستثمارها ،، كيف ،، هذا هو الموضوع ،،، اتصور عدة نقاط ،، اولها ،،، استكمال المسار الاعلامي وفقا للمتاح مع تطويره وللشباب على الميديا اداء مميز اربك اعلام النظام بكافة ادواته ومؤسساته المدنية والعسكرية وجعل المليارات التي تنفق كانها رماد في يوم عاصف ،، ما جعل السيسي يوبخ الاعلاميين الذين صاحبوه في رحلة جبل الجلالة وكلف عباس كامل بالاطاحة بالكسلان ومحاسبة الفاسد منهم ،،، استكمال المسار الاعلامي بنشر الوعي وعرض الحقائق ومشف الفساد والدفاع عن كل صاحب حق ،،، ثاتيها ،،،، الضغط على نقاط الوجع والخوف في دعم المعارضة الحقيقية وليست الشكلية ،،، ثالثها ،،،، مناشدة الشرفاء من الجيش والشرطة للقيام بدورهم الوطني في انقاذ الوطن ،،،، وهكذا